الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة - القطاع العام - في سوريا

سلامة كيلة

2005 / 11 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


ليس وضع " القطاع العام " جيّداً، على العكس فهو في أزمة عميقة نتيجة الإفلاس و الديون المتراكمة و كساد السلع التي يُنتجها و سوء الخدمات التي يُقدِّمها، بما في ذلك التعليم و الصحّة. و إذا كان وضع بعض الشركات مربحاً، فإن بعضها الآخر بات يشكِّل عبئاً على ميزانية الدولة، و على المجتمع إلى حدٍّ ما، رغم أنه يستوعب عدداً كبيراً من العاملين، و يشكِّل مصدر دخلهم الوحيد.
و لقد وصل هذا القطاع إلى الوضع الذي هو عليه نتيجة أربعة مشكلات جوهرية عبّرت عن طبيعة الفئات الحاكمة ذاتها، و عن ميولها و مصالحها، أوّلها: عبء التخطيط السيئ، حيث خضع التخطيط لمصالح الفئات المسيطرة، من خلال إخضاعه للإفادة الشخصية من المشاريع التي يمكن أن تنفّذ، و من النوعيّة التي تجلب " القومسيون ". لكنه خضع لسوء خبرة المخططين في الغالب نتيجة إختيارهم على أساس الولاء و ليس الكفاءة. لهذا لم تتحدّد الأولويات بشكل صحيح، و لم يوظّف التراكم الرأسمالي في المشاريع ذات الأولوية في الغالب، و أُهدر جزء منه في مشاريع فاشلة، أو في إستيراد مصانع منتهية الصلاحية. و ثانيها: عبء الإدارة غير الكفوءة التي جرى إختيارها أيضاً على أساس الولاء و ليس الكفاءة، و هي التي جعلت المنصب الإداري وسيلة من أجل الإثراء و ليس التطوير. و ثالثها: عبء العمالة الزائدة التي خدمت إجتماعياً لكنها أضرّت بإنتاجية المشاريع، و قلّصت من أرباحها. و رابعها: و هو الأهم و المكمّل لكلّ ذلك، و ربما المؤسِّس له أيضاً، هو ذاك الذي تمثّل في النهب الذي تعرّض له " القطاع العام "، و لقد أوضحت الحملة على الفساد منذ سنة 1999 بعض ذلك النهب، لكن الأرقام التي باتت تُنشر الآن تشير إلى أن هذا القطاع تعرّض لنهب منظّم و ضخم جعل قلّة تمتلك مليارات الدولارات. و إذا كان وزير الإقتصاد السابق د. غسان الرفاعي قد أشار إلى أن موجودات هؤلاء تصل إلى 120 مليار دولار، فإن التدقيق في ما نُهب قد يرفعها إلى أضعاف ذلك، على ضوء ما بات يُكشف في الفترة الأخيرة. و هذه مبالغ كانت تُحسب من أرباح " القطاع العام "، و كان يمكن أن تزيد من فاعليته لا أن يُغرق في الأزمات لكي يقال أنه فاشل.
و لاشكّ في أن إنعدام الكفاءة و سوء التخطيط كانا يصبّان في العامل الأخير، أي النهب. حيث أن إعادة إنتاج السلطة كانت تفرض الإعتماد على كادرات مطواعة تابعة و منفّذة و مضمونة الولاء. و هؤلاء كانت كفاءاتهم محدودة، و مصالحهم تعلو على المصلحة العامة، لهذا قبلوا الولاء المطلق و الطاعة العمياء. و بالتالي كانوا الإطار الإجتماعي الذي فعّل عملية النهب، لأن أساس ولائه هو الحصول على الإمتيازات و بالتالي على المال. و لقد بات الكثير منهم من أصحاب المليارات أو الملايين. و بالتالي فإذا كانت قلّة كفاءتهم تسهم في أزمة " القطاع العام "، فإن نهبهم زاد من تلك الأزمة و دفع هذا القطاع نحو الإفلاس.
و لهذا فإذا كانت مبرِّرات الخصخصة هي كون ذاك القطاع خاسر و مفلس، فإن الخسارة ناتجة عن كلّ ما أشرنا إليه، حيث بدا و كأنه متكأ لفئة كي تتحوّل من الفقر و التهميش إلى إمتلاك الثروات الطائلة. و لتصبح خصخصة " القطاع العام " من مصلحتها هي الذات، حيث سوف تكون المهيأة لإمتلاك المشاريع الرابحة، و ترك الخاسرة للدولة. كما يصبح الميل لفرض إقتصاد السوق من مصلحتها كذلك، حيث سوف تحوّل التراكم الرأسمالي الذي حصلت عليه نهباً، إلى التوظيف في التجارة و الخدمات و كلّ القطاعات الهامشية و ليس في القطاعات المنتجة التي سوف يتدهور وضعها، و تنهار أمام المنافسة التي يفرضها الإنفتاح الإقتصادي. في الوقت الذي سينتهي فيه الميل لتحقيق التطوّر في القوى المنتجة، و سيُلقى بمئات آلاف العمال و الموظّفين في البطالة و الفقر.
إذن، لم يفشل " القطاع العام " لأن وجوده كان خاطئاً منذ البدء، بل فشل لأن الفئات التي أقامته كانت تعتبر أنه الجسر لتحويل رأسمال الطبقة البرجوازية/ الإقطاعية القديمة، الذي صودر عبْر قانونيْ الإصلاح الزراعي و التأميم، إلى جيوب تلك الفئات ( رغم أن المسألة لم تكن بهذا الوضوح منذ البدء، لكنها غدت واضحة ربما منذ أواسط الثمانينات ). رغم أن وجوده كان ضرورة مجتمعية، حيث كان المدخل لبناء قوى الإنتاج في الصناعة خصوصاً، و التي كان الرأسمال الخاص يميل إلى الهرب من التوظيف فيها. هذه الفئات التي أصبحت تمتلك الثروة و تكدّسها في البنوك الأميركية و الأوروبية، باتت تستفيد من التخلّي عن ذاك القطاع، كما تستفيد من فرض إقتصاد السوق مطلق الحرّية و إنهاء دور الدولة التدخّلي، لتكمل نهب " القطاع العام " عبر شراء الشركات الرابحة بأسعار زهيدة، و لتمارس نهبها الخاص بالترابط مع الرأسمال الإمبريالي.
إن المشكلة الراهنة فيما يتعلّق بـ " القطاع العام " تكمن في أنه بات منهوباً، و ما بقي منه رابحاً بات معرّضاً للنهب بطرق جديدة في إطار سياسة الخصخصة. و الأخطر هنا، أن الدفع بإتجاه الخصخصة يعني وقف دور الدولة الإستثماري و المراهنة على الرأسمال الخاص في تحقيق ذلك، رغم أنه بالأساس لا يميل إلى الإستثمار في القطاعات المنتجة الأساسية، أي التي تؤدي إلى نشوء إقتصاد منتج و قادر على التفاعل العالمي من موقع الإستقلال و التكافؤ و الندّية، الأمر الذي يجعل الخصخصة تعني وقف النمو ( أو التنمية، أو التطوّر )، و مرحقة أوهام تستند إلى دور للرأسمال الخاص لم يعُدْ ممكناً ضمن التشابك القائم في إطار النمط الرأسمالي العالمي، و الذي مدخله هو فرض إقتصاد السوق و إلغاء دور الدولة التدخّلي ( و هو الذي يُعمّم الآن بإسم العولمة و في سياق الليبرالية الجديدة ).
و وقف النمو يعني وقف إستيعاب جيش العمالة التي تدخل سوق العمل سنوياً، و بالتالي يؤدي إلى نشوء أزمات إجتماعية عميقة و حادّة، و إلى نشوء توترات و عدم إستقرار. لهذا يجب ملاحظة أن نشوء " القطاع العام " لم يكن نتيجة " وعي أيديولوجي " بل جاء نتيجة خبرة واقعية أبانت أن النمط الرأسمالي يمنع بناء القوى المنتجة، و أن الرأسمال الخاص لا يسعى إلى التصادم مع ذاك النمط، لهذا فهو يوظّف في القطاعات المكمّلة لآليات النمط الرأسمالي ( التجارة، الخدمات ، المال )، أو يهرب إلى المراكز الرأسمالية ذاتها. الأمر الذي جعل " التجربة الإشتراكية " مقياساً حاولت الفئات التي وصلت إلى السلطة تقليده بما يخدم مصالحها، مما حوّله إلى مسخ. رغم أن هذا الخيار بات من أوّليات أي تفكير في تحقيق التطوّر.
و إذا كانت الخصخصة، بالتالي، ليست خياراً صحيحاً، فإن وضع " القطاع العام " المزري يفرض البحث عن مخارج بالتأكيد على ضمان إستمراره، و إستمرار دور الدولة الرعائي ( الضمان الصحّي و الإجتماعي، و مجانية التعليم، و حقّ العمل )، و الحمائي ( ضبط التجارة مع الخارج )، و الإستثماري ( التوظيف في الصناعة و البنية التحتية و البحث العلمي )، لكن إنطلاقاً من الأسس التالية:
1) التأكيد على الرقابة الديمقراطية على موارد الدولة و على مؤسساتها و مشروعاتها الإقتصادية، في إطار السعي لتأسيس دولة ديمقراطية.
2) تشكيل لجنة " محايدة " تمثّل الطيف السياسي و المجتمعي هدفها الكشف عن النهب الذي طال " القطاع العام "، و المحاسبة على المال المنهوب و معاقبة كلّ الذين فعلوا ذلك، و العمل على إستعادته إن أمكن ذلك.
3) إعادة النظر في التكوين الإداري لهذا القطاع جذرياً، و تعيين الأكفّاء ذوي الخبرة، و إعادة النظر في وضعه بالتخلّص مما بات منهاراً أو غير ذي فائدة للإقتصاد.
4) الإنطلاق من الكفاءة في التعيين في كلّ المناصب و المواقع و ليس من الإنتماء الحزبي.
5) يجب أن تُخضع الخطط الإقتصادية لدراسات معمّقة، و لحوار مجتمعي، من أجل تحديد الأولويات الصحيحة، و التوظيف في القطاعات الأكثر فائدة و أهمية.
6) مطلوب دور أفضل للدولة في مجالات التعليم إنطلاقاً من ضرورة نشر العلم و البحث العلمي. و تعزيز وضع القطاع الصحّي و تطويره.
إن الديمقراطية و رقابة العاملين على مؤسسات " القطاع العام " أساسية لتوفير الظروف التي تسمح بأن يكون فاعلاً و منتجاً و مربحاً معاً. كما يجب أن يخضع نشاط القطاع الخاص لمعايير أساسية تنطلق من ضرورة إسهامه في بناء الصناعة و تطوير الزراعة، و الإسهام في المشروعات الكبيرة بعيداً عن دوره التجاري الطفيلي الذي بات يتّسم به من خلال تشابكه مع النمط الرأسمالي العالمي، من أجل أن يكون قوّة
بناء منتجة محلية، و ليس طريق تهريب التراكم الرأسمالي إلى الخارج.
نشرة البديل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دروس الدور الأول للانتخابات التشريعية : ماكرون خسر الرهان


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات اقتحام قوات الاحتلال في مخيم ن




.. اضطراب التأخر عن المواعيد.. مرض يعاني منه من يتأخرون دوما


.. أخبار الصباح | هل -التعايش- بين الرئيس والحكومة سابقة في فرن




.. إعلام إسرائيلي: إعلان نهاية الحرب بصورتها الحالية خلال 10 أي