الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا .. ولمصلحة من المفاوضات والحل السياسي ؟

بدر الدين شنن

2016 / 2 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


لقد أكدت التجربة السياسية السورية ،’بعيد الاستقلال وحتى الآن ، أنه لا يمكن لأية جهة سياسية ، في الحكم ، وفي معارضي الحكم ، أن تتبنى سياسة مرحلية .. ومستقبلية .. ناجحة ، وتتخذ مواقف صحيحة في ظروف البلاد الحرجة ، على خلفيات تتجاوز التحليل العلمي للواقع السياسي والاجتماعي ، بكامل أبعاده الطبقية ، والديمقراطية ، والوطنية ، والقومية ، وتنساق وراء نزعات شخصية سلطوية مغامرة . بدلالة مرحلة الانقلابات العسكرية ( 1949- 1958 ) . ومرحلة الحكم الحزبي الأحادي القائم على امتداد عشرات السنين ، ومرحلة المرحلة الوطنية الجارية منذ ( 2011 ) .

لا وقت الآن لتعداد الانقلابات العسكرية .. انقلاب يطيح بحكومة قائمة .. ثم يطيح انقلاب آخر بحكومة الانقلاب الذي سبقه . ولا وقت الآن لشرح خلفية كل انقلاب ، وخيوط الخارج المحركة لمفاعيله ، وكذلك مدى أضراره المباشرة ، فقد كان كل شيء في حينه مكشوفاً ، وإنما يمكن إلى حد ما ، إضاءة الأضرار غير المباشرة على البنية السياسية والوطنية ، والترسبات المستدامة الضارة في العقلية السياسية ، التي نتجت عنها ، وترسخت بمثابة بنية تحتية للمسارات والخيارات السياسية .

مع الاحترام لحسن النوايا ، عند بعض مفاعيل تلك المرحلة ، ينبغي التأكيد على أن أسوأ تلك الترسبات ، كان تجاهل دور الشعب في أي حراك أو تغيير انقلابي ، وتجاهل الآليات الديمقراطية ، التي يمارس الشعب من خلالها دوره ، ويعبر عن رأيه وإرادته. هذا التجاهل ضخم النزعات الفردية والفئوية والحزبية الضيقة ، المستعجلة على أخذ السلطة ، وتولد لديها القناعة بقدرتها ، من خلال استغلال فشل الحكم القائم ، وتوفر إمكانيات ما ، على نجاح المغامرة . ، وعلى تحقيق طموحاتها ، ومن خلال هذه الطموحات ، كانت تتوهم أنها ستلبي الطموحات العامة .. أو تلامسها جزئياً .

وعند انسداد فرص نجاح الانقلابات العسكرية ، ما بعد ( 1970 ) ، والدخول في مرحلة الأحادية الحزبية الشاملة ، لم تنتقل العقليات السياسية ، إلى أساليب الديمقراطية المناسبة في خطابها السياسي وممارساتها ، وإنما التحق بعضها بالعهد
الجديد ، ، وبالمجمل ظلت تقدم الطروحات غير الواقعية .. ومنها الطائفية ، وقيدت خطابها السياسي وممارساتها ، بالصراع الثنائي .. العنفي أحياناً .. مع الحكم .. الذي واجه العنف بالقمع ، وأهملت الأبعاد الاجتماعية و الطبقية والديمقراطية ، والوطنية ، في خطابها السياسي ، الأبعاد التي تحررها من ساحة الصراع الضيقة مع الحكم حول السلطة ، وتفتح لها مساحات سياسية ، وشعبية أوسع .. داخلية وخارجية .. تؤمن لها الحاضنة النزيهة لنضالاتها المشروعة ، وتوفر لها الدعم المتماسك لخطابها السياسي الشامل .

بدلالة أنه لا يوجد إلاّ نادراً مثل هذا الخطاب المتكامل ، لدى الجهات السياسية المعارضة ، المحور المشترك لخطابها وحراكها هو السلطة ، وترك العمليات الاجتماعية ، والتما يزات الطبقية الحادة ، والانحدار المتواصل لخط الفقر جانباً , وعند ذكر الديمقراطية ، يجري التركيز على بعدها العملي ، الذي قد يوصل إلى السلطة ، وإهمال أبعادها الاجتماعية والاقتصادية . أما القضايا الوطنية ، والقومية ، والتحررية الكبرى ، المؤثرة بعمق بحاضرنا ومستقبلنا ومصيرنا ، فيجري التعرض لها بالمناسبات . وعلى سبيل ، فقد تجنب ميثاق " التجمع الوطني الديمقراطي " 1979 " المعارض ، الذي يضم خمسة أحزاب تقدمية الهوى ،تجنب التعامل مع البعد الاجتماعي ، وعلاقته بالطبقات الشعبية ، والاهتمام بمؤسساتها النقابية ، ونضالاتها المطلبية .

* * *

إن اعتماد رؤية فكرية " نظرية " يبنى عليها خطاب سياسي بكامل أبعاده ، هو الامتحان الصعب ، للقوى التي تتعامل سياسياً مع المجتمع ، وبخاصة التي تتصدى لمهام المعارضة . لأنها تمثل المرجعية الثابتة المرشدة الملزمة ، لكل الطروحات والمواقف . وفي حال انعدام الرؤية " المرجعية " ، تزدهر فوضى الاحتمالات والفرضيات المغامرة ، ويضيع الجواب على السؤال : لمن .. ولماذا .. تمارس السياسة .. وتحل رغبات الفرد والتكتلات ، محل مصالح الشعب والوطن . وعند الفشل ’يحمل الشعب المسؤولية ، لأنه لم يجر كما يجب ، خلف هذه الجهة السياسية أو تلك ، أو خلف هذا الزعيم أو ذاك .

التجربة الديمقراطية في العهد الوطني ( 1954 - 1958 ) تقدم النموذج السياسي الوطني الهادف ، المبني على رؤية واضحة كافية . فقد امتلكت الجهات السياسية الناشطة في تلك المرحلة ما امتلكت من رؤية شفافة ، فاحتضنها الشعب ، وارتقى بممثليها إلى سدة البرلمان . فحقق الحزب الشيوعي لأول مرة في تاريخه فوزاً رمزياً ، لكنه ذا دلالة هامة ، وحقق حزب البعث العربي الاشتراكي ، والزب الوطني ، نجاحاً مرموقاً ، كما حقق عدد لا بأس به من المستقلين الوطنيين نجاحاً لافتاً . وشكلوا جميعاً " التجمع القومي البرلماني " ، الذي حافظ على الوطن في ظروف الحصار الاستعماري ( 1955 - 1958 ) ، وحقق استقراراً سياسياً واقتصادياً ، وأقام دولة الوحدة القومية مع الشقيقة مصر ( 1958 - 1961 ) .

من أوجه الأزمة السورية التي نكابد منها ومن تداعياتها ، هو الوجه المتأثر بترسبات العقل السياسي الا نقلا بي المغامر ، وتجاوز دور الشعب ، وهيمنة الافتراضية ، والطموحات الشخصية في تحديد مسار وأهداف العمليات السياسية ، للقفز إلى الحكم بالقوة ، وبأي ثمن ، ، ما يمكن تسميته بالمرض المزمن ، الذي أضعف السياسة عموماً ، وأضعف وعي وطاقات المعارضة السياسية ، الواقعية ، المطلوبة ، في الظروف الراهنة .

نحن منذ بداية الحرب ( 2011 ) نمر في مرحلة سياسية ، هي بالغة السوء في تاريخنا المعاصر . إذ انتقلنا من السياسة الافتراضية ، والنزعات السلطوية المغارة ، إلى النزعات السلطوية الاتكالية على الخارج المعادي .. وغير المعادي .. الفاشلة ، المتميزة بأنها ، ليس لها رؤية متكاملة ، وليس لها سياسة وطنية متوازنة . إنها بإيجاز ، الجري وراء السلطة ، من خلال دعم الخارج المعادي ، والانخراط في مخططاته ، وإبعاد كل المسائل ، التي ’زعم في البدايات ، أن الحرب قد اندلعت من أجلها . ويظل السؤال المحوري البائس لديها ، هو : لماذا لا تنقض الدول الكبرى الحليفة ، باسم الشرعية الدولية ، على النظام وتدمره ، وتسلمها السلطة .. ؟ .. و’يغيّب الشعب بغباء وجشع .. وحقه في تقرير مصيره .

* * *

بالمجمل ، للمعارضة السورية تاريخ ، فيه الكثير من الخيارات الخطأ .. يقابلها القمع الخطأ . معاركها مكرسة ضد السلطة القائمة فقط . وفكرها العلمي في التعامل السياسي غائب . وحراكها سلطوي مغامر . وافتراقها عن الطبقات الشعبية ثابت ، التي تناضل مجردة من الدعم السياسي .. من أجل قليل من الخبز .. والدفء .. والحلم .
" في مداخلة ثقافية ، قال أحد زعماء السياسة ، ( 1974 ) . وهو الآن من كبار المعارضة ، غيرنا له كعبة في مكة .. أو في موسكو .. أما نحن فكعبتنا هي السلطة " .
وفي الظروف الراهنة ، لا توجد رؤية واضحة محددة مشتركة للجهات المعارضة ، لما تحتاجه البلاد . توجد فقط " أمنيات نظرية " لدى البعض ، وتحركات متباينة من أجل مفاوضات مع الحكم ، مدعومة من الخارج ، لدى البقية الأوسع ، لانتزاع الحكم أو بعضه . أي إسقاط النظام أو تحجيمه ، تمهيداً لإسقاطه . بمعنى لا توجد أفكار ناضجة ، للمشاركة الوطنية النزيهة بالمسؤولية الوطنية ، وفق آليات ومفاعيل الديمقراطية .

بيد أن ذلك لن يكو ممكناً ، إلاّ بأن يعتبر الهدف الأول والأهم الآن ، هو التصدي لعدوان الإرهاب الدولي بكل أنواعه وتجلياته ، وعودة اللاجئين والنازحين ، وإعادة بناء الدولة والوطن ، ولا يتم ذلك ، إلاّ بتجاوز لعبة " الحكم الانتقالي " في المفاوضات لإسقاط النظام .. حسب لازمة وزير خارجية المملكة السعودية وعميل المخابرات الأميركية عادل الجبير .. دون رأي الشعب .. ودون الإجابة على السؤال : كيف .. وبماذا .. ثم ماذا ؟ . الأجوبة المتوقعة حسب عقليات معظم المعارضات الناشطة ، هي ، افتراضية ، معتمدة على الخارج ، سواء جاءت من خلال إملاءات آمرة ، أو نصائح ملزمة ، دون أي التزام بالهم الوطني ، الذي ينبغي أن يجري العمل المشترك من أجله . في الوقت الذي يتطلب فيه استمرار الحرب الدموية المدمرة ، المفتوحة نهايتها على زمن غير معلوم ، وعلى حرب إقليمية ، تصنع مقوماتها ومقدماتها ، تركيا والمملكة السعودية وأميركا ، والناتو ، بالحشود ، والاستفزاز بالنار ، وتهدد الوجود الوطني ، ما يرفع منسوب الحاجة للحوار الوطني ، الذي يؤدي إلى الحل السياسي الوطني ، وذلك ليس من منظور حصري يتعلق بالسلطة ، وإنما من منظور يحقق ويوسع وحدة كافة القوى الوطنية ، للتصدي الأكثر فعالية لهذه الحرب ..

ما يدل على أنه ، هنا يكمن تعثر اللقاءات البناءة .. والاتفاقات الإيجابية الناجحة .
وهنا يكمن ضعف أطراف المعارضة في اللقاءات مع ممثلي الحكم ، وضعف النتائج الإيجابية المطلوبة .
وهنا أيضاً تكمن أسباب تعثر الحل السياسي ، وضبابية مساله ، وغياب وضوح ، لماذا ، ولمصلحة من ينبغي أن يجري الحوار .. ولمصلحة من الحل السياسي .

ما هي ردود فعل الذي يقاتلون ويستشهدون وينزفون ، دفاعاً عن الوطن ، في أبشع الحروب وأكثرها ضراوة ، والذي يكابدون من آلام وعذابات وكوارث هذه الحرب .. نزوحاً .. وتهجيراً .. وجوعاً .. ومذلة .. على ممارسات هكذا معارضات .. وعلى هكذا حوارات .. ومفاوضات ؟ .. هذا هو السؤال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترامب ينضم إلى منصة -تيك توك- ويحصد ملايين المتابعين في ساعا


.. ردود فعل المسؤولين الإسرائيليين على مقترح صفقة التبادل وإنها




.. ذعر المستوطنين مع وصول الحرائق لمحيط منازل في كريات شمونة


.. 43 شهيدا إثر غارات إسرائيلية على مناطق متفرقة في قطاع غزة من




.. ألعاب نارية وهتافات وتصفيق.. أنصار الرئيسة المكسيكية المنتخب