الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلام خطير في الفهم السياسي عن تشوه الحالة النضالية الفلسطينية

عماد صلاح الدين

2016 / 2 / 23
القضية الفلسطينية


لماذا الغالبية الساحقة من منفذي عمليات الطعن ضد الإسرائيليين من الأطفال الفلسطينيين؟؟

لا احد تقريبا قرأت له أو سمعت له تحليلا عن ظاهرة عمليات الطعن من قبل أطفال تتراوح أعمارهم بين 14الى 17 سنة يقل قليلا أو يزيد قليلا.
الكل أيضا تقريبا يتحدث عن البطولة والفداء والوعي عند جيل أوسلو الجديد، وبان أوسلو لم يستطع خلق الفلسطيني الجديد غير الوطني رغم الجهود الدولية والإقليمية والمحلية التي بذلت في هذا السياق.
يتم الحديث إعلاميا وبتفاخر أن هؤلاء بدون قيادة أو تنظيمات أو أحزاب، وان هذه مجرد عمليات فردية ومبادرات ذاتية.
والأسس العلمية والسوابق التاريخية في مجال العمل النضالي تقول:
إن الانتفاضة أو الثورة يشارك فيها عموم الناس تقريبا؛ لأنها مواجهة شعب تحت الاحتلال في مواجهة احتلال أو استعمار.
إن الانتفاضة أو الثورة تبدأ بمقاطعة شاملة وتدريجية للاحتلال وكذلك بعصيان مدني متدرج أيضا.
إن الانتفاضة والثورة لها قيادة وطنية موحدة.
إن الانتفاضة والثورة شعبها واحد وغير منقسم لا في السياسة ولا في الأرض.
إن الانتفاضة لها مشروع وطني جامع وإستراتيجية وطنية واضحة.
إن الانتفاضة والثورة موقف القيادة فيها موحد وغير متذبذب، فليست مرة هي هبة وأخرى موجة وثالثة توتر ورابعة لست ادري، وخامسة قمنا بإحباط مائتي عملية ضد إسرائيل، وما إلى ذلك.
إن الانتفاضة أو الثورة لا تندلع في ظلال بنى أمنية وسياسية ومالية وخدمية واستهلاكية شوهت الإنسان الفلسطيني.
إن الانتفاضة أو الثورة الحقيقيتان لا تقومان والناس في معظمهم وعبر سنوات من الشغل عليهم من خلال مؤسسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وأل يو أس أيد وأل يو أن دي بي وغيرها، وبالتعاون مع جهات محلية ورسمية وبنوك ومؤسسات اقراضية حكمت مؤبدات اجتماعية ومالية على الناس من خلال قروض ربوية لشراء سيارات وشقق ومستهلكات أخرى، دون أن يملك أصحابها في الأساس قدرات مالية مناسبة.
فترى شابا يتقاضى راتبا شهريا مقداره ألفا شيقل يتم توريطه بشراء شقة أو سيارة فاخرة وغير ذلك.
أو توريط أناس بالحصول على قروض لفتح مصالح غير إنتاجية لا يملكون أساسا مدخرات بخصوصها، بل ولا يملكون خبرة في مجالها، ثم تحدث بعد ذلك المصائب فهذا يتم توريطه بقرض آخر وإضافي لسداد القرض الأول أو الثاني أو لسداد ذلك الدين الذي تورط فيه بسبب منظومة الاستهلاك والقروض واختزال الوقت المخل بكل عقل ومنطق وقدرة وظرف.
ثم يصبح بعد ذلك الناس في حالة من الكذب الإجباري؛ لأنهم لا يستطيعون عمليا وعلى وجه الحقيقة سداد ما عليهم من قروض وديون ومستحقات، ثم تًفقد الثقة بين الناس.
ويصبح كثير جدا من الناس الذين نعرف عنهم الصدق والأمانة كاذبين مضطرين إلى ذلك بسبب القهر المالي المصطنع.
والغريب في هذه السياسة التي تضرب في النسيجين الأخلاقي والاجتماعي للناس، إن البنوك حين يراجعها عميل أو زبون لديها أول ما تبادر إلى الاستفسار عنه من ذلك الزبون والعميل: هل أخذت قرضا، وإذا قال لا: قالوا له لماذا، يجب أن تأخذ قرضا. ويتم الترويج لذلك دعائيا وإعلاميا من خلال البنوك والمؤسسات القرضية ومن وسائط الإعلام المحسوبة على الجهة الفلسطينية الرسمية.
حدثني احد الأصدقاء انه خلال مراجعته لأحد البنوك في الضفة الغربية قد استغرب الموظف لدى البنك منه لأنه لم يسبق أن اخذ قرضا، وقال له بالحرف الواحد أنت غريب ومن القلة النادرة التي لم تأخذ قروضا، وهذا الصديق هو موظف حكومي يتقاضى راتبا يتجاوز الألفي شيقل بقليل.
إن الانتفاضة والثورة الحقيقيتان لا تقومان والقيادة الرسمية والقطاعات التنفيذية تتفنن في فرض رسوم وضرائب ورفع أسعار البضائع الأساسية وغير الأساسية بشكل جنوني ويفوق الخيال، بحيث أن القدرة على الادخار البسيط وحتى لدى ما يفترض أنها الطبقة الوسطى صار معدوما.
ولا أرى تفسيرا لذلك سوى إتاحة الفرصة القوية والمستمرة لنهج القروض الربوية وتوريط الناس وتفسيخ مكوناتهم الفردية والجمعية أخلاقيا واجتماعيا وحتى هوياتيا وثقافيا.
فماذا سيتبقى للوطن بعد هذا التأبيد الاجتماعي اللاأخلاقي لمعظم قطاعات الناس التي تتشكل في الأساس من الموظفين والخدميين المدنيين في دوائر العمل الحكومي وأيضا حتى القطاع الخاص.
الغالبية من الناس من أعمار فوق خمس وعشرين سنة فأعلى متورطين حتى أذنيهم بهموم المديونية وتسديد الأقساط والقروض ودون طائل، هؤلاء أصبح لديهم وطنا خاصا (أملا حقيرا) على حد قول سارتر يعيشون فيه قلقين ومؤرقين باستمرار؛ وتحدث عندها المشاكل وترتفع نسب الطلاق وفسخ الخطوبات لأتفه الأشياء.
والطفل المراهق يعيش في ألف دوامة؛ دوامة الظروف الصعبة التي يعانيها أساسا أي شعب واقع تحت الاحتلال، ودوامة السلطة تحت الاحتلال، ودوامة الاستهلاكية وارتباطاتها السلبية جدا، ومشاكل الأهل والأسر المالية التي لا تنتهي، وهذا الطفل أيضا تفتحت عيناه على اهتمامات استهلاكية هو الآخر يريد اقتناءها في المدرسة وتاليا في الجامعة والشارع والمجتمع؛ وأصبحت الفروقات المضمونية والموضوعية في التفارق المادي والاجتماعي والطبقي غير ظاهرة ولصالح حضور شكلي واستهلاكي وهمي؛ مما يخلق تناقضا وهوة وفجوة كبيرة بين ما هو كائن من أوضاع الناس الصعبة حقيقة وهي هنا الغالبية وبين ما هو حاضر من شكل التمدين الهلامي غير المستند إلى واقع وتراكم إنتاجي وخبراتي.
ولذلك نجد هذا الطفل أو الشاب الصغير ذكورا وإناثا هذه المرة بما يعزز تفسير الظاهرة التي نتحدث عنها، وفي ظل ما تبقى من معين موروث ديني أخلاقي اجتماعي ولو تقليدي، نجده يبحث من جديد عن الخلاص من الواقع المركب والمأزوم وعبر تراكمات وطبقات الاحتلال وظروفه والسلطة وماهيتها ووظيفتا وما ادخل من مناهج مالية ومناحي استهلاكية، من خلال الاتجاه نحو الوطن والدين والأخلاق مرة أخرى كما البداية الأولى لكل مواجهة مع الاحتلال، ولكن هذه المرة بصورة نضالية مشوهة بعد أن تم تشويه الإنسان وإمكاناته الأخلاقية والثقافية والاجتماعية، فيصير النضال ردة فعل، وتصير المواجهة بدون قيادة، ويصير الشعب بلا هدف جامع أو مشروع وطني يستوعب الكل الفلسطيني، ويصبح كل ذلك أمرا محمودا تتفاخر به قياداتنا وكتابنا وأحزابنا على شاشات التلفزيون وفي الإذاعات المسموعة والوسائط المقروءة.
كلنا مررنا في سن هؤلاء الشباب الصغار، وفي سنهم يوصف المرء بأنه لا يزال مراهقا. فماذا، في الأساس، يمكن أن يفكر فيه المراهق.
فهل وصل فعل قيادتنا وقبول غالبيتنا إلى جعل أولادنا شيبا قبل أن يشيبوا، والى جعلهم يحبطون وييأسون قبل أوانهم وحضورهم المادي والاجتماعي الشامل. والله اعلم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الزمالك المصري ونهضة بركان المغربي في إياب نهائي كأس الاتحاد


.. كيف ستواجه الحكومة الإسرائيلية الانقسامات الداخلية؟ وما موقف




.. وسائل الإعلام الإسرائيلية تسلط الضوء على معارك جباليا وقدرات


.. الدوري الألماني.. تشابي ألونزو يقود ليفركوزن لفوز تاريخي محل




.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ