الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أم أن الزهراني لا بواكي له؟

محمد يسري

2016 / 2 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


في صبيحة يوم السبت 2 يناير 2016م تم تنفيذ حكم بالإعدام على سبعة وأربعين شخص في المملكة العربية السعودية، وقد تم تنفيذ حكم الإعدام في اثنا عشر مكان في المملكة في وقت واحد.
وسرعان ما انتشرت أنباء تلك الاعدامات الجماعية داخل المملكة وخارجها، حيث تداولت وكالات الأنباء ذلك الخبر على نطاق واسع وظهرت الكثير من ردود الأفعال التي علقت على الخبر فما بين مؤيد لتنفيذ تلك الاحكام ومعارض لها حدث نوع من الصخب والضجيج الإعلامي على المستوى المحلي (داخل المملكة) والمستوى الإقليمي (الخليج –إيران – البلاد العربية) بل وحتى على المستوى العالمي (الدول الأوروبية – الولايات المتحدة الامريكية وغيرها من الدول)
وقد أحببت في هذا المقال ان أشير لبعض النقاط التي أراها على قدر كبير من الأهمية والتي تم إهمالها والتغاضي عنها بعفوية وحسن نية في بعض الأحيان وبقصد متعمد في أحيان أخرى.
أولاً
بالرغم من تنفيذ أحكام الإعدام على 47 شخص، الا ان الضجة الإعلامية برمتها قد تم توجيهها في اتجاه واحد، واقصد به الشيخ نمر باقر النمر
المملكة وحلفائها التقليديين في المنطقة حشدوا كامل ترسانة أسلحتهم الإعلامية لتأييد قرار الإعدام والاشادة به، وعلى الجانب الاخر نجد ان الجمهورية الإسلامية الإيرانية وابواقها الدعائية السياسية في سوريا ولبنان والعراق واليمن قد شنت حملة إعلامية شعواء في الاتجاه الاخر
الشيخ النمر هو أحد أبرز واهم رجال الشيعة الاثنا عشرية في السعودية، وهو من منطقة القطيف التي تقع في شرق السعودية ويوجد بها عدد كبير من المواطنين الذين يعتنقون المذهب الشيعي الاثنا عشري ويعانون من حالة التمييز المذهبي الممنهج الذي تستخدمه ضدهم السلطة الحاكمة والذي تمثل في ابعادهم عن المناصب العليا والمهمة في الدولة.
كان الشيخ النمر واحداً من أهم المعارضين للنظام الحاكم في السعودية وقاد العديد من المظاهرات الاحتجاجية على ذلك النظام، ومما زاد من ثقل النمر السياسي في جبهة المعارضة في السعودية انه في عام 1980 م انتقل الى إيران حيث مكث بها لمدة تقترب من عشرة أعوام ودرس في حوزاتها العلمية الدينية على يد عدد من آيات الله الكبرى ثم انتقل من إيران الى سوريا وبعدها رجع الى السعودية للمشاركة في الحركات والمظاهرات الاحتجاجية.

ثانياً
هل كانت حركة النمر الاحتجاجية ذات بعد سياسي ام انها اقتصرت على البعد المذهبي؟
السعودية اعتبرت ان النمر هو رجل إيران في المملكة، واعتبرت ان الاحتجاجات التي قادها ودعا اليها كانت بتحريض مباشر وصريح من الجارة الفارسية الغير مرحب بتدخلها في منطقة الخليج
اما إيران فقد اعتبرت ان اعدام النمر موجه لضرب النفوذ الشيعي المتنامي في المنطقة، وانه مجرد وسيلة لضرب الهيبة الإيرانية المتصاعدة.
المشكلة الحقيقية ان جميع الأطراف المؤيدة والمعارضة لحكم الإعدام على النمر، قد نست – أو لعلها تناست عن قصد – ان مشكلة النمر ليست مقتصرة على الدوافع السياسية -المذهبية، بل انه يوجد الكثير من الدوافع المادية البحتة والموجودة على ارض الواقع والتي تحتاج الى جهود حقيقية لتفهمها ولجهود أكبر لإصلاحها والقضاء عليها.
هل من حق أهل القطيف (من الشيعة الاثنا عشرية) ان ينالوا من الحقوق السياسية ما يناله غيرهم في باقي انحاء المملكة (من السنة)؟
هل هناك حقوق اصيلة للمواطنين؟ وهل هناك تطبيق عملي لمصطلح المواطنة ... أم ان ذلك المصطلح لا يتم استخدامه ولا استدعائه الا عند الحاجة للحشد المجتمعي للوقوف بجوار فكرة الدولة القطرية (التي تم ترسيم حدودها في فترة ما بعد الاستعمار) ضد الدولة التقليدية (دولة الخلافة) التي تدعو لها الاتجاهات المختلفة للإسلام السياسي؟
ثالثاً
في الكثير من الأحاديث والخطب المتلفزة للشيخ نمر النمر، يعلن بوضوح ان مشكلته الرئيسية مع مفهوم (الظلم) وما يرتبط به من مصطلحات ومضامين مثل الطغيان والفساد
بغض النظر عن الشخصية التي تقوم بتلك الأفعال
ففي احدى خطبه الموجودة على موقع اليوتيوب نجده يهاجم الظلم في المجتمعات العربية ويعطي على ذلك بعض الأمثلة، فيقول
(آل خليفة حكام البحرين ظلمة والسنة بريئة منهم ...هؤلاء ليسوا سنة ... هؤلاء طغاة ... آل الأسد في سوريا ظلمة والتشيع برئ منهم، لا ندافع عن ظالم ولا يجوز للمظلوم ان يدافع عن ظالم)
اذن فآل سعود لم يكونوا المصدر الوحيد للظلم والتعسف في عقلية النمر واتباعه، فقد كان يهاجم النظام السوري العلوي المدعوم من إيران وحزب الله، ومعنى ذلك ان دعوة النمر لم تكن مقتصرة على الجانب السياسي -المذهبي فحسب بل كان لها بعد اثني اجتماعي لا ينبغي ان نغفله.
رابعاً
في الوقت الذي تعالى فيه الصخب حول اعدام الشيخ الشيعي نمر النمر، نجد ان حادثة اعدام الشيخ فارس آل شويل الزهراني قد مرت مرور الكرام
فتقريباً لم يتم ذكر اعدام الزهراني الا بشكل عارض عند الحديث عن اعدام النمر، ففي الوقت الذي وجهت فيه كل الكاميرات وكل الميكرفونات لتغطية ردود الأفعال حول اعدام الثاني نجد انه تقريباً لم يحظى اعدام الأول بأي شكل اعلامي
الشيخ فارس الزهراني الذي يلقب ب (ابي جندل الازدي) هو واحد من اهم منظري القاعدة في المملكة العربية السعودية، وتنسب اليه عدد من التفجيرات الإرهابية في عدد من المناطق مثل الخُبر وشرق الرياض، وله عدد من الكتب والأبحاث الفقهية المهمة للتنظيمات السلفية الجهادية لعل أشهرها هو كتاب بعنوان (الباحث عن حكم قتل افراد وضباط المباحث)
الزهراني يمكن ان نصنفه سياسياً بكونه راديكالياً بامتياز، فهو أحد منظري السلفية الجهادية كما أسلفنا القول، وهؤلاء تنظر لهم الأغلبية المسلمة على كونهم خوارج
فكما أوردت جريدة المدينة السعودية ان القاضي الذي ادان الزهراني، قد برر حكم الإعدام الذي أصدره
(باعتناقه منهج الخوارج في التفكير واستباحة دماء المسلمين والمعاهدين والمستأمنين داخل البلاد وخارجها)
والزهراني على عكس النمر فيما يخص الموقف من فكرة الدولة، فبينما نجد النمر يقبل شكل الدولة السعودية الحالي ويطالب بتعديلها وإلغاء ما بها من ظلم ومفاسد واستبداد، نجد ان الزهراني على عكسه تماماً يرفض شكل الدولة الحالية جملة وتفصيلاً، بل ويرفض اساساً ان ينسب الى السعودية، ويوجد له فيديو شهير على اليوتيوب معنون ب (جنسية آل سعود تحت قدمي! )
اذن فاطلاق صفة الخوارج على الزهراني واتباعه، ليس امراً اجتهادياً من صاحب المقال او من صحيفة او مجلة، بل انه (توصيف شرعي صدر بحكم قضائي) ولذلك يجب الوقوف امامه طويلاً
خامساً
إذا ما عقدنا مقارنة بين كل من الشيخ النمر والشيخ الزهراني، لوجدنا ان هناك الكثير من النقاط التي تحتاج الى إعادة تفكير وتدقيق
• لا اعتقد ان المنطقة العربية قد وصلت على مدار المائة عام السابقة (الفترة الزمنية الممتدة ما بين سقوط الخلافة العثمانية وحتى الان) الى تقارب تاريخي لظواهر الدولة الإسلامية الأولى بالقدر الذي وصلت اليه الان
فالصراع (الشيعي -السني -الخارجي) الذي لطالما جرت احداثه على مدار التاريخ الإسلامي بداية من أحداث ثورة الامصار والحرب الاهلية وحتى الصدام العثماني الصفوي في القرن السادس عشر هجرياً، لطالما كان حاضناً مناسباً لقيام الدول الإسلامية القوية على اختلاف مذاهبها.
فما حدث من اعدام للنمر والزهراني هو بمثابة واقعة بسيطة اختزلت فيها الكثير من الاحداث (السياسية -المذهبية -الاجتماعية) التي تدور في الجوار وتعاني منها دول المنطقة بأسرها، وهو ما ينبئ عن اقتراب حدوث حالة تغيير كبير وضخم في واقع المنطقة العربية كلها.
• إذا كانت إيران هي الداعم الأكبر للفرق الشيعية في المنطقة، وتعتبر نفسها الأخ الأكبر للشيعة في جميع الدول السنية فذلك بسبب أولاً قوتها العسكرية المتصاعدة وثانياً -وهو الأهم -نفوذها السياسي في منطقة الشرق الأوسط ودول اسيا الوسطى وعلاقتها القوية بباكستان الإسلامية
ومعنى ذلك ان إيران تستند في الأساس على مجال حيوي سياسي كبير وممتد مما يمكنها ان تستخدم قوتها الناعمة في الكثير من الأحيان –بل في جل الأحيان ان شئت الدقة -اما على الجانب الاخر، فأننا نجد ان تيار (السلفية الجهادية / الخوارج) لا يلقي بالاً بمسألة القوة الناعمة او التوازنات السياسية بل انه يبني استراتيجيته على التدخل العنيف فحسب، والدولة الإسلامية في العراق والشام أبرز مثال على ذلك
والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة هنا، هل من مصلحة الجانب السعودي (السني) ان يستنفذ قوته وموارده وينهك نفسه في معركة مع الجار الإيراني(الشيعي) القوي، الذي اثبت التاريخ انه يمكن ان يقبل بالحلول الوسطى وبأنصاف الحلول؟ ام يدخر قوته لمواجهة تيار فكري ديني مذهبي راديكالي لا يقبل الا برفع رايته على ارض الحرمين الشريفين؟
• في الوقت الحالي تنشغل التنظيمات الجهادية الإسلامية بمعركة وجود في العراق ضد ميليشيات الحشد الشعبي العراقية الشيعية، ومن عجائب القدر ان الطرفان المتقاتلان على ارض الرافدين قد أعلنا غضبهما مما قامت به المملكة السعودية من اعدام للنمر والزهراني، وتوعدا المملكة بالرد
وسوف تثبت الأيام الاتية عن حجم تلك التهديدات ونتائجها، فهل تلجأ إيران لإجراءات تصعيدية ضد آل سعود؟
وهل تنتقم عناصر السلفية الجهادية ممن أعدموا أحد أهم منظريهم ومفكريهم؟ أم ان انشغال تلك العناصر في معاركها المتلاحقة سوف تثبت ان الزهراني لا بواكي له؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر.. طريقة أشهى ا?كلات يوم الجمعة من كبسة ومندي وبريا


.. المغرب.. تطبيق -المعقول- للزواج يثير جدلا واسعا




.. حزب الله ينفي تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بالقضاء على نصف


.. بودكاست بداية الحكاية: قصة التوقيت الصيفي وحب الحشرات




.. وزارة الدفاع الأميركية تعلن بدء تشييد رصيف بحري قبالة قطاع غ