الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التشكيل السيرذاتيّ في شعر جميل عمامي

سيف الدّين بنزيد

2016 / 2 / 29
الادب والفن



سيف الدّين بنزيد / أستاذ الأدب العربيّ - تونس

صدر الكتاب الشعريّ "وحيدا في العالم كشجرة" لجميل عمامي منذ حواليْ ثلاث سنوات عن دار زينب للنّشر بتونس. وهو كتاب يضمّ نصوصا في جنس "قصيدة النثر". امتدت هذه النصوص على 125 صفحة وهي متداخلة فيما بينها ومُتماسكة من حيثُ الرّؤيا. وقد حضرت في هذا "الكتاب الشعريّ" – والتّسمية للمؤلّف- الكثير من التفاصيل الدقيقة التي التقطها الشاعر لتصوير عالمه وذكرياته. وتستدعي هذه التفاصيل مرجعيّات سيرذاتيّة يمكن تلمسّها من خلال الإهداءات التي تستحضر بعض الأصدقاء من الشعراء والناقدين على غرار السيّد التوّي وعلي فلاح وجعفر العلوي... أو من خلال بعض الأمكنة مثلما يتجلّى في هذا الإهداء "إلى شجرة البطّوم النائمة في قلبي / منذ رحلتُ عن أرض طفولتي "المالوسي"". والمالوسي هي مسقط رأس جميل عمامي. ولو تتبّعنا سائر الأماكن والأشخاص داخل النصوص لوجدنا الشاعر يُحدّثنا عن مدينة الحمّامات والبيت النابليّ والوكالة وحانة الأنس وشارع الحبيب بورقيبة وباب سعدون (مقرّ إقامته طيلة فترة دراسته الجامعيّة بكليّة 9 أفريل) إلى جانب عدد من المقاهي كمقهى القدّيس بالعاصمة ومقهى ليسكال بنابل التي يعتبرها الشاعر ملاذا للكتابة ورصدِ اليوميّ. ويذكر لنا من أصدقائه الشعراء: سفيان بن رجب وزياد عبد القادر ورفيق دربه فريد سعيداني...
وفي الكتاب، عددٌ من النصوص كان الشاعر قد نشرها تحت عنوان جامع هو "ألبوم الطفل الذي كنته"، وذلك في مجلّتيْ "أبابيل"(سوريا، ع 68) و"الحياة الثقافية" (تونس، ع 245). ويرسّخ هذا العنوان البعدَ الذاتيّ في الكتاب الشعريّ. يقول جميل في نصّ "حشرجة": (ذلك البرميل الأحمر الجاثي على عتبة الباب/ مثل حمّالة نهد/ منذ عشرات السنوات وهو يقبع هناك منسيّا وصدئا/ كم رقص الطفل الذي كنته على صهوته/ كم منع رياحا عاتية من العبث بأدباش الجدّة). ويقول في نصّ "ألعاب" الذي كان عنوانه الأوّل "سعادة": ( هل لعبتم ألعابنا حتّى تكونوا سُعداء مثلنا أشقياء/ في انتظار الأب عائدا من السّوق بقفّة البلح والخبز).
ويلحّ جميل على النبش في ذكريات الماضي والطفولة. ومن العناوين الموحية بذلك "طفولة"و "من يوميّات البيت النابليّ"و "طفولة ضائعة"... وتحتشد النصوصُ بكثير من هذه الذكريات، يقول في نصّ عمره سبع سنوات: (وأنا أقف على حافة الثلاثين/ فكّرت في طفولتي الضائعة هناك/ بين أشجار اللوز والزيتون/ حيث تركت براءتي الأولى نهائيّا/ ترتع في البراري الواسعة مثل ماعز فتيّ).
ولكون الطفولة هاجسا لدى جميل فهي من مواضيع الحلم لديه، يقول: (قد أكون حينها منشغلا عنه بالسباحة في صحن طفولتي).
وفي هذا الصّحن يرسم الشاعر صورا لحمحمات الأب ورشوات الجدّة الحنون وكفاح الأمّ المتعطّرة برائحة الخبز السّاخن وخوف الأخت الصّغيرة من نباح كلاب القرية. وحرص الشاعر على استعمال قاموس اجتماعيّ فصوّر النبيذ المحلّي الخالي من الحموضة والسجائر الوطنيّة التي تفوح برائحة القصب وعُلبة الكريستال النديّة. يقول: "كيف لي أيّتها السجائر اللعينة/ أن ألتمس طريقك في ليل الحمّامات الباذخ".
لقد استطاع جميل عمامي في كتابه هذا تليين الخطاب الشعريّ والابتعاد عن الغموض الذي يعدّه بعض النقّاد على غرار أدونيس قوام الحيويّة في القصيدة الحديثة ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل