الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعرة نبال خليل بين التصريح والتلميح

وجدان عبدالعزيز

2016 / 2 / 21
الادب والفن


سيبقى الشعر يعطي اللغة دفقها المتحرر، وبه أي اللغة تزداد مرونة وتفتح افاقها لما يحمله الشاعر من رؤى وافكار مضمخة بمشاعر غير قارة واحاسيس مستفزة، ولهذا يبقى الشعر المشروع المفتوح على قرائح الشعراء، كلما كانت هذه القرائح تحمل توافرا من معطيات جمالية، انفتحت احضان كلمات اللغة واستوعبت هذه الجماليات، كانت هذه الخلجات تدور في ذهني وانا اقرأ للشاعرة نبال خليل قصيدتها(قراءة في أنا إليه)، والتي اعتمدت المغايرة الملفتة للنظر بالنسبة لما حملته من كلمات تحمل روح المغامرة البعيدة عما الفته هذه الكلمات في قواميسها اللغوية .. تقول نبال:

(هو يقرأ لي خطوط قدمي
لسانهُ يرسمُ برنامج
GIS
من ساحل أصابعي الى قاعي
أنا،
أتشكل كوكب الأرض.)

فاتخذت من عيونه بوصلة لرسم خريطة جسدها بنظام جغرافي حديث "" GIS حتى تشكلت كوكب كما يحلو له هو .. وهذا نفس جمالي مأخوذ من الفن التشكيلي لرسم لوحة صراع بين المرئي واللامرئي، المرئي المتمثل بخطوط القدم والاصابع واللامرئي قاع الانا وما يضطرب فيها من انفعالات نفسية، يقول الاستاذ الدكتور محمد صابر عبيد : (تنتمي الذات الشاعرة الى شخصية الشاعر وتسعى في الوقت نفسه الى الانفصال عنه في لعبة شعرية اشكالية ، يسهم فيها الوعي الشعري والرؤية الشعرية والشكل الشعري على صعيد فضاء الداخل الشعري ، كما ان الخارج الشعري بتنويعاته المختلفة هو الاخر يسعى ما امكنه ذلك الى التدخل في توجيه اللعبة ومباركتها) ، فـ(اذا كان الشعر ـ حسب أ.ي هاوسمان ـ فعالية ذاتية خاصة ، فان تعبير الشاعر عن ذاتيته ، انما يدخل في صميم عمله الشعري ، ويؤلف أنموذجا شخصيا فريدا في الكشف عن رؤيا الشاعر الشخصية الفريدة ، وهي تتضمن شكله واسلوبه الخاصين)، لتستمر الشاعرة نبال في رسم خلجاتها ومشاعرها بقولها :

(مرجانكَ السريّ ...
موجكَ الأبيض ...
تسلسل عمودكَ الفقري ...
الصمغ الملتصق على سريركَ ...
من بَذَخِكَ
تركع الآلهه .)

وهذا الرسم جاء بوصف دقيق لكل مفردات الجسد، ولولا المحرم وصفه، لاظهرت الشاعرة ماهو مخفي، وكسرت تابو المحرمات الا ان كلماتها اوحت بهذا .. ومن هنا يرى الدكتور المفكر الشاعر أحمد آية ورهام انه :(لاَ يتجلى العمق الوجودي للإنسان إلا في الكتابة، فهي الفضاء الذي يتناسل فيه متخيلُه، وتتمرد اللغة على مقولها المعجمي باعتبارها سَكَناً للذات الكاتبة. ومن ثمة تبدو علاقة المكتوب بكاتبه علاقةَ إفصاحٍ كوني وامتدادٍ صاعدٍ بوجوده الفيزيقي إلى ما فوق العابر النهائي، ينبع من ينابيع شتى نفسية وفكرية وسوسيولوجية وعرفانية وميثية، ليخلق أنماطا دلالية وشكلية مؤشرة على وعي الذات في عموميتها؛ لا في خصوصيتها؛ وعلى القدرات اللغوية لهذه الذات في أبعادها التخيلية وتحققاتها الجمالية
إنها سيرورات و تحولات خارج مدار التمييز الذي يحاول أن يسجنها في إطار الجنس الصادرة عنه، و بما أنها كذلك و بهذه الفاعلية فإن سؤالها سيبقى سؤال قلق ممض، و سؤال معرفة تتأبى على التقميط و التنميط . إذ كيف يمكن اختزال الجوهري في الإنسان في مظهره الجسدي و اللاجوهري؟.. و ما جدوى هذا الاختزال؟؟.. و ما غاياته؟؟… و هل هو مبني على استراتيجية إبستمولوجية .)، هذه التساؤلات التي يثيرها الشعر والشاعرة نبال خليل، تعطينا المسوغ في تأكيد ان الشعر، هو عبارة اثارة اسئلة متوالدة لا تتكيء على أي منهج سواء نفسي او غيره في تحديد مظاهر المعنى، بل تحتاج لعدة رؤى تساهم في محاولة الجواب عن "ماذا ؟" تتحدث الشاعرة وماذا تريد ان تقول .. فهي تكرر :

(يتنفس من فاكهتكَ ثقب الأوزون....
وجهي
قدّيسةٌ تسكنُ عشبكَ الخريفي
تسقط برتقالة الشمس
فتحرقني في دهاليز الجحيم.)

فهناك حركة واضحة باتجاه الإيحاء "يتنفس وتسقط " لتدل على الانفعال والتوتر، فالكتابة بديل للذات في أفقها الكوني و قناع من أقنعتها المتعددة و صيغة رمزية تمارس الانحجاب و الانكشاف في الوجود وفق قوانين لعبة خاصة. (أحملكَ في بطني/يتحضّرُ العشب/ويفيضُ نهرُكَ كوثراً على فمي/أحضنُ الإله.)، رغم ان الشاعرة متوترة ومتخفية، الا انها تكشف من خلال كلمات موحية عن حقيقة العلاقة ... فـ(الأصل الميثولوجي للإنسان..هي كينونة الذات المتوحدة المتعالية عن الأنوثة والذكورة معا. وقد أصَّل ذلك يونغ حين قال إن الإنسان امرأة كان أو رجلا ينقسم إلى قسمين هما الأنيما الممثل للجانب الأنثوي والرامز إلى الهدوء والسلم والارتخاء والاستيهام والنزق والأحلام. والأنيموس الممثل للجانب الذكوري، والرامز إلى الصرامة والدقة والتوتر والكوابيس والخشونة والنظام. وهذه الذات الأندروجينية لا يكون تمركزُها ــ وفقا لغاستوف باشلارــ إلا في هوية الكلمات والأحلام، وليس في خصائص الذكورة والأنوثة، فهي التي تعطي للكتابة جنسنتها ، وتُلحقُها بالذات لكونها نتاجا صادرا عن القلب والنفس والكائن في راهنيته). وهكذا صرحت نبال خليل عن ذاتها :

(سأستأنفُ بك شنقي
لأتدلى من بحّة صوتكَ
عندما يخنق آخر التوابل في رعشتي بك.
.......
أخيراً:
قال لي:
أسمكِ "نبال"
لأول مرة أرى نبالاً مشدودة على قوس قزح.)

وبهذا فان القصيدة الجديدة، قد تحررت من سطوة اللاوعي القائم على الانفعال البدائي، الى الوعي المعتمد على الحرية والمتفاعل مع اللاوعي، أي بمعنى ادراك الذات الشعرية المتفاعلة مع ذات الشاعرة نفسها، مما جعلها تصرح في نهاية القصيدة باسمها نفسها


قصيدة (قراءة في أنا اليه) للشاعرة نبال خليل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بطريقة كوميدية.. الفنان بدر صالح يوضح الفرق بين السواقة في د


.. فايز الدويري: فيديو الأسير يثبت زيف الرواية الإسرائيلية




.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه