الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موعد مع السلام

بدر الدين شنن

2016 / 3 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


أحدث قرار مجلس الأمن الدولي ( 2268 ) القاضي بوقف العمليات العدائية في سوريا ، لدى الشعب السوري ، الذي دفع ويدفع ثمناً باهظاً ، في التصدي لعدوان الإرهاب الدولي ، أحدث ارتياحاً واسعاً .. مع أمنيات أن تعقبه مصالحات واتفاقات سورية ـ سورية ـ دولية ، تؤدي إلى إنهاء جحيم وعذابات الحرب .
لكن الذين خططوا للحرب ، وأشعلوها ، ووفروا مقوماتها وآلياتها القذرة ، وارتزقوا منها لم يظهر عليهم الارتياح . بل أحدث القرار لديهم ارتدادات سيئة محرجة ، جعلتهم يتابعون الإجراءات العدوانية الجديدة على سوريا ، من حشود عسكرية ، واستفزازات سياسية ، وتهديدات بالتدخل البري المباشر من قبلهم ، لتحويل ما حدده القرار من مواعيد لإجراءات السلام .. إلى مواعيد لحرب شرسة أكثر ووحشية أكثر . ،
أبرز وأسوأ هذه الارتدادات ، هو ما صدر عن حكومة " أردوغان " والمملكة السعودية ، وإسرائيل ، والأردن .وذلك انسجاماً مع أدوارها في تصعيد وتوتير الأزمة السورية ، وفي دعم المعارضة المتطرفة ، بالمال والإعلام والسلاح ، وباستقدام مئات آلاف المسلحين من مختلف البلدان للقتال في سوريا ، الذين استباحوا الدم السوري والأراضي والمدن السورية .. بلصوصية ووحشية غير مسبوقة .

والارتدادات السيئة لهذه الدول ، بالرغم من أنها تبدو متناقضة مع الدور الأميركي .. الشريك في القرار( 2268 ) مع روسيا ومجلس الأمن ، ومتناقضة أيضاً فيما بينها ، حول مشاريعها التوسعية الخاصة في المنطقة ، إلاّ أنها ، في اللحظة الراهنة متكاملة ، بفعل الضرورة المتأتية عن المتغيرات في موازين القوى الدولية ، التي أحدثها التدخل الروسي في الحرب السورية لدعم الجيش السوري في حربه ضد الإرهاب الدولي .
ودون أدنى شك ، أن الدور السلبي في التعامل مع القرار ( 2268 ) الذي يعني مواصلة الحرب ، هو نابع من الخوف ، إن توقفت الحرب ، على فرص تحقيق مشاريعها التوسعية في سوريا . فعين إسرائيل على الجولان ومحافظة القنيطرة ، وعين الأردن على درعا ومحيطها المشترك مع محيط دمشق ، وعينا تركيا على الأراضي السورية من كسب بجوار اسكندرون ، إلى محافظات إدلب وحلب والرقة ، وهو ما يعادل أكثر من ربع سوريا ، وعين المملكة على ما سيتبقى من سوريا لتدخله بيت الطاعة السعودي ، كما لبنان واليمن ودول الخليج .

الدولة الأكثر استعجالاً في حركتها التوسعية ، هي تركيا . فهي تملك الإمكانيات الكبيرة والكثيرة ، لتحقيق مشروعها ، يأتي في مقدمتها الامتداد الجغرافي الحدودي المشترك ، الذي يسهل كل أشكال التدخل وخاصة التدخل العسكري . وهي عضو في " حلف الأطلسي " الذي يرحب بطبيعته ، بازدياد قوة وتوسع عضو فيه . وهناك الخرائط التركية الاستعمارية التاريخية ، التي تعتبر محافظة حلب ، وبقية الأراضي والمدن السورية ، والموصل ، الواقعة على الحدود التركية ، جزءاً من تركيا . وهناك مخزون الطاقة في سوريا والعراق ، الذي تشارك الآن " داعش " بسرقته وتسويقه . وهناك الشوفينية العثماتية المخزونة ، لدى " حزب العدالة والتنمية " الأردوغاني ، وقوى تركية أخرى ، إزاء الشعوب القاطنة في جنوب الإمبراطورية المنقرضة ، من العرب والكرد والأرمن والكلدان والآشوريين .

ومع ارتفاع منسوب القلق على المشروع الإمبراطوري ، نتيجة التدخل الروسي ، وتقدم الجيش السوري اللافت ، واقتراب فشل حرب الإرهاب على سوريا ، وصدور القرار ( 2268 ) ، ارتفع منسوب الحقد لدى أردوغان وحكومته على الشعب السوري ، وخاصة الكرد ، بالتنسيق مع داعش والنصرة وجماعات إرهابية أخرى . وقد تجلى ذلك بالقصف المدفعي الثقيل على مواقع سورية على الحدود ، وعلى إعزاز ، وتل أبيض ، وبدفع أعداد من المسلحين عبر الحدود التركية ، للقتال لصالح قوى الإرهاب الدولي في تل أبيض ، وبحشود عسكرية قبالة ، تل أبيض ، وعين العرب ، ورأس العين ، وتجلى أيضاً بتكرار أردوغان موقفه المعاكس من الإرهاب ، بإعلانه رفض تركيا السماح للمسلحين الهاربين من القتال في سوريا ، العبور إلى تركيا .. ليقاتلوا في سوريا حتى الموت . وأن تركيا لن تسمح لأي منظمة بإقامة منطقة خاصة بها بجوار الحدود التركية .. وهو يقصد الفصائل الكردية المقاتلة ضد " داعش " دفاعاً عن الأراضي السورية . فيما يسكت عن .. ويدعم .. الوجود القائم " لداعش " في الرقة .. والنصرة في إدلب .. على الحدود التركية مباشرة .

ولا تقل ارتدادات القرار (2268 ) السيئة على المملكة السعودية عن تركيا بشيء . ولو أن للمملكة حدود مشتركة مع سوريا ، لقامت بممارسات عدوانية متعددة الأشكال ، أكثر بكثير مما تفعله الآن . فالقرار ومقتضياته ، الإجرائية والتنفيذية ، والحوارية ، برعاية دولية شفافة ، إن أوقف الحرب على سوريا ، وكرت خطوات السلام ، وإعادة البناء ، سوف يحدث اختراقات مؤلمة للمملكة :
- أولها : اختراق العقلية القبلية السعودية الثأرية . لأن إنهاء الحرب ، وتكريس السلام في سوريا ، سوف يحول دونها والثأر من بشار الأسد ، الذي تعتبره قد وجه إهانة كبيرة لها ، إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان ( 2006 ) ، كما فعلت مع صدام حسين ومعمر القذافي وجمال عبد الناصر .
- ثانيها : اختراق عمليات نشر مذهبها الوهابي المتطرف ، السائرة به قدماً ، لاكتساح المذهب الشيعي ، وإيران وحزب الله ، ومذاهب سنية أخرى لا تقبل بالوهابية بديلة عن موروثاتها المذهبية التاريخية .
- ثالثها : اختراق مشروعها " الإمبريالي البدوي " ، الذي يطمح ، بحكم ثراء المملكة ، ومخزونها الهائل من الطاقة ، وتأثيرها البارز ، السياسي ، والمالي ، والدعوي ، في مجلس التعاون الخليجي ، وجامعة الدول العربية ، ومنظمة المؤتمر الإسلامي ، وفي " أوبك " ومجموعة الدول الأغنى عالمياً العشرين ، وفي أوساط دولية أخرى ، يطمح للتوازي مع الدول العظمى ، في التعامل مع مختلف الشؤون العالمية . ولديها القناعة أنها تستحق هذه المكانة الدولية . بيد أنها لديها قناعة مقابلة ، في اللحظة السياسية القائمة ، أنها إن خسرت حروبها ، في اليمن ، وسوريا ، والعراق ، ولبنان ، ذهبت كل أحلامها الدولية ، وكل مشترياتها بمئات المليارات من الدولارات ، من السلاح ، وزعماء الدول ، وقيادات الأحزاب السياسية ، ورجال دين ، وإعلاميين ، وفضائيات تلفزيونية ، وملايين المواقع الإلكترونية ، ذهبت أدراج الرياح ، وفقدت ما لن يعوض في المستقبل .. وقد تتفكك المملكة ضمن مشاريع تفكيك دول عدة في المنطقة .

وفي محاولة لتجنب هذا المصير المؤلم ، تتصدر المملكة الأنشطة المشككة بجدوى القرار ( 2268 ) ، وتدعو ، وتجهز ، القوى لمواصلة الحرب ، بقوى إرهابية مضافة ، متمثلة بجيوش نظامية عربية وغير عربية ، للقيام بالتدخل البري في سوريا ، لإفشال إجراءات البحث عن السلام ، ولمتابعة تحقيق برنامجها ، الثأري ، والمذهبي ، والإمبريالي البدوي " التوسعي . ولا غرابة أن تسلح الجماعات الإرهابية المتطرفة من مخزون سلاحها المتطور بقرار منفرد ، وأن تدفع المزيد من الرشاوى والأموال للسياسيين المعارضين المرتزقة ، وأن تعزز تحالفاتها مع إسرائيل وتركيا وغيرها ، لمواصلة الحرب . ويدخل في هذا السياق قرار مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية اعتبار " حزب الله اللبناني " المقاوم للإرهاب الإسرائيلي ، والمدافع عن لبنان وسوريا ضد الإرهاب الدولي ، منظمة إرهابية . وقد اعتبرت إسرائيل هذا القرار الخليجي إنجاز إسرائيلي .

ما يستدعي بالمقابل ، أن تقوم كل القوى الوطنية السورية ، والقوى المتضررة خارجها من الحرب ، بحشد وتوحيد قواها ، وبذل كل الجهود لتصعيد التصدي للإرهاب الدولي الرجعي ، وفرض السلام ، والدفاع عن حق الحياة والكرامة لكل أبناء الشعب السوري .. والشعوب الأخرى . لقد برهن ، وقف العمليات العدائية " في الأيام الماضية ، والوصول إلى مصالحات في مناطق عدة ، والإقبال المتزايد للمسلحين لتسليم سلاحهم وتسوية أوضاعهم ، واستبشار الجموع الشعبية في سوريا وخارجها بالسلام والأمان والاستقرار ، والرغبة الشديدة بعودة الحياة الطبيعية على كل المستويات إلى البلاد ، برهن على أن عدوان الإرهاب قد اقترب أكثر من الفشل . وأن التغيير الديمقراطي المزعوم بالسلاح وبالاستعانة بالأجنبي المعادي قد فشل .

إن أمام السوريين أجندة واسعة ، لا غنى عن تطبيقها ، عنوانها رغم كل أعداء سوريا .. " موعد مع السلام " . وبدايتها المشرفة .. حوار " وطني ـ وطني " .. ندي ، يضع خريطة شفافة لبناء الثقة ، والعمل الوطني المشترك ، لإنهاء الحرب وطرد الإرهاب الدولي المحتل ، وانتزاع السلام ، والحفاظ على وحدة الوطن أرضاً وشعباً ، وإعادة بناء الإنسان والعمران .. والحلم .. والفرح ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترقب في إسرائيل لقرار محكمة العدل الدولية في قضية -الإبادة ا


.. أمير الكويت يصدر مرسوما بتشكيل حكومة جديدة برئاسة الشيخ أحمد




.. قوات النيتو تتدرب على الانتشار بالمظلات فوق إستونيا


.. مظاهرات في العاصمة الإيطالية للمطالبة بإنهاء الإبادة الجماعي




.. جامعة جونز هوبكنز الأمريكية تتعهد بقطع شراكاتها مع إسرائيل م