الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المؤسسة، التديّن والرومنسية- ج2

نورالدين هميسي

2016 / 2 / 26
الصحافة والاعلام


"الحبّ هو عطــلة نتـوقف فيهـــا عن العمــل..."
إرنست هيلو.

محاولة المؤسسة التشبه برجل ورع متدين يبدو ورطة حقيقية، فالتاريخ النقدي للاقتصاد الجزئي لديه الكثير ليرويه عن السقطات الأخلاقية لأغلب المؤسسات الكبيرة التي تتباهى بممارسة العلاقات العامة وتدعي بأنها تفكر في مساعدة المحتاجين بالأساس. أكثر قبحا من الادعاء الديني، أنتجت ثقافة العلاقات العامة لبعض المؤسسات صورة أخرى، صورة العاشق المحبّ، وهي صورة لا تبتعد كثيرا عن الدين لأن الحب في هذا العصر تحوّل هو الآخر كما يرى أولريش بيك وزوجته إليزابيث غيرنزهايم إلى ديانة وضعية تنافس بها الفلسفات المعاصرة الديانات السماوية.
لا تتوانى الكثير من المؤسسات عن التغزّل بالمستهلكين في مشهد رومنسي عبثي يمكن تمثيله على النحو التالي: محتال وسيم يتغزل بامرأة بريئة. هناك مشهد مشابه لهذا في رواية "دون خوان تينوريو"، حين يتراهن دون خوان مع صديقه دون لويس على من يوقع بالراهبة الشابة. فرضية الحب نحو المستهلك التي تقول بها العلاقات العامة هي تكرار مبتذل لهذا المشهد الذي يختزله عنوان أغنية "رومنسية قبيحة" bad romance للمغنية الأمريكية الشهيرة لايدي غاغا.
في كل الأحوال، ورغم بعض الحالات التي كرست فيها العلاقات العامة بعض مظاهر الحب الصادقة، فإن الاتجاه العام السائد بين الكثير من المفكرين يشير إلى صعوبة دمج الأخلاقيات بالاقتصاد. ثمة على كل حال فرص لتحقيق هذا الدمج، ولكن في أكثر الأوضاع تفاؤلا تتغلب المخاطر على الفرص، وتسقط المؤسسة غالبا في مطب "الدون خوانية" Don Juanisme. في كتابه "هومو إيروتيكوس" الصادر عام 2012، يرى ميشال مافيزولي بأننا دخلنا عصرا جديدا غلبت فيه العاطفة على العقل في العلاقات الاجتماعية، وبأن الإنسان المعاصر يتقبل بشدة أن يكون مادة استعراضية للحب والتقرب والغزل داخل فضاءات الحياة العامة، وقد يفسّر هذا الواقع الجديد مراهنة المؤسسات على فرضية الحب في ممارسة العلاقات العامة نحو المستهلكين، ولكن بالمقابل، هل يصلح الإيروس كنموذج لإدارة أعمال المؤسسة؟ بالطبع لا، فلا يزال العقل سيد الموقف.
لا يمكن بأي حال الأمل كثيرا في أن يفتح الاقتصاد ذراعيه للخطابات الأخلاقية الرنانة مثلما كتب زيغمونت بومان في كتاب عنوانه "هل للأخلاق فرصة في عالم المستهلكين"، وهو موقف يشترك فيه مع أولريش بيك وزوجته في كتابهما "فوضى معايير الحبّ" الصادر باللغة الألمانية عام 1990. يرى الزوجان بيك بأن الأسرة والزواج هما آخر حصون الحبّ، وحتى هذه الحصون دكتها ثقافة التعاقدات التي عكّرت حياة الإنسان المعاصر. بشيء من الرمزية، يتحدث الزوجان عن حاضر ومستقبل نشهد فيه "تفاحات حواء متأخرة" تتسمم فيه العلاقات الاجتماعية، بما فيه علاقة المستهلكين بالمؤسسات، ولا صوت يعلو فيه على صوت "الخطر".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السياسة الفرنسية تدخل على خط الاحتجاجات الطلابية


.. روسيا تزيد تسليح قواتها ردا على الدعم الغربي لكييف | #غرفة_ا




.. طهران.. مفاوضات سرية لشراء 300 طن من اليورانيوم | #غرفة_الأخ


.. الرياض تسعى للفصل بين التطبيع والاتفاق مع واشنطن | #غرفة_الأ




.. قراءة عسكرية.. صور خاصة للجزيرة تظهر رصد حزب الله مواقع الجي