الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملحمة الزاب - شباط 2008م

دلشاد مراد
كاتب وصحفي

2016 / 2 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


الزاب وموقعها

هي المنطقة الجبلية الواقعة على الحدود بين باكور وباشور كردستان بمحاذاة طرفي نهر الزاب، ويحدها جبال متين غرباً و جبال زاغروس شرقاً وجبال هكاري شمالاً وسهل ديرلوك و جبال كارى جنوباً. من أبرز قممها الجبلية: "كوري جارو، شورش، كاركر، شكفتا بريندارا، جياي ره ش، جهنم، كلي زاب، كوكلي، جودي، بُهار، مازي". أما بالنسبة للمدن والأقضية التي تحيط بمنطقة جبال الزاب فهي: مدينة آميدية في الطرف الجنوب الغربي، مدن ديرلوك وسيريا وشيلاديزي في الجنوب، نهر آفاشين ومنطقة بارزان وجبل شيرين في الشرق، ومدينة جلي وجولمرك وكاني ماسي في الشمال.

أهمية الزاب

تعد منطقة الزاب من أكبر المناطق الجبلية العسكرية في مناطق ميديا الدفاعية (مناطق تواجد وتمركز قوات الدفاع الشعبي الكردستاني وحركة التحرر الكردستانية في جبال كردستان)، هي منطقة مقر القائد العام لقوات الدفاع الشعبي الكردستاني "الكريلا"، وتعتبر قلب مناطق ميديا الدفاعية، فهي صلة الوصل بين مناطق الكريلا الأخرى مثل متين وكارى وزاغروس وحفتانين حتى المناطق الشمالية، كما أنها منطقة تدريبية مهمة ولها أهمية من حيث الطرق والإيصال والإمدادات اللوجستية والذخيرة العسكرية. هذا الموقع الاستراتيجي والمهم عسكرياً وميدانياً قد دفع الأعداء إلى التهجم عليها مراراً منذ القدم، فهي منطقة عبور استراتيجية مهمة لمن يتحكم بها.

الزاب في دائرة استهداف الحرب التركية

وبسبب الأهمية الكبيرة للزاب، خططت دائرة الحرب في تركيا لاستهدافها عسكرياً في إطار محاولاتها ومغامراتها العسكرية الفاشلة لضرب حركة التحرر الكردستانية، إذ قام الجيش التركي بشن أكثر من 25 حملة كبيرة على جنوب كردستان، و كان من أكبر هذه الحملات هي حملة الفولاذ (جليك) سنة 1995 م، وحملة (الشفق) سنة 1996م، و حملة المطرقة (باليوس) سنة 1997م. وفي عام 2005 م بدأت الحكومة التركية تتحضر لشن حملة عسكرية جديدة على مناطق ميديا الدفاعية، وفي ربيع 2007 كثفت من تحشداتها العسكرية على الحدود، وفي 5 تشرين الأول 2007م حصل لقاء بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الأمريكي جورج بوش، واتفقا على تقديم واشنطن دعماً عسكرياً استخباراتياً لتركيا في إطار محاربتها لحركة التحرر الكردستاني. وعلى أثر ذلك بدأت الطائرات الأمريكية التجسسية بالتحليق فوق مناطق ميديا الدفاعية. ولم تمضِ أسابيع حتى قامت أكثر من أربعين طائرة تركية مقاتلة بغارات جوية كثيفة ضد كل مناطق ميديا الدفاعية في ليلة واحدة، وأعقبتها العشرات من الغارات الجوية الأخرى التي أضرت كثيرا بالقرى و المناطق الآهلة. و في الوقت نفسه لم يتوقف القصف المدفعي في أي يوم. كما واكبها حملات إعلامية و دعائية و حرب نفسية موجهة من قِبل الإعلام التركي ضد الحركة الكردستانية و قوات الكريلا. حتى أن المجتمع التركي كان قد صدق الدعايات التركية والكل كانوا قد صدقوا بأنهم قد قصموا ظهر الكريلا بهذه الغارات الجوية وطائرات الاستطلاع الأمريكية كانت تنقل لهم استخبارات مفادها "لم يبق عنصر من الكريلا في المنطقة"! وكان الاتراك يعتقدون بأنهم ومن خلال حملة برية على منطقة الزاب كفيلة بأن يحققوا النصر النهائي و يعلنوا للعالم نهاية الثورة والقضاء على الكريلا إلى الأبد. ومن جانب الكريلا فإن كل التدابير والاحتياطات كانت قد اتخذت منذ فترة طويلة وتم توزيع القوات وتمركزها بما يشل من تأثير الغارات الجوية والقصف المدفعي إلى أقصى حد واتخذ العديد من التكتيكات لخداع طائرات التجسس الأمريكية.

حملة الشمس - شباط 2008م

قررت تركيا في بداية عام 2008 م شن عملية عسكرية كبيرة ضد حركة التحرر الكردستانية ومعاقلها في جبال كردستان، فبدأت بحشد قواتها على الحدود مع إقليم باشور كردستان وقصفت عدة قرى كردية ودمرت عدة جسور في المنطقة الحدودية وذلك بهدف فرض حصار على قوات الكريلا.
اسم العملية وحجم المشاركة: حملت العملية العسكرية اسم (الشمس)، وبدأت في 21 شباط 2008م بمشاركة (10) آلاف عسكري وبمساندة من مروحيات عسكرية. ويعتقد أن الجيش التركي سمى اسم (الشمس) على العملية تيمناً على اسم الهدف المحدد من قبلهم وهو استهداف قوات الكريلا وقائدها العام الملقب بـ ( روج - ROJ) أي الشمس.
الهدف: أعلن رئيس الوزراء التركي أردوغان في اليوم الأول، أن هدف العملية تدمير معسكرات حزب العمال، وقال: إن الهجوم سيستمر 15 يوماً. بينما قال وزير خارجيته أحمد داوود أوغلو بأن العمليات ستستمر حتى القضاء على pkk وأنها لن تتراجع حتى تنجز مهمتها. أما من جانب حركة التحرر الكردستانية، فقد اعتبر مراد قره يلان رئيس اللجنة القيادية في منظومة المجتمع الكردستاني آنذاك أن العملية التركية هدفها غزو باشور كردستان، واعتبرها إعلاناً للحرب على الشعب الكردي، أما باهوز أردال القائد العسكري لقوات الدفاع الشعبيHPG ، فقد قال: إن الهدف من العملية التركية هو ضرب حركة التحرير الكردستانية وفيدرالية باشور كردستان.

المواقف الكردستانية والإقليمية والدولية:

إقليم باشور كردستان:
في اليوم الأول من العملية العسكرية قبل السيد جلال الطالباني دعوة تركيا لزيارتها لكنه لم ينفذ زيارته إلا بعد الانتهاء من العمليات وعندما زارها ذهب إلى ضريح أتاتورك وتعهد أمام قبره بمحاربة pkk وقال: إن على حزب العمال ترك السلاح أو مغادرة كردستان العراق، مضيفاً أنه يأمل في إقامة علاقات استراتيجية مع تركيا. وفيما شككت حكومة باشور كردستان في نوايا الهجوم التركي، هدد رئيس الإقليم مسعود البارزاني بمقاومة شاملة إن استهدف الهجوم مواطني إقليم كردستان وقد أرسل البارزاني رسالة إلى الرئيس الأمريكي بوش يطلب منه التدخل لوقف الهجوم التركي. وبعد انسحاب القوات التركية دعت حكومة باشور كردستان إلى الحوار والتهدئة.
الحكومة العراقية: دعا رئيس الحكومة نوري المالكي تركيا إلى احترام سيادة ووحدة العراق، وقد أرسل أردوغان مبعوثاً إلى المالكي وهو وزير خارجيته أوغلو ليقول من بغداد إن بلاده ستستمر بعملياتها حتى يتم القضاء على حزب العمال. وبعد الانسحاب التركي وفشله في القضاء على حركة التحرر الكردستانية طالب أردوغان من العراق طرد عناصر pkk من أراضيها.
الأمم المتحدة: دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تركيا إلى احترام حدود العراق، كما دعا حزب العمال عدم التسلل من شمالي العراق على حد وصفه.
الاتحاد الأوروبي: حث الاتحاد الأوروبي تركيا على عدم استعمال القوة المفرطة، فيما اعتبر مسؤول علاقات خارجيتها خافيير سولانا العملية العسكرية بالرد غير الملائم.
إسرائيل: كانت علاقاتها مع تركيا جيدة في ذلك الوقت، وقد زار وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك تركيا قبل بدء العمليات ليعرض على تركيا شراء أسلحة إسرائيلية (قمر صناعي تجسسي و طائرات مقاتلة).
إيران: عززت من إجراءاتها الأمنية على حدودها مع العراق وتركيا، وبعد الانسحاب التركي دعت إيران من تركيا والعراق إلى تنسيق جهودها لمحاربة التمرد الكردي على حد وصفها.
أمريكا:
في اليوم الأول من العمليات: دعت أنقرة إلى الدقة والسرعة في ملاحقة حزب العمال الكردستاني.
في اليوم الثاني: قالت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس إن حزب العمال هو عدو مشترك بين تركيا وأمريكا.
في اليوم الثالث: أشارت مصادر إلى وجود تنسيق أمريكي تركي للعملية العسكرية.
في اليوم الرابع: قال روبرت غيتس وزير الدفاع الأمريكي إن العمليات العسكرية لن تحل المشكلة الكردية وطالب بمبادرات سياسية واقتصادية وأمنية لحل أزمة حزب العمال وعزله.
في اليوم الخامس: البيت الأبيض يحث تركيا أن تنهي عملياتها سريعاً. وأردوغان ينفي أي تنسيق أمريكي بشأن عملياتها.
في اليوم السادس: زار وزير الدفاع الأمريكي أنقرة وطلب منها تقصير مدة عملياتها العسكرية.
في اليوم السابع: بوش يطالب تركيا الخروج من شمال العراق بأسرع وقت ويقول إن حزب العمال الكردستاني عدو مشترك لأمريكا وتركيا والعراق.
في اليوم الثامن (يوم الانسحاب التركي): واشنطن تحذر من ضربة عسكرية ضد مسلحي pkk مرة أخرى.
وبتاريخ 25 آذار 2008 م أي بعد مرور 24 يوماً من العملية التركية) زار وزير الدفاع الأمريكي تركيا وطلب منها ما يلي:
- إقامة قاعدة صاروخية أميركية على أراضيها ضد إيران.
- زيادة التزاماتها المالية وإرسال التعزيزات العسكرية إلى أفغانستان.
لكن رجع الوزير الأمريكي إلى بلاده خائباً لأن تركيا رفضت تلك المطالب مع أن الوزير الأمريكي قد أبلغ تركيا مساندة بلاده لها في حربها ضد مقاتلي حركة التحرر الكردستانية.

العمليات:

بدأ الجيش التركي توغله البري في صباح 21 شباط، ولكن سرعان ما واجه مقاومة عنيفة من قبل مقاتلي الكريلا الذين كانوا مستعدين لها. وخلال الأيام الأولى أسقطت قوات الدفاع الشعبي مروحيتين عسكريتين كان على متنها ضباط في الجيش التركي وبسبب اشتداد المقاومة والظروف المناخية الصعبة (السماكة الكبيرة للثلوج) بدأت ألوية من الجيش التركي تنسحب تدريجياً من مناطق القتال. فيما تقدمت ألوية أخرى لتصل إلى مشارف معسكر الزاب وهناك كانت قوات حزب العمال جاهزة لملاقاتها، وعلى أثر ذلك حدثت معركة ضارية استمرت لمدة ثلاثة أيام لم يستطع فيها الجنود الأتراك إحراز أي تقدم وفشلت كل محاولات مروحياتها لإنزال الجنود الأتراك ووقعت خسائر كبيرة في صفوفهم، مما دفع بأردوغان وأركان قيادته إلى إصدار أمر بالانسحاب الفوري من أرض المعركة في 29 شباط. وقد عرضت قناة (rojtv) مشاهد بينت أسلحة تركها جنود الجيش التركي بعد انسحابهم. فيما راحت الصحف الأوروبية تتحدث عن هزيمة الجيش التركي، أما الأتراك فقد أكدوا بعد انسحابهم بأنهم سيواصلون محاربة pkk.

أثبتت معركة الزاب التي أصبحت رمزاً للمقاومة الكردستانية، فشل الخيارات العسكرية المتبعة تجاه حركة التحرر الكردستانية، كما أثبتت قوة هذه الحركة أمام الرأي العام الإقليمي و الدولي. ويشير إلى ضرورة إتباع سياسة الحوار والمفاوضات مع الحركة وقائده عبد الله أوجلان لإيجاد حل دائم للقضية الكردية في المنطقة.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حملة ترامب تجمع تبرعات بأكثر من 76 مليون دولار في أبريل


.. القوات الروسية تعلن سيطرتها على قرية -أوتشيرتين- في منطقة دو




.. الاحتلال يهدم مسجد الدعوة ويجبر الغزيين على الصلاة في الخلاء


.. كتائب القسام تقصف تحشدات جيش الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم




.. وزير المالية الإسرائيلي: إبرام صفقة استسلام تنهي الحرب سيكو