الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاندماج مع الآخر.. حكمة ومهارة

إيمان أحمد ونوس

2016 / 2 / 27
مواضيع وابحاث سياسية



على مدى تاريخ الهجرات الإنسانية، برزت مسألة الاندماج بالمجتمعات الجديدة كمشكلة تواجه المهاجرين الذين يحملون عادات وقيم مفاهيم مغايرة للمجتمعات التي وفدوا إليها، مثلما يتكلمون لغة مختلفة تجعلهم يحتاجون إلى بذل المزيد من الجهد للتفاهم مع من يقابلون ويُعايشون.
وبالطبع، هي مشكلة معقّدة تواجه جميع من هاجروا ولجأوا إلى بلدان أجنبية في سنين الحروب الأخيرة التي طالت العديد من البلدان ومنها سوريا. ذلك أن عموم المهاجرين أو اللاجئين اضطروا تحت وقع ضغوط إنسانية مادية ومعنوية لترك بلدانهم الأصلية مرغمين، ما يجعلهم يتشبثون بجذورهم العقائدية وثقافاتهم المختلفة كنوع من التميّز أو التشبث بخصوصية قد تساعدهم في الحصول على ما يطمحون إليه وبإصرار على عدم التخلي عن هوياتهم المتعددة(دينية، قومية، أو سياسية) وهذا ما يجعلهم في كثير من الأحيان في مواجهة مسألة التكيّف أو عدمه في المجتمعات الجديدة، حيث يُعاني الغالبية من مشكلة اللغة بشكل أساسي، وهذه المشكلة قد تجد لها حلاً عند البعض، أمّا البعض الآخر فإنها تستعصي عليه إمّا لأنه لا يمتلك المهارات اللغوية التي تؤهله للتمكّن من اللغة الجديدة، أو لأنه يرفض التعامل إلاّ بلغته الأم وهذا بحدّ ذاته مشكلة كبيرة، لأنه لا يمكن التكيّف أو الاندماج في مجتمع لا يمكننا التحدّث إلى أفراده أو هيئاته ومنظماته التي سنضطر إليها بشكل أو بآخر.
بعد ذلك، تأتي الثقافة القانونية والقيّمية التي تتطلبها الحياة الجديدة للمهاجرين الذين انتقلوا من مجتمعات تفتقد إلى مثل تلك الثقافة مثلما تفتقد إلى مفهوم المواطنة بكل تجلياته وأبعاده المتعددة والمتنوعة، وهذا ما يجعل المهاجرين أمام تناقضات مختلفة بحكم ما يحملونه من ثقافة وقيم وتقاليد تختلف كليّاً عن ثقافة وقيم المجتمعات الجديدة سواء في مسألة الحقوق والواجبات، أو في ممارسة العديد من السلوكيات التي قد تبدو غريبة أو منافية عن تلك المجتمعات، وليس أوضح من مثال ضرب الأبناء أو الزوجات، او ظاهرة التحرّش الجنسي التي طفت إلى السطح مطلع العام الجديد والتي أخذت أبعاداً سياسية واجتماعية متباينة حينها.
لذا، تبقى مسألة الاندماج مع الآخر مسألة تتجاذبها عوامل ذاتية وأخرى موضوعية، فالموضوعية تقتضي فتح نوافذ التعايش والاندماج بشكل يسمح للمهاجر بالتعرّف إلى المجتمع الجديد، سواء عبر ثقافته أو عبر منظومة قوانينه المختلفة، أو من خلال تعريف أبناء هذا المجتمع على المهاجرين بذات الطريقة، كي يسهل التعامل والتأقلم ما أمكن ما بين الطرفين، إضافة إلى نقطة هامة وأساسية، وهي قبول الآخر والاعتراف به وباختلافه الحتمي، وبالتالي احترام هذا الاختلاف الذي سيعطي المجتمع لاحقاً تنوع يُفضي إلى حضارة إنسانية راقية.
أما العوامل الذاتية، فهي خاضعة لنمط تفكير شرائح المهاجرين الذين قد يتطلع بعضهم إلى فرض وجودهم بكل ما يحملون من بلدانهم الأصلية على المجتمعات الجديدة من مبدأ حقهم في اعتراف الآخر بهم، أو من مبدأ حرية التعبير التي تتميّز بها هذه المجتمعات، فلا يتنازلون قيد أنملة عن قيمهم ومعتقداتهم وتقاليدهم حتى لو كان فيها إزعاج وعرقلة لتلك المجتمعات، وهذا ما سيُفضي ربما إلى تعرّضهم لإشكاليات أو مساءلات من قبل المجتمع أو هيئاته الأخرى، ومما قد يترك انطباعاً سلبياً لدى أفراد تلك المجتمعات عن أولئك المهاجرون. وبالمقابل، ينظر بعض أبناء المجتمع الجديد إلى المهاجر في غالب الأحيان على أنه متطفل جاء يقاسمه موارد البلد كافة، إضافة إلى شعوره بأن هذا المهاجر قد يعمل على تغيير وربما تشويه الصورة المدنية للمجتمع، وهذا ما يجعل من مسألة الاندماج مهمة عسيرة وشاقة للطرفين.
يقول أمين معلوف في كتابه الهويات القاتلة(ص 60- 61):
(( في الكثير من البلدان التي يتعايش فيها اليوم سكان أصليون يحملون ثقافة محلية، وسكان آخرون وفدوا حديثاً يملكون تقاليد مختلفة، تبرز توترات تُرخي بظلالها على سلوك كل منهما، وعلى المناخ الاجتماعي والسجال السياسي. لذا لا بدّ من تناول هذه القضايا الحسّاسة بروية وحكمة.
والحكمة درب متعرّج، وطريق ضيّقة بين هاويتين ومفهومين كل منهما على طرف نقيض من الآخر. ففي مسألة الهجرة، يتمثل المفهوم الأول في اعتبار البلد المُضيف صفحة بيضاء يمكن لكل واحد أن يسطّر عليها ما يحلو له، أو أسوأ من ذلك، أرضاً مشاعاً يمكن لأي كان أن يستقر فيها مع أسلحته ومتاعه دون أن يُغيّر شيئاً في سلوكه أو عاداته. ويرى المفهوم الثاني أن البلد المُضيف صفحة مكتوبة ومطبوعة أصلاً، أو أرضٍ قد تحددت نهائياً قوانينها وقيمها ومعتقداتها وسماتها الحضارية والإنسانية، وما على المهاجرين سوى الامتثال لها... العقلاء وحدهم سوف يخطون خطوة نحو التسوية البدهية التي تعتبر أن البلد المُضيف ليس صفحة بيضاء، ولا صفحة مكتملة، بل صفحة في طور الكتابة))








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال