الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وحيداً مثلي !

عزة رجب
شاعرة وقاصّة ورائية

(Azza Ragab Samhod)

2016 / 2 / 27
الادب والفن


وحيداً مثلي!

• يتركني ظلي حين أتذكر وجهك، طافحاً فوق ندى أوراقي، المنتظرة دموع المحبرة فوق صفاء وجهها، يتخلى عني نخاعي، كأن ينسلخ في لوعة حنين، أو يتجلى في ومضة برق، صعقتْ أحلام نهارها تلقاء غيمة مترعة بآمال الهطول، ورحم الأرض ينتظر البذرة الأولى، ذلك الإنفجار الكوني الأول، من عمق الصميم ومن غياهب التراب، تأتي أنت، من تلك الذرة، ولاشيء أعظم من كونك وجه طيني، و روح تشكلتْ في تدويرة أيادٍ فنانة، فمن الوجود الآني، إلى كينونة الفاني، تمخضك تشكلات الأنا، الوحيدة، المُغتربة، الواقعة في نزق اللحظة الخاطئة، الغارقة في ندم الذبول جراء عجلة الانتقاء.

• وحيداً مثلي، تسقي إناء زهورك المتوحد عند نافذة، توحدت كرسياً قابعاً قربها، يهزُّ كل مساء غصن الشوق إلى الوجوه الغائبة، وزئبق الملامح المُرتسمة عند زجاج النافذة الغائم، يتصورك العنكبوت الذي أقام بيته في إحدى زواياها، مثله، في بيت الوهن والوحدة، يترقب متى يختفي عنه ظلك، ليبدأ يومه في ملاحقة الأرواح الخارجة عن تغريد سربها، فراشة عشقتْ، فغرقت في هالة الضوء، أو نحلة تلذذتْ، فماتت في العسل، أو نملة تمادتْ في التوحد، ففقدت بوصلة الطريق، أو جناح لم يقو على الطيران، فسقط رهين الحلم بالتحليق!

• وحيداً كغريب يعبر نهراً مكتظاً بالأسئلة، تاركاً ضفة الاحتمالات رهينة التردد، يمضي به التيار إلى حيث لا يترك البحر للنهر فرصاً للشك، بأن الوجود الصغير يُفضي إلى كون يكبر كلما اتسعتْ فوهة البحث به، انطلقت رصاصة السؤال في بحثٍ جاد عن وجود آخر كائن فيه.

• وحيداً كوحدة مغتربة، ضاعتْ في خضم الوجود المرتحلة لأوطان بعيدة، تبحث عن وجودها في أرشيف أعدته أيقونة الرحيل، أسماء تختصر مسيرات، أثقلت كاهلها بملح العتاب، مجَّها السكون في حيرة تقبع كل ليلة، كل صباح، كل نهار، كل مساء، في بركة فار بها عذاب الانتظار، سحقها وجع التساؤل كوردة ذابلة، أسرها ضوء الشمس في جفاء، أكل بلا لطف جميل مُحياها، وأوغل في عطشها حتى نالها النصب.


• وحيداً كرصيفٍ مرَّرت ذاكرة الأيام أجندتها على وجهه ـ فلما ألقاه كاهل الذكرى في حضن الأحبة انهار، وتشققت ملامحه في تجاعيد أخبرتْ العابرين عن أيقونات معبأة بعطر الزمن الجميل، وأيادٍ كانت متشابكة بين أحضان شارع ألقته الطرقات في قسوة لحياة ٍ لا ترحم.

• وحيداً مثل مئذنة تصدح، في وطن الغربة، تتكلم صوتك، تناديك لمسجدها، وحين تتوضأ بماء التوق لرؤية الله فيك، تخونك دموعك، عند أول وجه حطَّ عليه طائر الغياب، ليحملك في رحلة الجوع إلى ملامح أكلها الزمان، وشرب من تجاعيدها، حتى استمرأ بها العمر، وحملها لآخر المطاف!

• وحيداً كرحلة خالية من مسافريها، حقائبها محزومة بأربطة الاستحالة، تكتب قائمة ركابها من أسماء اختارتها كأعشاش يمام غادرتْ، بغير تأريخ عودة، متى التمستْ الدفء، وجدتْ البرد حجة الرحيل نحو شمس الوجود، إلى وجود يغرف من وجد المطلق، حقيقته الأزلية.

• وحيداً كفزاعة في حقل، احتلته الغربان، سقط أسيراً للنوايا السوداء، المدسوسة في صواع أمنياته، نقرتْ بذاره، واستولتْ على ثماره، فلما استنزفتْ منه قواه، وخارتْ به رجلاه، ماعاد يحتمل فراقه لظله، فأنشأ فزاعته، لعله يأنس ألا يكون، يقنع بأن يُفرغ تماما من محتواه، يتجرد من معناه، من مفاهيم إنائه، وماضيه وذكراه، على ألا يخسر من روحه أيقونه الوجود.

• وحيداً كأسير في سجن انفرادي، اغترب حتى تصعدت روحه السماء، قيدهُ سلاسل من ماض ٍ بعيد، تشده للوراء كلما خطا خطوة نحو الأمام، ينام ويده وسادته، وحنينه غلالته، وعقله يدور كطاحونه تمخض في ماء العتاب وملح الغياب، ليله ما لاح له ضوء إلا من وراء قضبان المسافات، وأسوار الجهات، يتلكأ كأعرج فقد عكاز صبره، يترنح كأعمى فقد ملامح أحبته، ينتفض كأطرش هزَّه صوت الحنين لجرس الحكايا والماضي التليد!

• وحيداً مثلي، كعزة حين تُلقي أحضانها لجدارها العازل، ليس ثمة ما يحيطني، وما يحتضنني سوى ظلي، قائماً على الحائط، جالسا في زاوية منزلي، متكئاً مثل شمعة ذوَّبها الأنين، متجعداً كزمنٍ تآكل من نائبات الدهر، وكسنة ٍ توالت عليها أيام عجاف ـ فما أفرحت قلبها بوطن يتسع لحجم أمنيات النهار.

• وحيداً، وقد تركتك قرب زيتونة انتظارك، وصبَّارة وجدك، لعلك تنبعث من لحاء شجرة صامدة، أومن رحم بستان طال شوقه لغيمة تغمر بقبلاتها وجهه، أو من بئر منسي ينتظر سيَّارة يرمون إليه بيوسف قومه، أو من عش يمامة نسيتُ أناملك فيها، وقصاصة ورقة كتبت اسمك عليها، أو من بطن رحم ينفجر في الأرض، يعلن بدء رحلتك، وانفتاق بذرة قدومك للوجود من جديد.
وح ي داً م ث ل ي....

ذات تشابه معك
2015:11:9








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس


.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن




.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات


.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته




.. كلمة أخيرة - قصة نجاح سيدة مصرية.. شيرين قدرت تخطي صعوبات ال