الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوافق الوطني والإقصاء الطائفي

ياسر المندلاوي

2005 / 11 / 17
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كما هو متوقع، مرر مشروع الدستور الدائم بالكيفية المعهودة في إستفتاءات البلدان
المتخلفة، وفشلت أمريكا وشركاؤها العراقيون مرة أخرى (المرة الأولى كانت في
إنتخابات الجمعية الوطنية) في إشاعة الثقة بإمكان قيام تجربة ديمقراطية على غير
مألوفها في بلدان الديمقراطيات الموجهة، حيث تخضع الإنتخابات والإستفتاءات من
ما قبل ألفها إلى ما بعد يائها، لوهم إسترداد شرعية مفقودة بوسائل غير مشروعة،
تكنى على غير حقيقتها، إنتخابا وإستفتاءا.
إن لامشروعية الوسائل لا تكمن في الطبيعة غير الديمقراطية للإجراءات والآليات
الملازمة لها فحسب، وإنما تتعداها إلى أصول وغايات العملية السياسية برمتها.
وهذه الأصول وتلك الغايات محكومة بإرادة الإحتلال في إعادة تشكيل الخارطة
السياسية والإجتماعية في العراق، ولاحقا في عموم المنطقة، وفق متطلبات المشروع
الأمريكي في (الشرق الأوسط الكبير). ولما كانت الأصول والغايات على صفتها هذه،
فإن الوسائل النابعة من أصول تفتقر إلى التأصيل الوطني، وتجري في مستقر لها
نحو غايات غير وطنية، لا يمكنها إلا أن تكون على صفة أصولها وغاياتها. لذلك، فإن
الوسائل ( إنتخابات كانت أو إستفتاءات) تمتطي صهوة إجراءات وآليات تعسفية،
أدناها الإقصاء الطائفي والقومي والديني، وأقصاها غزوات قوات الإحتلال على المدن
والأمصار، وإرهاب الميليشيات المنسوبة إلى الدولة والدويلة. وما بين الأدنى والأقصى
تمتد سلسلة طويلة من الممارسات اللاديمقراطية، تبدأ بالفتاوي الواضحة ولا تنتهي
بعمليات التزوير الفاضحة. وحيث أن العملية السياسية على قياس ما ذكرنا، فإن
الإطمئنان الشعبي في جدواها لم يعد على سيرته الأولى يوم توجه الناخبون لإختيار
ممثيليهم في الجمعية الوطنية. والزيادة في نسبة المشاركة في الإستفتاء بالمقارنة
مع نسبتها يومذاك، ما هي إلا زيادة تضليلية، سرعان ما تشي بما يخالف ظاهرها.
فهي ناجمة عن المشاركة الواسعة للمناوئين للعملية السياسية، في إستهداف جلي
لمفرداتها، تمهيدا للإنقضاض عليها بوسائل تنتمي إلى نسيج العملية السياسية
ذاتها، فهي مشاركة ناقضة للعملية السياسية، وشأنها في هذا الأمر، من الناحية
الوظيفية، شأن تدني نسبة المشاركة في الإستفتاء عن نسبتها في الإنتخابات
السابقة في مناطق عديدة من العراق، ولا سيما في محافظة بغداد والمحافظات
الجنوبية. وهكذا، فإن مشاركة المقاطعين للإنتخابات السابقة في إستفتاء الدستور
لنقض العملية السياسية، ومقاطعة بعض المشاركين في الإنتخابات السابقة
للإستفتاء إياه للإعراب عن اللامبالاة بجدواها، ما هي إلا مؤشرات غير سارة
تضع مستقبل العملية السياسية في موضع التساؤل، وينبغي لها إستفزاز قدراتنا
للبحث عن آليات وإجراءات مغايرة، تنصرف بموجبها مشاركة المقاطعين في
في الإنتخابات القادمة إلى مشاركة معززة للعملية السياسية وليست ناقضة،
وتستعيد في الوقت نفسه، ثقة أولئك الذين فقدوا ثقتهم بها بعد أن خابت آمالهم
في تحقيق الأهداف المعلنة لها.
إن الإنطلاقة الحقيقية للعملية السياسية في العراق تبدأ لحظة الشروع في التأصيل
الوطني للمشروع السياسي، وهي لحظة بدء مفارقة العملية السياسية لإرادة
الإحتلال في الإصول والغايات. فمن دون الإقدام على هجر ثوابت الإحتلال في
تشكيل أبعاد العملية السياسية، ومن دون الإنفكاك عن أهدافه في جعل العراق
قاعدة للمشروع الأمريكي في المنطقة، لا يمكن الحديث عن آليات وإجراءات
مغايرة في النوع لتلك التي تسببت، ولا تزال، في مآزق لا حصر لها. والخطوة
الأولى بإتجاه لحظة الشروع هذه، تتمثل في إحلال التوافق محل الإقصاء، فمع
غياب التوافق الوطني لا يستقيم الأمل في بلورة مشروع وطني عراقي تعتمده
العملية السياسية كمرجعية عليا عوضا عن مرجعية الإحتلال، فالمرجعية الوطنية،
نابذة للطائفية والعرقية والجهوية، بينما مرجعية الإحتلال تشترطها جميعها لإدامة
الإحتلال المباشر أو بعض مفرداته الرئيسية بصيغ غير مباشرة. لذا، فإن الدعوة
إلى التوافق الوطني، هي دعوة لإعادة صياغة العملية السياسية إستنادا إلى
محددات المشروع الوطني، الذي يكفل الإستجابة الكاملة لمتطلبات المواطنة
العراقية، بديلا حتميا عن الإقصاء والتطهير الطائفيين، وجميع أشكال التمييز
الأخرى، قومية ودينية وغيرها كثير. فالمواطنة الصحيحة عنوان الوطنية الصادقة،
وهذه الأخيرة، جوهر الديمقراطية. وعليه، يحق علينا القول أن لا ديمقراطية في
العراق بمعزل عن الوطنية العراقية، أو بالتعارض معها. فالإحتلال والطائفية
والقومية الشوفينية والإنعزالية، تمثل الضد النوعي للديمقراطية بمدلول تضادها
النوعي للوطنية العراقية. فهي مجتمعة، حاضنة الإرهاب ومستجلبة الخراب،
لذالك، يحسن التذكير بأن المشروع الوطني في ممكنه الوحيد، مناهض للإحتلال،
مقاوم لوجوده في العراق، ملازم للديمقراطية ونابذ للإستبداد والإرهاب، موحد
للبلاد غير منافر.
هكذا تبدو إلينا محددات المشروع الوطني، والتنصل من بعضها أو جميعها، يحيل
التوافق الوطني المنشود إلى مساومات غير مشروعة بين الأطراف المتحاورة،
ويديم الأزمة في العملية السياسية. فليس هناك من وسيلة للخروج من عنق الزجاجة،
سوى إعادة تأهيل العملية السياسية وفق مقتضيات المشروع الوطني وثوابته البينة.
حينئذ، يمكننا الزهو بالأصابع البنفسجية، ومنحها الرمزية التي تستحقها في التعبير
عن وقائع على الأرض، تعجز الكلمات عن إستيعابها، فتنبري الألوان للبوح
بمكنوناتها، وحينئذ فقط، لا يكون موضع الأصابع البنفسجية من المنبهرين بها،
موضع الرأس من النعامة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور وبانين ستارز.. أسئلة الجمهور المحرجة وأجوبة جريئة وصدمة


.. ما العقبات التي تقف في طريق الطائرات المروحية في ظل الظروف ا




.. شخصيات رفيعة كانت على متن مروحية الرئيس الإيراني


.. كتائب القسام تستهدف دبابتين إسرائيليتين بقذائف -الياسين 105-




.. جوامع إيران تصدح بالدعاء للرئيس الإيراني والوفد المرافق له