الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هيكل واليسار

رفعت السعيد

2016 / 2 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


تماما مثل علاقة عبدالناصر باليسار والتى كانت على الدوام علاقة ملتبسة فلا هى حالة عداء مستديم ولا صداقة مستديمة وفى كلتا الحالتين كان الرفض والقبول من كلا الطرفين متداخلين وينطبق عليهما القول الفلسفى “التناقض المتداخل” أو حتى العكس “التداخل المتناقض” فكل منهما يؤثر فى الآخر ويتأثر وحتى لو أتى ذلك على غير ترتيب مسبق أو رضاء منه، هكذا تماما كانت علاقة هيكل باليسار، ولأن الامتداد التاريخى لهذه العلاقة كان مدى سنوات عدة وانحناءات متفاوتة فإننا سنكتفى ببعض الوقائع التي تبين هذه العلاقة المعادية أو الصديقة وملابسات هذه وتلك ويمكن اتخاذ حالة محددة كنموذج لذلك الرفض المتبادل.

* فى نهايات 1964 أصدر عبدالناصر بصفته رئيسا للاتحاد الاشتراكى قرارا بتعيين خالد محيى الدين أمينا للصحافة وعضوا فى الأمانة العامة، وترافق ذلك مع تعيينه رئيسا لمجلس إدارة أكبر مؤسسة صحفية فى الشرق الأوسط آنذاك وهى مؤسسة أخبار اليوم.

والأمر لم يعجب هيكل فهو يجلس تحت رئاسة خالد محيى الدين وجنبا إلى جنب وعلى قدم المساواة مع رؤساء مجالس إدارة دار التحرير وروز اليوسف ودار الهلال.. وتواكب مع سباق لم يعتد عليه هيكل بين الأخبار والأهرام وأى الصحيفتين يوزع أكثر وأيهما أكثر قبولا لدى القارئ وأكثر سبقا فى المادة الخبرية، وكان الأمر جادا بحيث حاول كل طرف اختراق حصون الآخر ليعرف توزيعه ومانشتات عدد الغد، وكان هيكل يلهب الصراع بالحصول منفردا على بعض الأخبار الرئاسية.

وأذكر أنه ذات يوم وفى حوالى الساعة الخامسة اقتحم جنيدى خلف الله المحرر الشديد النشاط والموثوق فى أخباره غرفتى طالبا الدخول على الأستاذ خالد فورا، ودخل وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة وصاح الرئيس مسافر السعودية بكره، وكان ذلك بعد فترة من العداء المتصاعد، ولم يصدق خالد لكن الرجل اندفع بالتفاصيل وأن عبدالناصر سيغادر من ميناء صغير اسمه راس بيناس وعلى الفور صعد موسى صبرى وحسين فهمى رئيسا التحرير ومعهما خريطة لنجد عليها نقطة صغيرة بهذا الاسم، وابتدآ عملية صياغة الخبر التى أسرع بها موسى صبرى بينما كان حسين فهمى يعد أكثر من مانشيت للاختيار من بينها مثل “عبدالناصر فى السعودية”، “المصالحة مع السعودية”، “عودة الأخوة المصرية السعودية” وفيما يصدر القرار لتغيير الصفحة الأولى بالكامل.. دق التليفون الخاص على مكتب خالد محيى الدين وعلى الطرف الآخر من يأمر بمنع نشر أى خبر عن رحلة الرئيس، ويدق تليفون مكتب ليبلغنى صديقنا فى زنكوغراف الأهرام بالمانشيت الأهرامى “عبدالناصر فى السعودية” وكظم الجميع غيظا يتجدد دوما.

وعلى امتداد العلاقة تراكمت وقائع من هذا القبيل لكنها لم تتفجر،ثم كان التفجير , الأزمة فى العملة الصعبة كانت تتصاعد والصحف تلتهم حصة كبيرة مما يخصص للاستيراد من الخارج “ورق الصحف – الأحبار – الرصاص ورواتب المراسلين” واتصل عبدالناصر بأمين الصحافة “خالد محيى الدين” يأمر بتخفيض استهلاك ورق الصحف ولا يكون ذلك إلا بتحديد عدد الصفحات، وفى اجتماع أمانة الصحافة تقرر أن تخفض الصحف الثلاث: الأهرام، الأخبار، الجمهورية عدد الصفحات 12 صفحة يوميا لكل منها مع زيادة أربع صفحات للعدد الأسبوعى أخبار روزاليوسف يوم السبت – الجمهورية يوم الخميس ثم الأهرام يوم الجمعة، وأعلن خالد أنه سيبدأ من اليوم التالى وبالفعل بدأ وكذلك “الجمهورية” ثم فوجئ الجميع بالأهرام يزيد عدد صفحاته بصورة مبالغ فيها، وهنا لم يعد الأستاذ خالد قادرا على الاحتمال واتصل بعبدالناصر غاضبا، وفوجئ بأن عبدالناصر عامله بجفاء لم يعتد عليه وكأنما كان ينتظر غضب خالد لينهى مسألة وجوده فى أخبار اليوم.. وفيما خالد يشكو أجاب عبدالناصر بأن عامر غاضب من وجود خالد على رأس أخبار اليوم فقال خالد إذن أستقيل ورد عبدالناصر خلاص أبعت استقالتك، وعندما حضرت فى الصباح وجدت الأمر قد انتهي.

عبدالناصر ينتظر خطاب الاستقالة واتفقا أن أقوم بتوصيله وأن يستلمه عبدالناصر شخصيا، وأن يسافر الأستاذ خالد إلى لندن لاستكمال علاج ابنته وأن يسلمنى كل ما هو خاص برئيس مجلس الإدارة لأسلمها بدورى للأستاذ هيكل الذى تقرر فى نادرة من نوادر تاريخ الصحافة المصرية أن يتولى رئاسة مجلس إدارة أخبار اليوم مع رئاسة مجلس إدارة الأهرام، وكان من بين الاتفاق مع عبدالناصر أن يواصل خالد محيى الدين كتابة مقالة كل سبت بأخبار اليوم، وبالفعل غادر تاركا مقاله مع سكرتارية التحرير.

وفى الصباح أتى الأستاذ هيكل واستلم الدار رسميا وفى اليوم التالى استدعانى هيكل وقال انزل المطبعة واختصر عمودين من مقال خالد، قلت اعتدنا أن يكون مقال خالد على صفحة كاملة ولم نعتد على اختصار، فقال بترفع انزل اختصر عمودين ورفضت، فرفع سماعة التليفون ليأمر سعد عبدالعليم مدير المطابع شيل مقال خالد محيى الدين.

وكما يقول المثل “الأفيال تتصارع والعشب يتكسر”، أصدر الأستاذ هيكل وبعد فترة قرارا باستبعاد جميع الصحفيين اليساريين الذين ضمهم خالد إلى المؤسسة فيما عدا البعض بما يوحى أن هيكل كان على علم بتصنيف الاعتماد التنظيمى لكل منا وقيل إن لطفى الخولى كان من أعد الترتيبات النهائية، وكانت القطيعة.

***

هذا عن الوجه الأول فماذا عن الوجه التالي..

لا شك أن اليسار المصرى والعربى ظل مدينا ليهكل بإصدار مجلة الطليعة كأول مجلة يسارية تصدر عن دار حكومية وضم لطفى الخولى مجموعة من الكوادر الشيوعية ميشيل كامل – سعد زهران – عبدالمنعم الغزالى – غالى شكرى – حسين شعلان – خيرى عزيز وأنا وغيرهم كما ضم مجلس المستشارين قيادات يسارية بارزة.. إسماعيل صبرى عبدالله – إبراهيم سعدالدين – أبوسيف يوسف.. ولا ينكر أحد الدور الثقافى والأكاديمى والسياسى البارز الذى لعبته الطليعة.

وقد يكون مثيرا للدهشة أن هيكل أثناء تحضير زيارة عبدالناصر لافتتاح المبنى الجديد للأهرام قد رتب “طبعا بالاتفاق مع عبدالناصر” أن يكون الحوار الوحيد بين عبدالناصر وصحفيى الأهرام هو الحوار الذى استمر حوالى ساعتين مع مجموع محررى الطليعة والذى كان لقاء عاصفا “من جانب عبدالناصر طبعا” غير أن هذا اللقاء الذى كان مغلقا قد علم محررى الطليعة ما لم يكونوا يعلمون عن عبدالناصر، كما أنه منح محررى الطليعة مهابة خاصة بين محررى الأهرام.

***

وتتبقى بقايا حكايات.. فقد تركنا علاقة خالد وهيكل ويكسوها الجفاء المتبادل.. ثم برد الجفاء رويدا رويدا، فهيكل إذ غادر أخبار اليوم قرر فى ذات اليوم استدعائى لمكتبه فى الأخبار وذهبت لأجد هيكل وقد جمع مجلس المديرين ربما ليودعهم أو ليرتب معهم بعض التسويات، وكنت واحدا من هذه التسويات فقد أدخلتنى السكرتيرة فور وصولى ورحب بى هيكل بحفاوة فرحب الجميع بى مبالغين فى الحفاوة، وقال لهم سيعود رفعت إلى المؤسسة بذات وضعه ومرتبه السابق، وعليكم أن توقعوا القرار كل فيما يخصه أمامي، وتقرر أن أستلم عملى كمحرر فى اليوم التالي، لكن القادم الجديد كرئيس لمجلس الإدارة جاء ليرفض عودتى “رغم علاقات الصداقة والرفاقية فيما بيننا” وما أن علم هيكل بذلك حتى أتصل بالأستاذ خالد ليبلغه أنه قرر تعيينى فى الأهرام وبالفعل بدأت على الفور عملى فى مجلة الطليعة.

***

ثم كانت واقعة 15 مايو التى أسماها موسى صبرى للسادات “ثورة التصحيح” وبدأت الحملة على من أسماهم السادات مراكز القوى وألقى القبض عليهم، وبعدها بأيام اتصل بى فى الأهرام، صوت آمر ساخط ومترفع “إنت رفعت؟.. أيوه فين خالد؟” سألت مين وأجاب أنا المدعى العام الاشتراكي، وقلت معرفش، فقال بذات الصلف “على العموم هنعرف نجيبه” ونزلت على الفور من الدور السادس إلى الرابع وأبلغت هيكل فقال متخافش ده مدعى عام.. “كلمة غليظة” واتصلت بالأستاذ خالد فى الإسكندرية وقلت له وأضفت ما قال هيكل وبه الكلمة الغليظة التى سجلت طبعا ونقلت له فظل لفترة يقول “أنا نفسى أجيب هيكل” حتى نهاه السادات عن ذلك، وحضر الأستاذ خالد واتصل بى فور وصوله وقال إنه ذاهب لمقابلة المدعى العام الاشتراكي، وغاب لساعات ثم اتصل بى قائلا “أنا فى الإقامة وممنوع زيارتى وانت عارف السكة التانية والتليفون سيقطع فورا” وفعلا قطعت حرارة التليفون وتم عزل الأستاذ خالد تماما، “وأصل الحكاية أننا كنا نستعد لحضور المؤتمر العام للمجلس العالمى للسلام فى بودابست ووجهت الدعوة لكل أعضاء المجلس من المصريين ،وكان عددهم تسعة وأغلبهم كان عضوا فى اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي، وفجأة بدأت الاعتذارات أحمد الخواجة – فريد عبدالكريم – حكمت أبوزيد وغيرهم واتصل خالد بشعراوى جمعة مستفسرا وأجابه معلش مش حيسافروا علشان عندنا اجتماع مهم للجنة المركزية، وأجاب خالد “شدوا حيلكم” واعتبر ذلك تحريضا على التمرد ضد السادات” وقرر مصطفى أبوزيد المدعى الاشتراكى حبس خالد على ذمة التحقيقات لكن السادات رفض مؤكدا التزامه باتفاق قديم لأعضاء مجلس قيادة ثورة يوليو بألا يسجن أحد منهم أحدا منهم واكتفى بالإقامة الجبرية، المهم اتصلت بالأستاذ هيكل وأبلغته بالخبر وشعرت بصدمته لدى سماعه وقال سأزوره فورا، سبقته إلى بيت الأستاذ خالد فوجدت على باب الشقة مخبرا لا يعرف إلا كلمة واحدة “ممنوع”، ونزلت وأنا أعرف طريقى عبر سلم الخدم لأصل مباشرة إلى مطبخ الشقة وجلست مع الأستاذ خالد لنرتب ترتيبات كانت ضرورية وفيما أنا هناك جاءت الشغالة لتقول الأستاذ هيكل بره والمخبر رافض يدخله فقلت لها قولى له ينزل ونزلت ورحب بأن أصطحبه عبر سلم الخدم وكان لقاء حميميا وأحضانا دافئة أذابت كل ما كان.

***

وتبقى حكاية صغيرة.. قبل سفرنا للمجر جاء فريد عبدالكريم ليقابلنا وكان لون بشرته أصفر لمرضه بالسكر قلت مازحا “وشك أصفر ليه إنت خايف؟” فقال: “أخاف من إيه هو يعنى حيعلق لنا المشانق” وكان حاضرا واحد من الصف الثالث من الضابط الأحرار ويعمل معنا فى مجلس السلام وبعد 15 مايو أسرع بإبلاغ مكتب السادات تملقا الحكاية بعد صياغتها صياغة كاذبة وبدلا من “هو يعنى حيعلق لنا المشانق” قال إن فريد رد على “إحنا هنعلقه فى المشنقة” وأبلغت بضرورة حضورى للشاهد فقلت لمن استدعانى ما نقل إليكم غير صحيح.. وسأقول الحقيقة.

وتواصلت الضغوط وصممت والأستاذ خالد قال لا تشهد زورا عليهم.. حرام “وعرف الأستاذ هيكل واستدعانى وكانت علاقات الكراهية بينه وبين هذه المجموعة “على صبرى – شعراوى – فايق – فريد عبدالكريم.. وغيرهم” ملتهبة وسألنى ماذا ستفعل قلت مهما فعلوا سأقول الحقيقة فوقف وسلم على بحرارة وقال ده موقف محترم.

وهكذا ومهما توالت الحكايات فإنها تسير عبر ذات المسارين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كوكب القرود
على سالم ( 2016 / 2 / 27 - 02:48 )
فى الواقع انا اعتبر تاريخ مصر مخجل ومخزى وعار , عبد الناصر ماكان له ان يكون رئيس بأى حال من الاحوال وقد كان كارثه على مصر , وعصابه عبد الناصر وشله الباكباشيه والامباشيه واليوزباشيه كانوا طالع نحس وخراب على مصر , القاسم المشترك بينهم كان الجهل والغباء وسطحيه التفكير وانحطاط اخلاقهم وكانوا من الرعاع والهمج والسوقه , كأنهم كانوا قدموا رأسا من كوكب القرود , الله يخرب بيوتهم واحد واحد لقد كانوا السبب فى خراب وضياع مصر


2 - والتمني راسمال المفلس-شتم الشعب او القيادات ديدن
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2016 / 2 / 27 - 14:08 )
في مصر وفي بلدان عربية اخرى اخذت تتوسع-تقليعة-شتم عناصر التاريخ التي لاتعجب
الكاتب يشتم القيادات وكاءنها جاءت من الفضاء الخارجي-وليس كما انتم يولى عليكم
وعندنا في العراق اخذوا يسمون الشعب رعاع بل وسرسريه لانه لايستجيب-للديالكتيك-لافلاس الجالسين في العزله وانعدام الرؤيه ياسلام على موضات اخر زمان

اخر الافلام

.. توسع الاحتجاجات الجامعية في أنحاء العالم


.. إجراءات اتخذتها جامعات غربية بعد حرب إسرائيل على غزة




.. استشهاد فلسطينيين أحدهما طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزلا شر


.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع




.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر