الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف تقضي القوى المضادة على الأفكار؟

ساكري البشير

2016 / 2 / 21
كتابات ساخرة


الحديث عن الأفكار الثورية برمتها، وكيفية مواجهتها من قبل القوى الرجعية أو المضادة، يجب أن نعتمد على المفكر مالك بن نبي، الذي كانت له رؤية حقيقية في هذا الموضوع ، وكل ما سأطرحه إما مقتبسا من كتابه "الصراع الفكري في البلاد المستعمرة"، أو ملهما من كتاباته، إذاً البحث عن الأسباب التي تقضي عن الأفكار لا تعد ولا تحصى، ولكن مقصدنا هنا هو كيفية القضاء على الفكرة الثورية وحجبها، أو تغييرها عن مسارها، وذلك عن طريق وسائل ملائمة، فمثلا يسد مدارك المثقفين عن مقصد شعاراتهم ليضيفوا عليها طابعا سياسيا، حينها يتم تغييب الوعي اللازم لفهم القضية المطلوبة.
وعلى جانب آخر يتم إستعمال الدين، كوسيلة لها مصداقية عند الشعوب، لأن إضفاء الطابع الديني على قضية ما سيجعل لها حراس، دورهم حماية تلك القضية، وينصرون ناصرها، والحراس بطبيعة الحال هم الشعب، فلغة الدين تسد بصورة محكمة منافذ الوعي إزاء الفكرة في هذا المستوى.
فالقوى المضادة للفكرة تحاول تطبيق ما يسميه مالك بن نبي إستراتيجية الألعاب الإسبانية: إنهم يلوحون بقطعة قماش أحمر أمام ثور هائج في حلبة الصراع، فيزداد هيجانه بذلك، فبدلا من أن يهجم على المصارع يستمر في الهجوم على المنديل الأحمر الذي يلوح به حتى تنتهك قواه.
عندما يقوم أحد المفكرين أو المثقفين بإنتاج فكرة، من شأنها تبليغ رسالة، أو تغيير واقع، أو حل لقضية ما، تسارع تلك القوى المضادة لتطبيق إستراتيجية الألعاب الإسبانية، فهي تحاول تحريف مقصد الفكرة، عن طريق طرح بديل برؤية دينية وبإسم شخصية من الثقات إما براءة ذلك الشخص الثقة لطرح الموضوع، أو عميلا لتلك القوى، فيعصر المُستهدفون – الشعوب- ويرسم في أذهانهم صورة مغايرة مختلفة عن القصد الحقيقي للفكرة، هنا بالضبط تقع الحيرة، ويغيب الإدراك والوعي عن الشعوب، فيكون للفكرة ممانعة والإعراض عنها، أو التشكيك في مدى صحتها، ليفقد بصيرته ويصب كل غضبه على صانع الفكرة، دون أن يحقق مع الفكرة.
الأمثال كثيرة على هذا، ونأخذ أحدها كإثبات رياضي، المفكر مالك بن نبي حين أصدر كتابه "شروط النهضة" لاقى فيه الكثير من الإعتراضات، وإتهموه بسرقته من جرائد فرنسية، وكانت تلك الأفكار التي تنشر على الجرائد الجزائرية يتابعها أغلبا لمواطنين الجزائريين، مما أدخلت بعض الشكوك في شخصية الكاتب، وزعزعة الثقة بينه وبين بني جلدته، وبين الشعب المستهدف والفكرة المطروحة في الكتاب، ليصبح الكتاب شيئا يعبر عن عار السرقة الفكرية من الكاتب نتيجة التهمة، بدلا من أن يعبر عن مقصده المتمثل في فكرة التغيير والنهوض، أما أنت أيها القارئ إذا أردت المتابعة في شصيات أخرى فيمكنني ترشيدك إلى شخصيتين إثنين، أولهما الدكتور " مصطفى محمود" الذي عاش حياته مطاردا من قبل الإخوان والسلفية في مصر، وثانيهما "عدنان إبراهيم"، ولك أن تتحرى كيفما شئت، لأن طرق الوصول للحقيقة متعددة، والحقيقة واحدة؛ وبالتالي أنصحك بالمواصلة في البحث لأن هذا العالم الذي نعيشه، لا شيء يسير فيه بعفوية، فكل شيء مخطط له بإحكام، وما نحصده اليوم ما هو إلا نتائج لتلك الخطط.
والهدف الأساسي الذي تسعى إليه كل القوى المضادة للحقيقة وللأفكار الصحيحة كما يحددها "بن نبي" تكمن في عزل صاحب الفكرة من ساحة الفكر وفق جانبين إثنين:
1- أن ينفر من أفكاره الرأي العام، بجميع الوسائل الصالحة لذلك.
2- أن ينفره هو نفسه، من القضية التي يكافح من أجلها بأن يشعره بعبث كفاحه.

فالعنصر الأول سبق وشرحناه، أما الثاني يكمن مقصده في زرع الشك في نفسية صاحب الفكرة، بأن فكرته غير صالحة، وما يؤكد له ذلك هو إعراض الجمهور المستهدف عنها، لهذا نجده يحاول الهروب أو التملص منها، دون أن يلجأ إلى الرد عليهم، والدفاع عن الفكرة، وإذا لم يتم الدفاع عن الفكرة وهي مازالت بوضة فلن تفقص، وبالتالي تموت وهي مازالت جنين، وهو ما نشهده اليوم حقا من إعتزال بعض الكتاب عن ساحة الفكر لأنهم لم يكونوا مجهزين بأسلحة تفوق أسلحة القوى التي يود محاربتها.
هكذا فقط تكسب القوى الرجعية والمضادة المعركة أمام منتجي الأفكار، ويحرفون مقصدها، من كاتب يدافع عن قضية، أوباحثا عن حل لمشكلة ما، إلى معركة بين الكاتب أو صاحب الفكرة وبين من يدعون بأنفسهم أصحاب الحق في إصدار الحقيقة، ويضعون لنا قوانين مقيدة يجب أن لا نتجاوزها، كل وفق ما ينصه قانونهم، لا وفق ما تتطلبه قضيتنا، وهكذا يعجز الكتاب ومنتجي الأفكار عن مقاومة هؤلاء المتكالبون علىهم.
والفكرة إذا إنحرفت عن مقصدها، ستفقد بطبيعة الحال طابعها، ويزول هدفها قبل أن تتحقق كمشروع على أرض الواقع، وتفقد معها معنوياتها، وتُحجب قدسيتها عن الأنظار نتيجة الغضب الذي لاقته من المُستهدفين، لتموت في نهاية المطاف دون أدنى شك.
ولكي تُجسد كل هذه الأفكار من أجل إستيعابها، فتخيل معي أن الفكرة كائن حي، نشير إليه كما نشير لشخص قريب منا نراه بالعين المجردة، وآخر يحمل سلاح موجه نحو ذلك الكائن المسكين، ويطلق عليه الرصاص، فهل يبقى ذلك الكائن على قيد الحياة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟