الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنتاج آلة لتصفية مثقفين

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2016 / 3 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


يجب على المثقف الحقيقي أن يكون على رأس المدافعين عن الشعب في مواجهة الإستغلال والإستبداد، لكن عادة ما يجد نفسه في مواجهة جزء من هذا الشعب الذي يضحي من أجله بسبب وقوع هذا الأخير تحت تخدير الأدوات الأيديولوجية للسلطة والقائمين عليها، والذين نسميهم ب"السدنة الجدد"، لأنهم يشبهون سدنة المعابد في الماضي الذين يخدرون المجتمع، ويحرضونه ضد الأنبياء والرسل، كما يوجهونه السدنة الجدد ضد المثقفين الذين يفضحون الإستبداد والإستغلال وإيديولوجييهم.
يمكن لنا سرد آلاف الأمثلة من التاريخ البشري عن هذا التشابه بين ممارسات سدنة المعابد في الماضي والسدنة الجدد اليوم، ففي الجزائر مثلا تم تهميش المثقفين المتمردين على السلطة منذ1962، ومن هؤلاء الأديب والمسرحي العالمي كاتب ياسين، لكن تمكن وزير العمل محند السعيد معزوزي من إقناع الرئيس بومدين بالسماح لكاتب ياسين بالنشاط المسرحي، وأستند معزوزي في إقناع بومدين على ثقله كأحد الثوار الكبار، حيث كان من الذين ألتحقوا بجبال منطقة القبائل إلى جانب حسين آيت أحمد وآخرين ممن يسمون ب"مجموعة بن عكنون"، وهم طلبة وطنيين يدرسون في هذه الثانوية، لكنهم ضحوا بدراستهم للإلتحاق بجبال منطقة القبائل في إطار قرار لقيادة حزب الشعب الجزائري لإشعال الثورة في 23 ماي1945، لكن ألغي القرار في آخر لحظة، وقد ألقي القبض على محند معزوزي في خضم تلك الأحداث، وبقي في السجن الإستعماري حتى1962.
كما تمكن أيضا معزوزي من إقناع الرئيس بومدين بإمكانية إستغلال التوجهات الإشتراكية لكاتب ياسين لدعم سياساته الإجتماعية، فسمح لياسين بعرض مسرحياته في الجزائر، فتزايدت شعبيته بسبب إصطفافه إلى جانب الكادحين والبسطاء، وأيضا لعرضه مسرحياته باللغة العامية الشعبية، فبدأت تنتشر أفكاره كالهشيم.
كان كاتب ياسين من أشد المدافعين عن المستضعفين والقضايا العادلة في العالم كالقضية الفلسطينية والفيتنامية، كما دافع عن البعد التاريخي الأمازيغي للجزائر الذي لم يجد مكانته في أرضه، وعبر عن ذلك بجلاء في مسرحيته "حرب 2000عام"، وفضح الإستبداديين والإستغلاليين الموجودين بداخل النظام القائم، ففكرهؤلاء الأخيرين في طريقة لإسكاته، فلجأوا إلى سلاح إستغلال الدين الذي أثبت فعاليته عبر التاريخ، فنشر سدنة المعبد الجدد أكذوبة حول مسرحيته "محمد خذ حقيبتك" التي يدافع فيها عن المهاجرين الجزائريين في فرنسا الذين يعانون من كل أشكال العنصرية، مما جعل بومدين يتخذ قرارمنع الهجرة كرد على ذلك، أستغل هؤلاء السدنة إسم "محمد" الوارد في عنوان المسرحية، ليشيعوا بين الناس أن كاتب ياسين يدعوا إلى طرد الإسلام من الجزائر، فأنساق الكثير وراء الأكذوبة دون أي محاولة لمشاهدة المسرحية وتبيان الحقيقة، وبأن المقصود ب"محمد" هو رمز للمهاجر الجزائري المسلم في فرنسا، فهاجت الناس ضد كاتب ياسين الذي يضحى من أجلهم منذ بدايات مواجهته للظلم الإستعماري، فقد سجن وعمره 16 سنة أثناء مجازر 08ماي 1945، ومايؤسف له هو إفتخار قيادات حزبية إسلامية إلى حد اليومن ومنهم نواب في المجلس الوطني بمشاركتها في ما اعتبرتها "غزوات" ضد كاتب ياسين المسكين دون أن تدري، أنها كانت مجرد أداة للإستغلاليين والإستبداديين في النظام المتحالفين مع مجموعة من رجال الدين الذين يحرفون كلام الله عن مواضعه، كما وصفهم القرآن الكريم، وما يؤسف له أن الكثير منهم يعتبرون رواد ما يسمى ب"الصحوة الإسلامية في الجزائر"، لكن كان مولود قاسم نايت بلقاسم، يطلق عليها مصطلح"الصخوة" لإدراكه مدى بعدها عن جوهر ورح الإسلام الحقيقي، إسلام العدالة والحرية، وقد تصاعدت التيارات السياسية الدينية بشكل ملفت للإنتباه منذ الثمانينيات في عدة بلدان، ومنها الجزائر، وكان هذا التصاعد نتيجة لتحالف بين البترودولار الخليجي وعناصر من النظام، كانت تستغل الدين لتمرير مشاريع مشبوهة هدفها تبييض الأموال المنهوبة في عهد الرئيس بومدين، ووصل بالبعض منهم على إقتراح إنشاء "جمهورية إسلامية في الجزائر" في المؤتمر الخامس لحزب جبهة التحرير الوطني، وذلك بهدف دغدغة العواطف الدينية الشعبية، كي يسهل عليها تمرير مشاريعها الإستغلالية .
فقد كان كل هؤلاء السياسيين الإستغلاليين المتحالفين مع رجال دين وراء ما وقع للمسرحي كاتب ياسين من تشويه وإغتيال معنوي، فكانوا وراء منع السلطات عرض مسرحيات كاتب ياسين بحجة إنعدام الأمن، فكلما برمجت إحدى مسرحياته، يأتي هؤلاء المهيجون بإسم الدين لمنعها، وهو نفس أسلوب النازيين في ألمانيا ضد خصومهم قبل أخذهم السلطة وقتل ملايين البشر.
أغتيل كاتب ياسين معنويا في الوقت الذي كان يمرح فيه أعداء الشعب الذين كان يفضحهم، وأغتيل بعده جسديا الكثير من المثقفين الجزائريين المقلقين للإستبداديين والإستغلاليين بسبب خطاب التحريض والتكفير الذي يروجه عنهم السدنة الجدد مستغلين سذاجة البعض من الشعب، الذي غرس فيه الجهل المركب والمقدس في المدرسة، ولازالت الجزائر ودول عديدة تعاني من هذا المشكل، بل تضاعف في الجزائر اليوم رغم مقتل الآلاف في التسعينيات، لن نجحت الجزائر في هزم الإرهاب عسكريا وأمنيا، لكن أعيد إنتاجه أيديولوجيا، لأنه لا يمكن للأنظمة الإستبدادية والإستغلالية الإستمرار دون وجود هؤلاء المتطرفين دينيا الذين يخيف بهم المجتمع، ويوظفون في تشويه القوى الديمقراطية بكل توجهاتها وإبقائها ضعيفة، لأنها الوحيدة التي تحمل مشروعا بديلا لخدمة الجماهير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحداث قيصري-.. أزمة داخلية ومؤامرة خارجية؟ | المسائية-


.. السودانيون بحاجة ماسة للمساعدات بأنواعها المختلفة




.. كأس أمم أوروبا: تركيا وهولندا إلى ربع النهائي بعد فوزهما على


.. نيويورك تايمز: جنرالات في إسرائيل يريدون وقف إطلاق النار في




.. البحرين - إيران: تقارب أم كسر مؤقت للقطيعة؟ • فرانس 24 / FRA