الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانبعاث من جديد

زاهر نصرت

2016 / 2 / 22
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


عندما نبحث عن الامم ذات الحضارة المتميزة فأن الرقم لن يبلغ عدد اصابع اليدين بكل حال من الاحوال ونتسأل مَنْ من هذه الامم ذات الحضارة المتميزة والعمق التاريخي المتحضر ونجد بالطبع ان الامة العربية هي واحدة من امم هذا العدد القليل ... فحضارة هذه الامة وهي الحضارة العربية الاسلامية قد تبلورت واكتسبت طابعها المتميز وسماتها الخاصة بعد سنين غير قليلة من ظهور الاسلام وما أنجزته الفتوحات العربية على الجبهة السياسية وما تم للمنطقة من توحد او تقارب عقلي وفكري تم انجازه بعد ان اكتمل لأهلها التعريب ، لكن ذلك الميلاد لم يكن نقطة البدء وانما كان طوراً جديداً ومتميزاً في تطور حضاري قديم ، فشعوب هذه المنطقة جميعاً بعقائدها الدينية المختلفة واصولها الحضارية المتمايزة قد اسهمت اسهاماً خلاقاً في صياغة هذه الحضارة العربية الاسلامية ولم يكن نصيب الذين هاجروا من شبة الجزيرة الى المواطن التي تعربت في هذه الحضارة بأكبر من نصيب الاخرين بل اتاح الفاتحون العرب بتمييزهم بين ما هو ( دولة ) اقامها جيش فاتح في وقت قصير على نحو قياسي غير مسبوق في التاريخ وبين ما هو ( تعريب ) وامتزاج مع اهل البلاد المفتوحة فكرياً وحضارياً وهو الامر الذي استغرق عدة قرون .

من هنا كانت الثمرة الجديدة وهي الحضارة العربية الاسلامية محصلة الفكر العربي الشاب والمتجدد الذي تمثل في الاسلام وللقيم والافكار التي ظلت صالحة للنفع والعطاء والاستلهام من مواريث الامم والشعوب التي دخلت في الدولة التي صنعتها الفتوحات الامر الذي جعل هذه الحضارة الجديدة حلقة في سلسلة قديمة وعريقة هي سلسلة التطور الحضاري لهذه المنطقة وجعلها كذلك الوارثة لما سبقها من حضارات ابدعتها شعوبها والامتداد المتطور لها ومن ثم لم يكن تبلورها ميلاد حضارة جديدة بقدر ما كان طوراً جديداً في مسار حضاري قديم وعريق .

واذا كانت امم قليلة جداً تماثل امتنا في عراقة الحضارة واكتسابها طابعاً يميزها عن غيرها من الحضارات مثل الحضارة الصينية والهندية واليونانية ، فأن هذه الحضارات تخلت عنها امتها مثل الحضارة اليونانية فقسماتها المتميزة لم تعد ملحوظة اليوم بل ومنذ ان لعبت دورها في البعث الاوروبي الحديث فقد غدت تراثاً لعب دوره في عصر الاحياء وتجاوزته الحضارة الاوروبية المعاصرة ... اما الحضارتان الصينية والهندية فهما وان شاركتا الحضارة العربية في العراقة وفي احتفاظهما بما يميزهما من قسمات وفي وجود أمة عظيمة لكل واحدة منهما تنطبع بطابعها وتمنحها المحبة والولاء ، الا ان الحضارة العربية تتميز عنهما بطابعها العالمي وعطائها الانساني اللذين تمثلا في الدور الذي قامت به عندما كانت لامتها كلمة مسموعة ودور بارز في الساحة الدولية وهو اختبار نجحت فيه يترجم عن خصائص ومميزات قد لا تكون في حضارات اخرى ويقوم شاهداً على ان ما حدث بالأمس ليس بعزيز ان يحدث في الغد .

ان اعداء هذه الامة الذين فرضوا ويفرضون عليها تحديات الامس واليوم لا ينظرون اليها فقط نظرتهم الى شعب مستعمر يستغلونه ويجاهدون للحيلولة دون تحرره كي لا تفلت من قبضتهم ما لديه من ثروات وانما هم يرون فيه امة تمتلك مقومات حضارة متميزة وذات امكانيات للعطاء على المستوى الانساني وان انعتاقها من الاسر الاستعماري سيعنى مهما طال الزمن : الوحدة والنهضة والعودة مرة اخرى طرفاً مشاركاً بل مزاحماً في نادي الامم ذات الحضارة والعراقة والنفوذ ... وان على ابناء هذه الامة ان يدركوا بوعي وعمق ان امتهم لا تنشد حريتها وتقدمها ووحدتها لتضيف الى معسكر الاحرار امة جديدة تقف في طابور الامم الكثيرة المتحررة وانما لتعود من جديد الى مواصلة العطاء الحضاري بل لتقفز الى صدارة الامم التي مارست هذا اللون من العطاء عبر تاريخ الانسانية الطويل ، فالهدف ليس تحرير الارض واستخلاص الثروة وامتلاك سبل العصرية ومناهج التقدم فقط وانما الهدف هو توظيف كل ذلك في سبيل بلورة الشخصية الحضارية العصرية لهذه الامة لتتمكن من العودة ثانية لتعطي حضارياً وعلى نحو اكثر استنارة وفاعلية وغنى مما كانت عليه في عصور ازدهارها التي شهدت عطاءها القديم .



زاهر نصرت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتصامات الجامعات الأميركية وانعكاسها على الحملات الانتخابية


.. ترامب يكثف جهوده لتجاوز تحديات الانتخابات الرئاسية | #أميركا




.. دمار غزة بكاميرا موظفة في الا?ونروا


.. رئيس مجلس النواب الأمريكي يهدد بإسقاط التا?شيرة الا?مريكية ع




.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور