الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حل العقدة فى متناول يدنا ( مقتطف ) ف . إ . لينين

سعيد العليمى

2024 / 1 / 22
الارشيف الماركسي


لقد تلت وعود الدستور افظع واقبح اعمال العنف وحشية , وبدا انها صممت خصيصا بقصد ان تعطى الشعب بعد موضوعا صارخا عن المغزى الحقيقى لسلطة الاوتوقراطية الفعلية . ان التناقض بين الوعود والكلمات وقصاصات الاوراق , من ناحية , وحقائق الواقع من ناحية اخرى قد بدت اكثر اتضاحا بما لاحد له . لقد بدأت الاحداث تزودنا بتاكيد صارخ عن حقيقة اعلناها منذ زمن طويل لقراءنا , وسوف نكررها المرة بعد الاخرى , اى , الى ان يطاح بالسلطة الفعلية للقيصرية , فان كل تنازلاتها , حتى ان بلغت جمعية تأسيسية , هى سراب , ووهم , ونتف من الخداع .

وقد جعل عمال بطرسبورج الثوريون هذا الامر واضحا تماما فى واحدة من نشراتهم اليومية {3 } التى لم تصلنا بعد , ولكن وردت الاشارة اليها المرة بعد المرة فى الصحافة الاجنبية , التى صعقتها وأخافتها سطوة البروليتاريا . كتبت لجنة الاضراب " لقد منحنا حرية الاجتماع (اننا نترجم من الانجليزية الى الروسية { مرة اخرى – المترجم } من هنا يتأتى بعض من عدم الدقة التى لايمكن تجنبها فى الصياغة ) " ولكن اجتماعاتنا يحاصرها الجنود . وقد منحنا حرية الصحافة , لكن الرقابة متواصلة . لقد وعدونا بحرية التعليم , ولكن الجامعة تحتلها قوات الجيش . لقد وعدونا بحرمة الاشخاص , ولكن السجون تكتظ بالمعتقلين . لقد منحونا ( الوزير الديبلوماسى – المترجم ) ويتى , ولكن لايزال تريبوف ( الشرطى القمعى – المترجم ) موجودا . لقد منحونا دستورا , لكن الاوتوقراطية لازالت قائمة . لقد منحنا كل شئ ولكن ليس لدينا اى شئ ."

لقد علق تريبوف " بيان" القيصر . واوقف تريبوف الدستور . والمغزى الحقيقى للحريات قد اوضحه نفس التريبوف . كما وأد العفو الشامل بواسطة تريبوف .

ولكن من هو تريبوف هذا ؟ هل هو شخصية فذة , وتمثل ازاحته دلالة خاصة ؟ لاشئ من هذا القبيل . انه احد اكثر رجال الشرطة عادية , الذى يقوم بالعمل اليومى للقيصرية , وتحت أمره العسكريون والشرطة .

ولكن لم تصادف ان هذا الشرطى وهو غاية فى العادية بعمله " الروتينى " قد اكتسب فجأة مثل هذه الاهمية الاستثنائية . حدث هذا بسبب ان الثورة قد حققت تقدما عظيما , وجعلت الحل اقرب . ان الشعب الذى تقوده البروليتاريا يصبح اشد نضجا من الناحية السياسية كل يوم , لا , بل كل ساعة , او , ان شئت ليس بالعام وانما بالاسبوع . بينما كان تريبوف بالنسبة لشعب نائم سياسيا مجرد شرطى غاية فى العادية , الا انه بالنسبة لشعب وعا بات بالنسبة له قوة سياسية , اصبح لايحتمل , لانه يشخصن كل وحشية , واجرامية وبلادة القيصرية .

الثورة تعلم . انها تزود كل طبقات الشعب وكل قوميات روسيا بدرس ممتاز حول طبيعة الدستور .
الثورة تعلم حين تضع فى الصدارة المهام السياسية الملحة المباشرة , فى اشد اشكالها وضوحا وضغطا , فهى تدفع هذه الجماهير الى ان تدرك هذه المهام , وتجعل جماع وجود الشعب مستحيلا , بدون انجاز هذه المهام , انها تعرى تفاهة كل مظاهر, المراوغات , والوعود , والاعترافات , على تباينها . " لقد منحونا كل شئ ولكن ليس لدينا شئ " . بالفعل لقد "منحونا " وعودا فقط , مادمنا لانملك سلطة فعلية . لقد اقتربنا من الحرية , وقد اجبرنا الكل على اختلافهم , حتى القيصر على ان يعترف بالحاجة للحرية . ومانريده على اى حال ليس الاعتراف بهذه الحاجة , وانما بالحرية ذاتها . نحن لانريد قصاصة من ورق تتضمن وعودا بسلطة تشريعية لممثلى الشعب , وانما نريد السيادة الفعلية للشعب . وكلما اقتربنا اكثر من هذه السيادة , كلما اصبح غيابها لايطاق اكثر . وكلما كانت بيانات القيصر اكثر اغواءا , كلما بات حكمه بالنسبة لنا لايحتمل .

سيصل الصراع الى منتهاه , وهو الاجابة على سؤال مااذا كانت السلطة الفعلية ستظل فى يد حكومة القيصر . بالنسبة للاعتراف بالثورة, فقد جرى الاعتراف بها الان بصفة عامة . وقد تم الاعتراف بها منذ زمن طويل من جانب السيد ستروفه وسادة جريدة اسفوبوجدينيه . وقد اعترف بها الان السيد ويتى ونيقولا رومانوف . " اننى اعدكم بأى شئ ترغبون فيه " هكذا يقول القيصر " دعونى فقط احتفظ بالسلطة , دعونى انجز وعودى الخاصة ". هذا هو لب بيانات القيصر , وغرضها ان تخمد النضال المقرر . يعلن القيصر " يمكن ان امنحكم كل شئ عدا السلطة " ويجيب الشعب الثورى " كل شئ عدا السلطة وهم " .

ان المغزى الحقيقى لتلك البلادة البادية التى وقعت فيها الشؤون الروسية يكمن فى رغبة القيصر فى خداع الشعب وتجنب الثورة بعقد صفقة مع البورجوازية . يبذل القيصر وعودا اعظم للبورجوازية , بأمل ان تتجه الطبقات المالكة , والناس , اخيرا نحو " القانون والنظام " . كيفما كان الامر , بينما يتمثل " القانون والنظام " فى تجاوزات تريبوف والمائة السود , فان نداء القيصر يبدو على الاغلب وكأنه صوت صارخ فى البرية . ان القيصر يحتاج كلا من ويتى وتريبوف بقدر متساو -- ويتى من اجل ان يجتذب البعض . وتريبوف من اجل ان يروع البعض الاخر , ويتى من اجل الوعود , وتريبوف من اجل العمل , ويتى من اجل البورجوازية , وتريبوف من اجل البروليتاريا . يتكشف امام اعيننا مرة اخرى , وعلى مستوى اعلى من التطور فحسب هذه المرة , مشهد يماثل ماشهدناه فى بداية اضرابات موسكو – يقوم الليبراليون بالتفاوض بينما ينهض العمال بالقتال .

لدى تريبوف فهم ممتاز لدوره ومغزاه الفعلى . وربما كان الى حد ما متهورا للغاية قياسا بالديبلوماسى ويتى , ولكنه كان خائفا من ان يتخلف بفعل التطور السريع للثورة . بل انه كان مضطرا لأن يتهور , لأنه يدرك ان القوات التى تحت امرته اخذة فى الضعف .

بالتزامن مع بيانها حول الدستور , بدأت الاوتوقراطية فى اتخاذ خطوات لاعاقة صدور الدستور . لقد شرع المائة السود فى العمل بطريقة لم تشهدها روسيا من قبل . تردنا تقارير عن مجازر, ومذابح , واعمال غير مسبوقة من الوحشية تتدفق من كل انحاء روسيا . ان الارهاب الابيض عنيف .و تقوم الشرطة عندما يكون فى مستطاعها بتحريض وتنظيم حثالة المجتمع الرأسمالى لممارسة النهب والعنف , مغرقة نفاية السكان الحضريين بالمشروبات الروحية , ناصبة مذابح لليهود , محرضة على العنف ضد " الطلاب " والمتمردين , مساعدة فى تأديب "اعطاء درس " لأعضاء الزيمستفو ( هيئة بلدية – المترجم ) . تعمل الثورة المضادة بكامل طاقتها . وقد برهن تريبوف على انه جدير بلقمة خبزه . تطلق المدافع الالية نيرانها ( فى اوديسا ) , وتفقأ الاعين ( فى كييف ) , و يلقى بالناس من الطوابق العليا الى الشارع , وتؤخذ المنازل عنوة ويطرد من فيها , وتشعل الحرائق ولايسمح لأحد باطفاءها , وهؤلاء الذين يجرؤون على ابداء مقاومة للمائة السود يرمون بالرصاص . من بولندا الى سيبريا , من شواطئ خليج فنلندا الى البحر الاسود – تظهر لنا الصورة نفسها .

ولكن بالتزامن مع انفجار وحشية المائة السود , مع هذا الاحتفال الذى هيأته الاوتوقراطية , هذه التشنجات الاخيرة للوحش القيصرى , فان هناك هجمات غضة تشنها البروليتاريا وهى كالعادة تبدو فقط وكأنها تهدأ بعد كل نهوض فى الحركة . فى الواقع الفعلى , فانها تجمع قواها فحسب وتستعد لتوجيه ضربة حاسمة . ولأسباب سبق ان ذكرناها , فان فظاعات الشرطة فى روسيا قد اكتست طابعا مختلفا تماما عما جرى فى الماضى . توازى انفجارات انتقام القوزاق بانتقام تريبوف , تبين ان قوة القيصر تتحلل بسرعة . ويمكن ان نلاحظ هذا فى المقاطعات, وفى فنلندا , وفى سانت بطرسبورج , ومن الواضح ان ذلك يتجلى فى الاماكن التى يكون فيها الناس فى ادنى الاوضاع ويبدون اقل تطورا من الناحية السياسية فى المناطق الطرفية ويفتقرالمكان الى وجود سكان روس , وكذلك فى العاصمة , التى تعد بأ ن تكون مسرحا لدراما الثورة العظمى .


المصدر : لينين , الاعمال الكاملة , المجلد التاسع , ص ص 447 – 454 , دار التقدم , موسكو , 1972








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يدعو إلى «تحالف كبير» في مواجهة اليمين المتطرف


.. الألعاب النارية سلاح المتظاهرين في فرنسا




.. الانتخابات البرلمانية الفرنسية.. اليمين المتطرف يقترب أكثر م


.. اشتباكات بين متظاهرين والشرطة الإسرائيلية بالقدس للمطالبة با




.. وجه فرنسا يتغير.. اليمين المتطرف يتصدر الانتخابات البرلمانية