الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل المغرب -دولة عربية-؟

سعيدي المولودي

2016 / 2 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


هل المغرب دولة عربية؟
يبدو قرار المغرب القاضي بالرفض أو الاعتذار عن استقبال قمة جامعة الدول العربية مؤشرا واضحا على حدة وقوة التفاعلات والرهانات السياسية ،ودورها الساري في توجيه الاختيارات الخاصة بكل الدول العربية، التي تختنق بربيعها أو تقف على شفا حفرة من جحيمه، وتغتال تاريخها المضيء لتعانق فيالق الظلام التي تتناسل كريح الوباء، وتصادر حق الحياة في كل المهاوي.وسواء أكان قرار المغرب نتاج رؤية استراتيجية خاصة تنظر إلى جامعة الدول العربية كهيكل فارغ تجاوزته الأوضاع على الصعيدين الإقليمي والدولي ، ولم تعد مؤهلة للاستعمال أو التوظيف إلا لتصفية حساب الاقتتالات المتجددة التي تتأجج وتملأ أطراف الكون رعبا، أو كان بهدف إرضاء نزوعات سياسية تحاول غرس اختياراتها في ظل الانحدارات والانكسارات التي يشهدها العالم العربي، فإنه يحيل إلى وضع مأزوم وملغوم يحمل في طياته عوامل وأسباب الانهيار أو السقوط المدوي المرتقب لجامعة الدول العربية.
ويظهر أن المغرب بهذا القرار خرج من منطقة تقاطعات المصالح المتعارضة والمتنافرة لدول الجامعة ، وإن كان ذلك لا يلغي ظلال الانحياز الممكن لوجهة محددة ضمن دوامة تجاذباتها، وبذلك ينأى ،مرحليا على الأقل، عن دائرة الاختلالات ويختار منطق الحفاظ على الحد الأدنى من التوازنات. ولكن القرار لا يحتمل هذا البعد من التأويل فحسب، فقد يعني بمعنى ما،إسهاما فعليا في رفع إيقاع تأزيم الأوضاع وشحن الأسباب الداعمة لتفاقمها.
يحفزنا السياق، ولو من زاوية نظر ضيقة، للقول لماذا وقف خيار المغرب عند هذا الحد، ولم يبادر، مثلا لإعلان انسحابه من هذه الجامعة التي انطفأ بريقها وتراجع دورها وأثبتت عبر تاريخها عجزها المزمن في مواجهة التحديات والأزمات، وتعطل لديها جهاز التفكير في الاختيارات الصائبة أو الإمساك بمفاتيح الحلول، إذ لم تسجل أي موقف إيجابي حاسم لصالح الشعوب العربية، وغدت مجرد أداة مسخرة تأتمر بأوامر "الناتو" والأحلاف الرجعية العسكرية التي تصطاد في مياه الفظاعات والعنف الوحشي. وثمة ما يعضد هذا الطرح فالمغرب عمليا ليس دولة عربية، والدساتير المغربية بصيغها المختلفة لا تتضمن أية إحالات في هذا الاتجاه، ففي دستور 1960 يتم التنصيص على أن المغرب" دولة إسلامية ذات سيادة كاملة ... وهي جزء من المغرب الكبير. وبصفتها دولة إفريقية فإنها تجعل من بين أهدافها تحقيق الوحدة الإفريقية" وهي العناصر ذاتها التي تضمنتها صيغة دستور 1970، و1972، غير أنه في صيغة دستور 1992 و 1996 أضيفت صفة " العربي" للفظة المغرب، وهي "جزء من المغرب العربي الكبير"، وتم الاستغناء عنها في دستور 2011 الذي أقر بتنوع مقومات الهوية الوطنية للمغرب، وتفاعل وانصهار مكوناتها المختلفة: العربية والأمازيغية والصحراوية الحسانية والإفريقية والأندلسية والعبرية والأندلسية والمتوسطية. ويتيح لنا هذا،التأكيد على أن المغرب من الوجهة الدستورية ليس دولة عربية، والتركيز في مختلف الصيغ الدستورية انصب على الأبعاد الثلاثة :البعد الإسلامي والبعد الإفريقي و البعد- الشمال الإفريقي ( المغرب الكبير)، والمقارنة مع دساتير دول أخرى عربية يدعم هذه الخصوصية التي حافظ عليها المغرب، والتي اتسعت دائرة انتماءاتها مع دستور 2011 لتشمل مقومات عديدة متكاملة ومتضافرة تتوحد في النهاية لتجسد الكيان التاريخي للأمة/ الدولة المغربية بحيث لا فضل لهوية على أخرى إلا بمدى تفاعلها وانخراطها الكلي في صناعة وبناء هذا الكيان. والفقرات التي تسرَّب إليها وصف "العربي" لا يمكن اعتمادها مرتكزا حاسما لتأكيد أو تثبيت الانتماء العربي للمغرب، فقد تكون أملتها المتغيرات والأوضاع السياسية التي واكبت علاقات المغرب مع محيطه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الإقليمي والدولي.
وسيتضح الفرق بكل جلاء حين نلقي نظرة عابرة على دساتير دول أعضاء في الجامعة، إذ أغلبها تنص بصراحة على الانتماء العربي (بالمدلولين العرقي والجغرافي) ، فدستور دولة الكويت مثلا ينص على أن الكويت " دولة عربية مستقلة ذات سيادة" و" شعب الكويت جزء من الأمة العربية" والدستور المصري أيضا ينص على أن " الشعب المصري جزء من الأمة العربية" والدستور الجزائري ينص على أن " الجزائر جزء لا يتجزأ من المغرب العربي الكبير، وأرض عربية.." ودستور مملكة الأردن ينص على أن " الأردن " دولة عربية مستقلة ذات سيادة والشعب الأردني جزء من الأمة العربية، وكذلك الشأن بالنسبة لدستور مملكة البحرين الذي ينص على أن " مملكة البحرين عربية إسلامية ذات سيادة تامة، شعبها جزء من الأمة العربية وإقليمها جزء من الوطن العربي الكبير." ودستور لبنان ينص على أن "لبنان عربي الهوية والانتماء.."... وجميع هذه النماذج تؤكد أن الانتماء العربي للمغرب ليس عاملا محددا لهويته، فهو لا يربط انتماءه بالأرض أو الأمة العربية، وسياقات صيغ دساتيره لا تقبل أي تأويل خارج مدار هذه الدلالة.
صحيح أن المغرب ينص في كل دساتيره أن اللغة العربية هي لغته الرسمية، لكن ذلك لا يعني البتة وبالضرورة الانتماء للأمة العربية، وانضمامه لجامعة الدول العربية لا يعني كذلك شيئا من هذا، شأنه في ذلك شأن الصومال أو دجيبوتي ( الصومال الفرنسي). واختيار اللغة العربية كلغة رسمية قام نتيجة عوامل تاريخية وحضارية واجتماعية متباينة أهلتها لتنهض بهذا الدور، مع أن موقعها داخل سيرورة المجتمع المغربي وهياكل الدولة يؤشر إلى أنها لا تحمل أي طابع رسمي أمام سطوة وهيمنة اللغة الفرنسية التي تبدو عمليا هي اللغة الرسمية الفعلية، وأمام المنافسة القوية للغة الأمازيغية واللغات الدارجة لها على مستوى دورات الحياة اليومية والتواصل اليومي.
لهذا يبدو القول بأن المغرب ليس دولة عربية، لا يحمل في طياته أية مظاهر للإثارة أو الاستفزاز أو شيئا من هذا القبيل، لأن أيا من دساتيره لا يقر بهذه الصفة . ورفض انعقاد مؤتمر القمة العربية في المغرب قد يرشح بإيحاءات ما في هذا الاتجاه، ويرسم طريق خصوصية الهوية المغربية وخياراتها الإستراتيجية التي ليس من الضروري أن تكون من صميم خيارات جامعة الدول العربية التي تخطو خطواتها نحو هاوية النهاية.
سعيدي المولودي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أمام إسرائيل خياران.. إما رفح أو الرياض- | #مراسلو_سكاي


.. استمرار الاعتصامات في جامعات أميركية.. وبايدن ينتقد الاحتجاج




.. الغارديان: داعمو إسرائيل في الغرب من ساسة وصحفيين يسهمون بنش


.. البحرين تؤكد تصنيف -سرايا الأشتر- كيانا إرهابيا




.. 6 شهداء بينهم أطفال بغارة إسرائيلية على حي الزهور شمال مدينة