الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وحدها العصافير هي التي تعرف الحب ، لأنها تعشق الحرية

سارة بيصر

2016 / 2 / 22
الادب والفن


أنغام موسيقا تعذفها الحوريات وعرائِسُ البحر، الأمواج تؤدي رقصات الميلاد على إيقاعها العذب ، تداعب رمال الشاطئ المتألقة بلونها الذهبي ، والنسيم ينتشي بشذى عطرها الساحر الذي ملأ الآفاق، قوس قزح يلون السماء بألوان البهجة ، والنجوم تتدلى مسترسلة على جبينها كزينات وضاءة الأنوار . الكون كله هائم من شدة وَجْدُه بها ، يحتفي بمولدها (فينوس) المتوجة إلهة على عرش الحب والجمال .

في البحر ولدت فينوس ، وأتت لعالمنا كلؤلؤة ، فقد خرجت من بين ضفتيّ محارة إلى الشاطئ ، لتنجب فيما بعد (كيوبيد) ، الذي أتى إلى الكون بهيئة طفل له جناحيّ ملاك ، حاملاً سهم الحب ، الذي كان يصيب به البشر فيوقعهم فيه .

لم تتوقف سرديات الميثولوجيا البشرية عن قصة نشوء الحب ، وعلاقته بكيوبيد عند ذلك . لكنها، صورت كيوبيد أحياناً أنه أعمى ، كرمزية على أن الحب أعمى ، ولا نختار من نحب ، وأحياناً وصف بأنه سيء الحظ .

لكن ، على أي الأحوال إذا كان الحب ارتبط في أذهان البشر قديماً بسهام كيوبيد التلقائية والطائشة التي تصيب البشر فتوقعهم في الحب بدون النظر لأي اعتبارات ، سوى هذا التناغم الروحي ، والانسجام النفسي ، فإن هذه الأسهم في عصرنا الحالي لكي تنطلق أصبحت مقيدةً ومثقلةً بالعديد من الحسابات والاعتبارات ، كحسابات الثروة والمنفعة ، والوجاهة العائلية والمجتمعية ، والمنصب والسيارة ، والشكل والوزن واللون والسن ، والعادات والتقاليد الموروثة (ما بدى منطقياً منها ، وما لم يبدو) ، وقبول تدخلات الأهل ورؤيتهم (ما بدى ممكناً منها ، وما لم يبدو) ، والأثاث والنيش وما درج على فعله والإتيان به الأصدقاء والأقارب ، بل وتعدى الأمر هذا ، ليصل أنه أصبح مرهونا بالقدرة على صياغة كلمات الحب البراقة والمعسولة ووضعها على صفحات الفيس ليعلم الجميع بهذا الوَلَه ، أو بمقدار تبعية وطاعة إحدى الطرفين للآخر ، وقبوله لانتهاك خصوصيته ، وتلاشي رأيه وإرادته ، حتى أنه أصبح ساحة ليفرغ فيها كل طرف عقده النفسية على الآخر باسم الحب.
وفي الحقيقة إن كل هذه الصور التي تمارس في حقيقتها ليست حباً ، بل هي مجرد تحرش بلفظ الحب ، لأخذه غطاءً ظاهرياً لتلك الممارسات دون الوصول لمعناه وحقيقته .

في هذا العصر ، وحدها العصافير هي التي تعرف الحب ؛ لأنها تعشق الحرية .

أما نحن بنو البشر فمازلنا نعيش تحت أسر قيود ذواتنا التي تكبلنا وتمنعنا عن حرية الإحساس والتفكير والقرار ، بدون أن تلقي إخفاقات الماضي ، وهواجسنا ، وكوابت اللاشعور لدينا ، وعقدنا النفسية ، ونواقصنا الشخصية وأطماعنا وموروثاتنا بظلالها وقيودها على تعاملاتنا مع الآخر ، أو بمعنى أدق على من اصطفيناهم لنشبع بهم حاجاتنا العاطفية والغريزية ، التي نضعها في قالب شعوري نسميه الحب ، ونصيغه في تقليد اجتماعي ، نسميه : الزواج ، والذي يتم تقنينه على شكل عقد . لكنه ، أصبح في الشائع عقد زواج مكتوب على ورقة طلاق ، بعد أن تجاوزت نسبة الطلاق في مصر 7% لتصل إلى نسبة 40% فى الخمسين عاما الأخيرة فقط ، بمعدل حالة طلاق كل 6 دقائق ، بينما وصلت في بعض الدول العربية الأخرى إلى 60 % ، ولم تنجو من ارتفاع نسبته بعض الدول الأوروبية كـ (بلجيكا ، والبرتغال ، والمجر ، وإسبانيا ، وفرنسا) ، بالإضافة للولايات المتحدة الأمريكية .

وإن كان هذا لا يبدو مستغرباً إذا نظرنا إلى عالمنا الذي أدمن الحروب ، وامتهن بميكيافيلية وضيعة لعبة المصالح والمنفعة ، مخلفاً ورائه الأخلاق والقيم الإنسانية السامية، وروحانيات المحبة والسلام ، فلا يعدو إلا أن أصبحت طبول الحقد والانتقام والكراهية تدق في ذات الإنسان فيه ، وتعلن فيه المعارك ، وتقوم مخلفةً أشلاء ودماء علاقاته مع الآخر ، في شكل لم ينج منه حتى علاقته مع شريك حياته.

فيما مضى كان الحب بإمكانه أن يبث الروح في القلوب المنهكة ، فيحييها باشراقات السعادة ، ويبعث بريق الأمل في العيون الحزينة ، والنجاح في دروب الحياة ، فقد كان ملهماً للإبداع ، وباعثاً للطاقة الايجابية ، وكان تتويجه بالزواج ، كتتويج ملكين في مملكة الود والسعادة بإكليل من الياسمين ، أما الآن فأصبح من مؤرقات الحياة ، وباعث لانطفاء وهج الإنسان ، والاستمرار في تمثيل الأدوار في ظله أكثر إلى أن يصل إلى عقد الزواج ثم مقصلة الطلاق ، لينتهي بانكسار النفس ، وانطفاء الروح ، وتيه القلب ، وآنات صغار مشتتون بين أم وأب أشهر كل منهم للآخر أسلحته ، وكالوا العداوة والبغضاء لبعض كيلاً ،
لهو شكل يجعلنا ندق ناقوس الخطر المجتمعي ، بأن هناك خلل يجب أن يعالج ، يعرض اللبنة الأولى للمجتمع ، والمتمثلة في الأسرة للانهيار .

ولهذا فإنه علينا منذ البداية أن نختار من يشاركونا حياتنا بأكثر قدر من التقبل لنا ، وأقل قدر من الألم والمعاناة بسببهم ، وأن نتحرر من كثير من مفاهيمنا التي تقوم عليها تلك الخطوة التي تنتهي بالزواج ، التي تختذل الدافعية نحوه في كونه تقليد مجتمعي متبع ، يتم إرضاءً للمجتمع ، أو للهروب من نظرته حين التأخر في أخذ تلك الخطوة ، أو اختذال تلك الدافعية في مشاعر غريزية متأججة سرعان ما تنطفئ حين تبلغ غايتها ، وتصطدم بمتطلبات الواقع وصعوباته ، أو اعتباره فرصة لاقتناص صيد مادي أو منفعة يطمع فيها .
فكل هذه أسس هشة لا تديم علاقة ، وإن دامت لا تبني سعادتها .

وإن من المنطقي والواقعي في جميع الأحوال أنه لا تسير حياة كل شريك مع شريكه الآخر على وتيرة واحدة من الوئام والاتفاق في كل شيء. لكنه ، يجب أن يؤمن كل طرف باختلاف الآخر عنه (فليس هناك إنساناً مثيلاً للآخر) ، وأن لا يُعين كل منهم نفسه على الآخر ناقداً ورقيباً ، أو أن يطالب كل منهم الآخر بمثالية في الطبائع أو في الشكل ليست متوافرة فيه نفسه ، أو أن يسمح بتدخلات الأهل والأصدقاء في حياتهما الخاصة ، أو أن يجعلوا من أسرار ودقائق حياتهم مشاعاً للجميع ، حتى لا تزيد تلك التدخلات من وتيرة الخلافات بينهما ، وينضب المخزون العاطفي بينهما ، وتخف منابعه ، مخلفةً ورائها استحالة الاستمرار .
ولتفادي هذا الجفاف والتصحر العاطفي بين الشريكين ، يجب أن يفهم كل شريك لغات التعبير عن المحبة الخاصة بشريكه ، وموصلات الإحساس بالحب ، ويحاول اتباعها حتى تدوم الألفة ، ولا ينهدم البنيان ؛ ولقد عددها (جارى تشابمان) في كتابه (لغات الحب الخمسة) ، من تكريس الوقت للشريك الآخر ، وكلمات التشجيع والتقدير والثناء والإعجاب، وتبادل الهدايا، والأعمال الخدمية كمساعدته في تحمل المسؤوليات، والاتصال البدني .

وإن كان بالإضافة لهذا ، فإن تلك الشراكة أيضاً في حاجة لأن يكون أطرافها قادرين على صنع حوار بينهما ، بحيث يستمع كل منهما لصوت وإحساس ووجهة نظر الآخر ، وليس لصوته وإحساسه ووجهة نظره هو فقط ؛ فالقلوب إذا رويت بالمودة والرحمة أثمرت وئاماً ووفاقاً ، وإذا رويت بالتجاهل والقسوة أثمرت أشواكا ًوضغائن .

ولكي يستمر تدفق الود والوئام بينهما ، يحتاج كل طرف لفطنة الحكيم العاقل ، ومرونة الطفل ، وحساسية الفنان ، وفهم الفيلسوف ، ورضى العابد ، وسماحة المتفاني ، ومعرفة العالم ، وثبات المتيقن .

وختاماً : أحبوا بأرواحكم منذ البداية ، اختاروا من تأنس بهم الروح ، من يستطيعون تقبلكم عمراً ممتداً لن تكونوا فيه في أفضل وأجمل أحوالكم دائماً ، ولا يخلو من فصول الوهن والضجر والشيخوخة ، من تستطيعون أن تأنسوا بهم حين يذهب كل شيء ، ولا يبقى سوى ألفة الأرواح حول مدفأة في برد الشتاء ، أو مذاق مشروب دافيء ، وأنتم تتشاركون حكايات وذكريات الماضي.
أحبوا من يستطيعون أن يشاركوكم اهتماماتكم ، من يستطيعون أن يشاركوكم قراءة كتاب ، كما يشاركوكم نزهة نيلية ، من لا يطفئوكم ويحبطون طموحكم ، من يستطيعون تقبلكم بكل فوضويتكم وعفويتكم ، بل وبكل جنونكم وسذاجتكم ، أحبوا من لا تتحملون عناء التكلف أمامهم .
أحبوا من في قلوبهم مكاناً للصدق ، وإيماناً بقيمة الكلمة ، من يكونون سنداً لكم ، ولا يتركوكم وحدكم في معترك الحياة .
أحبوا من يدركون جيداً أنهم بشر ، وخطائون ، وليسوا قديسيين ، من لا يدعون التقوى بألسنتهم ، وهي بمنأى عن قلوبهم ، وينظرون للناس نظرة التعالي بتقواهم ، ولا يرون فيهم سوى نواقصهم وأخطائهم ، أحبوا من في قلوبهم متسعاً للتسامح، من يستطيعون أن يتقبلوا أخطائكم ، ويغفروا زلاتكم .

أحبوا من يمتلكون أرواحاً تطير وتحلم وتشدو كالعصافير ، من يستطيعوا أن يلونوا الحياة بألوان البهجة .

أحبوا بأرواحكم يهديكم الله ويصلح بالكم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب


.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_




.. هي دي ناس الصعيد ???? تحية كبيرة خاصة من منى الشاذلي لصناع ف