الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خصائص تفاعلات المكان والنظام السياسي العربي

منذر خدام

2016 / 2 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


خصائص تفاعلات المكان والنظام السياسي العربي

يؤدي النظام السياسي، وكيفية إدارة الحكم، دورا مفتاحيا في تحديد خيارات الدول والشعوب، فإما تكيفا مع خيارات الآخرين، أو تكيفا متبادلا. في الحالة الأولى يعاد أنتاج، وتكييف الداخل الوطني مع متطلبات مصالح الخارج. في هذه الحالة الخارج يفعل، والداخل ينفعل، الخارج يقود والداخل يتبع، الخارج يتطور، والداخل يتغير حسب متطلبات تطور الخارج.
أما في الحالة الثانية فثمة تكيف متبادل، تتفاعل من خلاله المصالح وتتشابك، في عملية من التبعية المتبادلة، يصير تقدم طرف شرط لتقدم الطرف الآخر، حصيلتها تطور مشترك، وتبادل للمنافع على قاعدة المزايا النسبية المتوافرة في كل بلد.
في الحالة الأولى يكون النظام السياسي نظام للقلة قائما على أساس تنمية مصالحها، على الضد من المصالح الوطنية، والمجتمعية في الغالب الأعم، لا يحترم القانون، وغير شفاف، ولا يقبل المساءلة والمحاسبة. ولذلك فهو نظام فاسد بالضرورة، لا يسترشد بمبادئ الحرية والديمقراطية والحكم الرشيد، فاقد للإرادة السياسية المستقلة، وهو تابع بكليته لإرادة الخارج.
في الحالة الثانية يكون النظام السياسي قائما على أساس نظام المصالح الوطنية والمجتمعية، مسترشدا بمبادئ الحرية والديمقراطية، شفافا يقبل المساءلة والمحاسبة، مبنيا بحيث تستطيع كل فئة اجتماعية الدفاع عن مصالحها في إطار سيادة القانون واحترامه. وفي علاقاته مع الخارج يكون طرفا فاعلا، يمتلك إرادة مستقلة، يساهم من خلالها في عملية تطوير مشتركة ومتكافئة في إطار الشروط التاريخية الموضوعية.
ولتمييز القول وتعيينه لا بد من تحديد المقصود بالنظام السياسي. يعد مفهوم النظام السياسي من المفاهيم التحليلية الحديثة المؤسسة لعلم اجتماع السياسة. يشير هذا المفهوم إلى شبكة من العلاقات والتفاعلات المستمرة والمتجددة باستمرار بين أفراد المجتمع بالعلاقة مع السلطة، والتي تحدد إلى درجة كبيرة كيفية اشتغالها وإعادة إنتاجها، بما لا يسمح لأشكال تنظيمها، وكيفية ممارستها من تغيير جوهرها وطابعها العام.
في عالم اليوم، حيث تتسع وتتعمق العلاقات الاندماجية والتكاملية في إطار العولمة، لم يعد من الممكن لأي مجتمع أن ينأى بنفسه عن التأثر بما يجري في العالم، والمساهمة في صنعه، سواء أكان ذلك في المجال الاقتصادي، أو الثقافي، أو السياسي. غير أن درجة التفاعل والتأثر المتبادل مع عالم العولمة يتوقف إلى حد كبير على طبيعة النظام السياسي القائم ومدى كفاءته، وعلى فعالية الفرد، ومدى استجابة النظام لحقوقه الطبيعية والسياسية، والحدود التي يرسمها النظام لحريته. من هذه الناحية تكاد جميع الأنظمة العربية أن تكون خارجة عن العصر ومتطلباته. بطبيعة الحال ثمة أسباب لهذا الواقع تعود جذورها إلى تفاعلات المكان مع قاطنيه والطامعين به، والتي حددت إلى درجة كبيرة الخصوصية الثقافية، والصيرورة التاريخية للعرب.
لقد شكل المكان الذي يشغله الوطن العربي، عبر التاريخ، عنصرا حاسما في التفاعلات التاريخية التي جرت عليه ومن حوله، وهو في الوقت الراهن، على الرغم من التغير الكبير الذي طرأ على مفهوم المكان- الأرض، والمصالح الدولية المرتبطة به، لا يزال الوطن العربي محط أطماع إقليمية ودولية، تحدد إلى درجة كبيرة طبيعة التفاعلات الهادفة إلى دمجه في إطار المنظومة العولمية الكونية.
لقد شكل المكان عنصر إغراء للاستعمار الأوربي الحديث، كما كان حاله في الماضي عنصر إغراء لكثير من الغزوات التي اجتاحته، فعمد إلى تمزيق هذا المكان، ليشكل عليه دويلات تفصلها حدود مصطنعة، على أمل إدامة سيطرته عليه. غير أن العرب، لم ينقطعوا عن التواصل، والتفاعل الثقافي والسياسي، والتوجه نحو صياغة مستقبل مشترك رغم ذلك. ولا تزال تمارس عليهم اليوم مختلف أنواع الضغوطات الثقافية والسياسية والاقتصادية ، من قبل دول عديد لتحويله إلى وحدات متمايزة متنافرة ومتصارعة، أو لجذبه ودمجه في تكوينات إقليمية أخرى، وإبعاده عن مجاله الحيوي المتميز الذي يشكله الوطن العربي، فاخترع له بدائل عديدة كان من أخطرها مفهوم الشرق الأوسط كنظام سياسي إقليمي يضيق أو يتسع حسب الطلب، لكن في جميع حالاته تكون إسرائيل في موضع القلب منه.
الوطن العربي، بصفته إقليما سياسيا، يمثل امتدادا جغرافيا من المحيط إلى الخليج، يقوم عليه كيان أقوامي متميز بثقافته وبتاريخه، وبالتفاعلات التي تجري فيه. فهو يواجه نفس التحديات الأمنية بالمعنى العام لكلمة أمن، بالدعوة إلى التضامن حينا، أو الوحدة حينا آخر، ويسعى إلى تنظيم قواه وجهوده، من خلال جامعة الدول العربية، أو من خلال الدعوة إلى إنشاء السوق العربية المشتركة، أو منطقة التجارة الحرة، وغيرها.
ورغم الاهتزازات الجدية التي تعرض لها مفهوم الأمن العربي من جراء التدخلات الخارجية في شؤونه، أو بسبب الخلافات والصراعات العربية، التي كان أخطرها على الإطلاق حرب الخليج الثانية، و احتلال أمريكا للعراق في عام 2003، وما ترتب عليها من تداعيات،خصوصا ما تشهده البلدان العربية اليوم من نمو وانتشار ظاهرة الإرهاب، فإن مفهوم الأمن العربي لا يزال له ما يبرره ويحظى باهتمام الحكومات العربية، سواء بسبب وجود إسرائيل، أو بسبب احتلال إيران لإقليم عربستان وبعض الجزر الإماراتية، وتدخلاتها المستمرة في الشؤون الداخلية العربية، أو بسبب أطماع أثيوبيا في مياه النيل، واحتلال تركيا للواء اسكندرون وكيليكيا، أو بسبب نمو ظاهرة الإرهاب وغيرها
مع ذلك، ينبغي الاعتراف، بأن القوى الخارجية قد نجحت في إدخال تعديلات جوهرية على طبيعة النظام السياسي العربي، والتفاعلات التي تجري في داخله، وحددت إلى حد بعيد خياراته. وقد ازداد تأثير الخارج في الداخل الوطني كثيراً مع تعمق العلاقات الاندماجية الجارية على الصعيد العالمي في إطار ما يسمى بالعولمة. فالتوجه نحو الخارج في المجال الاقتصادي والثقافي والسياسي صار سمة العصر الراهن، وخاصة بالنسبة للبلدان المتخلفة. كل ذلك جعل الإنسان العربي يتعرض لتأثير قوى عديدة مختلفة في الاتجاه تكاد تشطره إلى أكثر من شطر. من جهة قوى السكون التقليدية، التي تحاول إبقاءه على ما هو عليه، أو إرجاعه إلى الوراء تحت دعاوى الأصالة والتراث والتميز،. ومن جهة أخرى ثمة قوى الحركة والتغيير التي تعصف بالعالم، وتحاول اقتلاعه من جذوره، وتعيد تكوينه شخصية اغترابية متكيفة مع متطلبات الخارج وأهدافه. في إطار تجاذب القوى الذي يتعرض له الإنسان العربي أخذ يتأثر كثيرا من حيث الشكل بنتائج قوى التغيير، فانفتحت شهيته على الاستهلاك من كل لون وبلا قيود وضوابط ، لكنه بقي في العمق إنسانا تقليديا في نمط تفكيره، وفي حياته الاجتماعية. لقد تكون الإنسان العربي المعاصر بحيث صار يجمع في ذاته المتناقضات دون أن يشعر بالحرج من ذلك. ففي الوقت الذي يقبل على استهلاك آخر منتجات الغرب باندفاع ورغبة، نراه يحجم وبعناد عن تقبل طريقته في التفكير، وأسلوبه في التنظيم والإدارة المجتمعية. كل ذلك انعكس في الهياكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعمليات التحديث الجارية، والتي في مجملها أعادت تكييف النظام السياسي العربي في إطار علاقات التبعية للمراكز الرأسمالية، دون أن تحدث تغييرا جوهريا فيه. فلا الطبقات تصيرت، ولا البنى القبلية والعشائرية اختفت، ولا البنى الأقوامية للأقليات اندمجت في المجتمع، ولا تصيرت كبنى قائمة بذاتها في إطار الوطن العربي، فبقيت من جملة القضايا العالقة، التي تسبب النزاعات المستمرة. لقد حافظت البنية المجتمعية على طابعها التركيبي، مع كل ما يطابقها من أنماط تفكير ومنظومة قيم وعلاقات اجتماعية وغيرها.
باختصار يمكن القول إن الإنسان العربي بتفاعله مع خصائص المكان والمؤثرات الخارجية عليه، قد تصير عبر التاريخ إلى كائن ثقافي من نوع خاص. من سمات خصوصيته تعلقه القوي بماضيه، شديد التمسك بالتقليد والتقاليد، يعيش الحلم واقعا، يتداخل لديه الممكن النظري مع الممكن الواقعي، تنمو لديه النزعة الكلامية، يتطلع إلى الماضي، وهو يحاول بناء المستقبل، ضعيف الحساسية بالزمن، شديد التمسك بالكاريزما(الزعامة) الفردية، يحاول باستمرار خلقها في جميع أشكال وجوده الاجتماعي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مجلة المراسل 01-06-2024 • فرانس 24 / FRANCE 24


.. حزب الله يعلن قصف بلدتين في شمال إسرائيل وسط تصعيد متواصل




.. تصعيد بجنوب لبنان.. مسيّرات وصواريخ حزب الله تشعل حرائق في ا


.. الانقسام الداخلي في إسرائيل يتفاقم.. ماذا تعني تهديدات بن غف




.. تصاعد المعركة المالية بين الحكومة اليمنية والحوثيين يهدد بان