الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حاولت جهدي أن أكون حماراً ... ونجحت

وليد الحلبي

2016 / 2 / 28
كتابات ساخرة


مللت عيشتي لكثرة تبرمي من كل ما هو حولي:
1- يقفل أحدهم حدوده مع جاره لمدة خمسة وعشرين عاماً ، فيقطع أوصال الشعبين الجارين ، وتتفكك عرى الأخوة بينهما ، ومع أنه لا يطالني شيء من هذا الأذى والحمق ، غير أنني لا أنام الليل مصاباً بالقلق ، ولا أهدأ النهار ، أكيل الشتائم للقطرين ، فيرتفع ضغطي شبرين ، وينصحني طبيبي بأن أطنش المواضيع الحقيرة ، ويوصيني بعدم مشاهدة أخبار الجزيرة ، والتي ينصح مرضاه من أصحاب الضغط المنخفض بمتابعتها باستمرار ، بل أن أداوم على قنوات الهز والرقص ، والتي لا يطالها شطب الرقيب ولا بتر المقص ، غير أنني أرفض النصيحة وأتابع الانتحار، مومس عابرة أشاحت عني متمتمة بلهجة الحرائر: من فضلك لا تتدخل في شؤون المغرب والجزائر.

2- يلتزم أحدهم بعهوده ومواثيقه مع قتلة أفراد جيشه دوساً بالدبابات ، فيقفل معبراً يمد أبناء جلدته ودمه ودينه بسبل الحياة ، وذلك دون أن يرف له جفن أو يحمر له خد ، فأبدأ بكيل الشتائم بأقذع العبارات ، وأحقر المفردات ، لكنني أنتبه إلى أن مفرداتي الساقطة وعباراتي المقذعة ، والتي قضيت العمر أجمعها من أرصفة السفالة ومواخير الدعارة ، لا تتناسب والمقام ، وأحسب أن هذه الألفاظ نفسها ترفض ، بل وتشمئز، من إطلاقها على هكذا شيء ، فأصمت وأقسم بأغلظ الأيمان أنني سأقاضي مجامع اللغة العربية لعجز علماؤها الأفاضل عن صياغة شتائم توفي المقام التافه حقه ، ومع أنني تحديتهم كثيراً للقيام بذلك سريعاً، لكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً . طلبت من مومس أن تصف لي الوضع الراهن بالتمام ، فاعتذرت بأدب واحتشام قائلة: وهل أنت فرعون لكي تحتج على ذلك.

3- تتحالف قبائل يعرب العاربة منها والمستعربة والمتعربة مع راعي بقر أحمق لكي تغزو معه غزوة العمر ضد شقيق مجاور ، وتعود محملة بدماء الشهداء ودموع الأرامل وبكاء الأيتام وحفنة من رضى الراعي الحقير ، فتنتفض روحي ، ويغلي الدم في رأسي ، ويحذرني صحبي من الجنون الذي يوشك أن يضرب دماغي . فكرت باستخدام قاموس الشتائم وعجزت ، فطلبت من نفس المومس أن تستحضر الشتائم التي تلعن بها زبائنها الذين يتهربون من دفع المعلوم ، ، ، لم تجد المسكينة مفردات تناسب ما رأت ، فهزت رأسها بيأس وقالت: ما لك والعراق، ومضت.

4- واحد من متخلفي القرنين العشرين والحادي والعشرين وربما الثاني والعشرين – هذا لو قدر له أن يبقى عميداً للحكام العرب قرناً آخر - يفرغ خزينة شعبه وراء الحصول على تقنية متطورة ينتفخ بها ويتباهى كأنه دولة عظمى ، لكنه ، وفي لحظة ضعف وجبن وانهيار، يضع أبحاثه ومعداته وعلماءه على سطح سفينة تعبر المحيطات والبحار ، لكي تحط رحالها في مستودعات النسيان والسخرية ، فأقفز في الهواء من الغيظ ، وكأن والدي هو الذي تحمل نفقات البرنامج التعيس وحرمني وإخوتي من الإرث. غرقت في ضحكٍ باكٍ من تفاهة المشهد . فتشت عن المومس لكي أستعين بها في التوصيف، لكنها لوحت لي من بعيد بابتسامة ساخرة ، واختفت مرددة محاولة تأنيبي: دع المجنون للشعب الليبي.

5- حركة وطنية تمشي على سير متحرك في مكانه باتجاه الوطن منذ أكثر من نصف قرن ، بسرعة صفر في السنة ، غير متنبهة إلى حقيقة أنها تضم عدداً من الفصائل والجبهات المتناقضة التطلعات والرؤى والبرامج ، يفوق عددها عدد أصابع اليدين والقدمين ، متجاهلة أن حركات التحرير على مر تاريخ المقاومة ضد الاحتلال لم تكن تضم أكثر من جبهة واحدة ( جبهة التحرير الجزائرية – جبهة تحرير فييتنام – السندنيستا – الكونترا – نمور التاميل - الماوماو ...) ، فأبدأ بالبحث عن الهواتف الجوالة لقادة هذه الفصائل في محاولة للفت انتباههم إلى هذه الحقيقة ، لكنني أفاجأ بأنهم جميعاً يستخدمون شبكة إسرائيل نت ، فيسقط في يدي وقدمي . نظرت في المرآة متذكراً المثل الصيني القائل:( إذا ساءت الأحوال فانظر إلى وجهك في المرآة ) ، كي أستمد منه حكمة وفلسفة ، فرأيت بدلاً من ذلك أكواماً من القمامة تغطي الوجه عاليه إلى أسفله، وعجزت حتى عن أخذ رأي المومس فيما يجري، ولنفترض أنها قالت شيئاً، فماذا كانت ستقول ؟ربما: ألم تعلم أنها ممثل شرعي ووحيد للشعب؟.

6- كيان عربي احتُلَّ جزءٌ من أرضه منذ حوالي نصف القرن ، يحضِّر لاستعادة الأرض عن طريق تصنيع أشهى أنواع العلكة والمعسّل ومساحيق الغسيل والشامبو وأجود أنواع البامبرز والكلينكس ، دون أن يتمكن من صنع مدفع يصل مداه إلى الكيلومتر الواحد. رغبت في الاستعانة بصديق من ذلك الكيان لكي يملي علي الشتائم المناسبة ، فوجدته أصماً أبكم ضريراً منذ نيف وأربعين سنة ، وأومأت لي المومس إياها بأن عذره مقبول وسعيه موصول وجبنه معقول، لأنه هو الذي يحدد زمان ومكان الرد ، فصمتّْ.

7- سمعت أن صحيفة يابانية تبيع عشرة ملايين نسخة في اليوم الواحد ، فتذكرت أن عشرات الملايين عندنا لا يقرأون جريدة واحدة في السنة الواحدة ، فلعنت الساعة التي اخترعت فيها أوغاريت أبجديتها الأولى منذ قديم الزمان لدرجة أنها نسيتها. وهل هناك أجمل من الأمية في عالم متعلم ؟ . إنه إنجاز اقتصادي لا يصدق أن ترى أمة الجهل تقتصد يومياً الملايين بامتناعها عن شراء الصحف اليومية التي لا تلزمها إلا لوضعها على الشبابيك بدل الستائر ، وعلى طاولات الطعام بدل الشراشف. أنعم بها وأكرم من أمة أكثر من نصفها أمي جاهل ، والباقي من أفرادها بالكاد يفك الخط. من يجد شتيمة مناسبة لهذه الحالة فليتكرم مشكوراً بنشرها في الجرائد الرسمية لدول زمن الانهيار.

نظرت حولي فلم أجد أكثر هدوءاً من الحمار: يقضي عمره يعمل بجد وكد تحت أقسى الظروف والأقدار ، دون أن يتذمر أو ينبس ببنت شفة ، أو يشعر بأي خوف أو سخط أو يبدي أسفه. يرى قذارة طبع صاحبه وظلمه له ، فيتقبل ذلك بصدر رحب ، مع أن الحمل ثقيل والطريق صعب . يسير طيلة حياته خلف الجزرة دون أن يظفر بها ، لكنه أبداً لا يكل ولا يسأم ، لا يمل ولا يشتم ، ولذلك فإن ضغط دمه على الدوام ، وعلى مر السنين والأيام ، ثابت على 80/120 ، أي أنه أفضل من ضغط دمي بدرجات ، مع أنه لا يتناول أي دواء أو فيتامينات، بينما أتناول أنا من الدواء أكثر مما أتناول من الغذاء ، ولسانه أنظف من لساني بكثير ، إذ لا شتائم في عالم الحمير.

لذا ، وبعد أن فكرت في مصلحتي ، ورغبت في الحفاظ على ضغطي وبالتالي صحتي، وبما أن العمر ليس ( بعزقة ) ، ومتابعة تفاهات الأسياد مهلكة ومحرقة ، لذا قررت أن أكون حماراً بجدارة ، فأنأى بلساني عن البذاءة والقذارة ، وأحافظ على ضغط دمي على نفس درجة ضغط دمه 80/120 ، ونجحت في ذلك أيما نجاح ، وأشعر الآن أنني سعيد
ومرتاح ، ومن يصدق ما جربت ، فلينهج ما نهجت ، ومن يفشل في مسعاه ، فليبق على حاله إياه ، فهل هناك في هذا الزمن الحقير ، أسعد وأهنأ من طائفة الحمير؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا