الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الممنوع عربيا في الثالوث: الديمقراطية، الحاكم، الشعب

محمد بوجنال

2016 / 3 / 3
مواضيع وابحاث سياسية




يصعب فهم الوضع الراهن للعالم العربي من أزمات واقتتال وطائفية وإرهاب بدون استحضار ثلاث مفاهيم أساسية متمثلة في: الديمقراطية، والحاكم، والشعب. فطبيعة العلاقة فيما بينها هي ما حدد ويحدد هذا الوضع العربي المتخلف. ومعلوم أن العلاقة تلك لم تكن، في يوم من الأيام، سوى الإفراز الفعلي لميزان القوى الذي هو بالكاد القوى المهيمنة. وتباعا لذلك، وللدقة، فالثالوث السابق الذكر لا يمكن فهمه دون استحضار أسسه أو قل فلسفته التي لا "تكون" ولن "تكون" إلا بناء على تصور نظري له مسلمته ومفاهيمه وقواعده وعلاقاته التي تهدف تحقيق النتائج المتوخاة. فبتغييب الأسس تلك، وهو السائد في مجمل الدراسات، يجعل طرح ثالوث الديمقراطية، الحكام، الشعب في العالم العربي طرحا يتميز بالضبابية والتضارب والكلام الإنشائي. إنه الغموض والتضبيب والتسطيح الذي طالما حبذه ميزان القوى المهيمن في العالم العربي؛ بل ودعمه ماديا ومعنويا. ومن المفيد التذكير بأن أي تصور في مختلف المجالات، ينبني دوما على مسلمة تستجيب لمصالح القوى المهيمنة التي تأخذ في عالمنا العربي الصيغة التالية: الإنسان العربي بيولوجيا واجتماعيا درجتان: فيها المتفوق ونقيضه المتخلف. ومن هنا تفهم مجمل المفاهيم والقواعد والعلاقات السائدة في العالم العربي مع استحضار المستجدات التي وفق إيقاعها وقوتها، تعتمد القوى تلك نهج التكيف باعتماد الروتوشات الشكلية لتبقى أسس الهيمنة حاضرة.
انطلاقا من المسلمة تلك، يتم تحديد مفاهيم الديمقراطية، والحاكم، والشعب في عالمنا العربي الذي منه المغرب. فالديمقراطية من حيث الجوهر هي مختلف الآليات والميكانزمات التي تتحدد مرجعيتها في العقد التشاركي الذي لا يمكن أن يكون نقيض المصلحة العامة التي هي بالكاد مصلحة الشعوب العربية. إنها الفعل والتفاعل الجدليين اللذين من المفترض، بل من اللزوم،أن "يكون" بين مكونات وأمكنة الشعوب العربية متخلصة في ذلك من أشكال الوصاية والتمييز العرقي. ففي العقل البشري الذي منه العقل العربي يوجد التقاطع كونيا ومحليا دون نفي التمايزات المعقولة، بل والمتباينة حتى بالنسبة للشخص الواحد؛ وبلغة أخرى، نقول أن العلاقة الجدلية بين البيولوجي والاجتماعي، في عالمنا العربي، في أصالتها وعلميتها، لا ترشح بأي حال من الأحوال حاجته كشعوب للوصاية والتمثيل. لهذا، فكل تجاوز لطبيعة العلاقة تلك بين البيولوجي والاجتماعي هو رفض لإنسانية الشعوب العربية أو قل رفض لجوهر الديمقراطية الذي هو الوجود والفعل التشاركي؛ فالرفض ذاك، وهو الحاصل والسائد في العالم العربي، هو بمثابة اغتيال ومكر لدلالة ومحتوى الديمقراطية. إنه الاغتيال والمكر الذي يمكن أن نجسده من خلال طرح السؤال التالي: وفق أية منهجية يتم حكم وتدبير الشعوب العربية؟
لقد ساد ويسود في عالمنا العربي – وفي العالم الرأسمالي – فكرة أن الانتخابات كآلية هي الحاسم الشرعي لمنهجية الحكم.. إلا أن واقع الحال في الدول العربية، يثبت غياب الديمقراطية في مختلف أشكال الانتخابات لسبب هو أن من يملك مصادر السلطة المادية هو من يملك مصير القوة الناخبة وكذا التحكم في أشكال وجودها. لذا، فامتلاك الثروة – الملكية الخاصة – فرض على الشعوب الرضوخ لمشاريع قوى التوازن المهيمنة بالتصويت لصالحها باسم الديمقراطية بينما واقع الحال هو ممارسة الفساد والضغط بشتى الوسائل التي يستثمر فيها جيدا عامل الفقر والأمية. وبهكذا أسلوب، تفقد الشعوب العربية حريتها – ناهيك عن حقوقها – لصالح من أصبحوا يحكمونها باسم الديمقراطية والانتخابات النزيهة التي بها احتكروا مختلف وسائل العنف المادي والمعنوي والمعرفي. وقد سبق أن رأينا أن النتائج تكون دوما مرهونة بطبيعة المسلمة المعتمدة التي قلنا بتوحشها؛ وبلغة أخرى، فالديمقراطية في العالم العربي، هي اللاديمقراطية بأشكال مؤذبة ليست في حقيقتها سوى التسلط والمكر والاستبداد وبالتالي فالناتج يعني، وبالكاد، انتخاب برلمانات وجماعات جهوية ومحلية، بل ورئاسية تعادي الديمقراطية بأشكال دبلوماسية . هكذا، فمختلف أمكنة الشعوب العربية تلك تهاب الديمقراطية .
أما بصدد المفهوم الثاني المتعلق بالحاكم، فاعتماد المسلمة المتوحشة يبقى ساري المفعول.لكن إذا استحضرنا الجانب المبدئي، فديمقراطيا الحاكم يحكم انطلاقا من عقد اجتماعي مصدره الشعب ومكان تنزيله الدستور والقوانين علما بأنه إطارا خاضعا للتغيير بناء على قوانين الطبيعة من جهة، وحاجيات مكونات العقد الاجتماعي من جهة أخرى. وهذا يعني أن الديمقراطية في جوهرها ليست هي فصل السلطات عن بعضها البعض، بقدر ما أنها نظاما تعدديا، تشاركيا أي عقدا اجتماعيا يمنع الحاكم من الانقلاب على الديمقراطية وتوجيهها كما يريد بحجة أنه ممثل الأمة. فالعقد الاجتماعي هو بكل بساطة "إرادة الشعب" أو قل أنه مصدر شرعية إرادة الشعب لا إرادة الحاكم. وهذا يعطي الشعب صلاحية إقالة أو تغيير الحاكم ومحاسبته كلما تسلط على مادة العقد الاجتماعي. هذا ما هو حاصل في الدول المتقدمة بشكل من الأشكال. أما في عالمنا العربي، فالحاكم، وفق المسلمة البيولوجية، هو أرقى عرقيا وعقليا عن باقي مكونات الشعب. فموقعه المتميز هذا لا يسمح له بممارسة الحكم وفق قاعدة العقد الاجتماعي؛ فهو طبيعيا ودينيا فوق "إرادة الشعوب" التي يعتبر نفسه أبها الأعلى الملزم بحمايتها. لذلك، فالحاكم العربي لا يقبل إلا ما تمليه عليه المسلمة المتوحشة علما بأنه ، راهنا، بفعل ضغط العولمة، أصبح يخفي جزء من الوحشية تلك التي أحل محلها شكليا ما يسميه مكرا بالديمقراطية. فباسم الشعار ذاك، يستغل الحاكم العربي قوته وثرواته وأجهزته الأمنية والتنظيمية ليكون هو المشرع والمالك الشرعي للكرسي. لذا، فالمطالبة بإقالته أو محاسبته يعتبر تعديا على حرمته وشخصه يعاقب عليها القانون. وبالمجمل، فالحاكم العربي هو سيد الشعوب: يأمر فيطاع، ويخطب فينفذ قوله متحديا بذلك "إرادة الشعوب" و"مبادئ الديمقراطية".
أما المفهوم الثالث فهو مفهوم" الشعب" الذي يحددونه بأنه الكتلة البشرية التي تتميز بعدم تبني أيديولوجية محددة أو قل أن الشعب ،وفق رؤيتهم تلك، هو فكر ووجود دوني وغامض يجمع بين المتناقضات كيفما كان نوعها؛ ومن هنا قولهم أن في الشعب توجد "الشعبوية"؛ لذا، في نظرهم دائما، يمكنك أن تجده في اليمين كما في اليسار؛ بل يمكن أن يكون تقليديا ويمكن أن يكون حداثيا، فاشيا أو اشتراكيا، طبقيا أو فئويا.للخروج من هذا التصور التغميضي الذي هم ،في حقيقة الأمر، مؤشر الخوف من الشعب، نرى أن مفهوم الشعب لا يفهم كتدني بيولوجي أو غموض وغياب أيديولوجي بقدر ما أنه يجب أن يفهم كمفهوم ووجود سياسي؛ومؤدى ذلك أن "للشعب" مطالب مختلفة ومتمايزة من قبيل الصحة والتعليم والسكن والتنقل والحق في الشغل...الخ، وهي مطالب ترفض الدولة، في غالب الأحيان، الاستجابة لها؛ وعليه يكون رد فعله، في الغالب، تبني أسلوب التحمل والصبر مع ما يصاحب ذلك من قسوة ومعاناة. وفي هذا الوقت بالذات،، يحصل بشكل من الأشكال ، مع استحضار الفاعلين والمثقفين المهمومين، تحول هذه المعاناة من أشخاص وفئات وطبقات إلى شكل أو أشكال للمظهر السياسي يسمى بالكتلة التي هي التركيب المحايث للمطالب التي أخذت في عالمنا العربي الراهن شكل "الحراك". لذا، عايشنا أن الشعب ليس كتلة بشرية دونية ضعيفة التفكير بيولوجيا واجتماعيا كما تقول المسلمة المتوحشة، بقدر ما أنه كتلة سياسية تأخذ أحد المظاهر السياسية وفق قاعدة مستوى إيقاع الصراع مع ميزان القوى المهيمن.
إنها المفاهيم الثلاثة،في عالمنا العربي، التي نرى أن التركيز عليها وإعطاءها الأهمية في الندوات والورشات من الأجدر اعتبارها من أولويات راهننا العربي وذلك بتعرية معانيها وإبراز مكرها؛ إذ أن المفاهيم الثلاث تلك، نظريا وممارسة، هي العمود الفقري لتحقيق النهضة. فبتزوير الديمقراطية يكون الفقر والمكر؛ وباستبداد الحاكم يكون التسلط والقمع؛ وبتهميش الشعب يكون التخلص من التمرد. إنه حال العالم العربي الذي تقتضي انطلاقته إعادة بناء الديمقراطية، وحق إقالة ومحاسبة الحاكم كلما خان محتوى العقد الاجتماعي، واعتبار الشعب القوة الفعالة والتشاركية. إنها الشروط التي لا بد م من طرحها ومناقشتها والبحث عن آليات تحقيقها وهو العمل الذي يتطلب الإرادة والاستمرارية والتخلص من فكرة الورود المفروشة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة