الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور المثقف في المستقبل لترسيخ مبادئ وأسس المجتمع المدني

عوني الداوودي

2003 / 1 / 24
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


     

 

إذا رأيتم شرطياً نائماً عن صلاة فلا توقظوه

إذا قام فأنـــه يؤذي النـــاس فنومــــه أحسن

" أبو سفيان الثوري "

 

 كان الصراع ولا يزال قائماً بين المثقف والسلطة على مر التاريخ، وقصة الفيلسوف " بيدبا" في قصص كليلة ودمنة هي واحدة من الشواهد للمسؤولية التاريخية التي تقع على عاتق المثقف في مناهضته أساليب القمع والإضطهاد الذي يمارسه الحاكم المستبد، وتذكر لنا مدونات التاريخ قصصاً أخرى مشابه. وما حدث " لإفلاطون " مع الطاغية " ديونسيوس" هي أيضاً من الحوادث التي تحمل لنا الكثير من المعاني للصراع بين المثقف والسلطة.

 أردت بهذه اللمحة الخاطفة أن أشير إلى دور المثقف في الحياة العامة وتأثيره المباشر في مصائر الشعوب والطغاة على السواء، كما يدرك الطغاة والملوك أيضاً هذا الدور والتأثير، لذلك ومنذ قديم الزمان كانوا يحاولون التقرب من المثقف، ويفاخرون بوجود الفلاسفة والشعراء والعلماء في بلاطهم، لمهمتين أساسيتين أولهما: أشغال المثقف عن هموم الشعب وتنحيته عن الاصطفاف بجانب الضحية وغرقه في الملذات وإلهائه عن مهامه الأساسية، وهذا ما يحدث إلى يومنا هذا، بشراء ذمم بعض المثقفين من خلال المنابر والندوات التي تعقدها السلطات وإسناد بعض المناصب الهامة في أجهزة إعلام الدولة إلى بعضهم، وعادة يطلق على هؤلاء مثقفي السلطة وشعراء المنابر وغيرها من التسميات. وثانيهما: لنيل الشهرة والخلود في التاريخ من خلال القصائد أو أعمال أخرى تنتجها قريحة المثقف، وتجميل الوجه القبيح للطاغية، فلذلك يجب على المثقف أن يعي دوره التاريخي هذا والقوة الكبيرة الكامنة في شخصيته وأفكاره التي يخشاها الحاكم، إذن مسؤولية التغيير في البلدان التي تتسم أنظمتها بالحكم الشمولي، تقع على عاتق النخبة المثقفة بالدرجة الأساس، ولذلك يجب على المثقف أخذ زمام المبادرة وعدم فسح المجال لكي يقوده السياسي أو العسكري، والطبقة المثقفة في أي مجتمع هي بمثابة البوصلة التي تهدي الشعوب لتنير لهم الطريق للخلاص من الدكتاتورية، ولهذا تأتي مطالبة المثقف أكثر من غيره  في السمو على نزعاته الشخصية والترفع على الخلافات الجانبية ليمارس دوره الطليعي لمقاومة الظلم والفساد وعدم المساومة على المبادئ والمثل العليا والقيم التي تمهد الطريق للشعوب في الارتقاء إلى سلالم المجد الحضاري، والمثقف كإنسان لا يخلو من النزوات الشخصية والطموحات المتضاربة وهو بالنتيجة أبن بيئته وتحكمه أحياناً كثيرة البيئة الاجتماعية التي تربى فيها، لذلك نرى بأن العديد منهم لم يستطيعوا الصمود أمام المغريات المادية التي يبذلها النظام لكسبهم وتنحيتهم عن طريقه، أما الشريحة الثانية من المثقفين الذين نعنيهم هم أولئك الذين يتحسسون أوجاع بلادهم وهموم شعبهم، فهؤلاء هم ضمير المجتمع والناطق باسمه والمعبر عن طموحاته وهم الذين يعّول عليهم في التغيير ووضع اللبنات الأولى لبناء المجتمع المدني والحكم الديمقراطي، وأن المضمون الحقيقي للديمقراطية يكمن في جوهر العلاقات التي تستند إلى الحوار العلني بين جميع الأطراف والاعتراف بالآخر ونشر ثقافة التسامح، فالوضع العراقي الراهن وطبيعة نسيج المجتمع العراقي المتعدد الاثنيات والأديان والمذاهب، لا تجعل التفكير بالنظام الديمقراطي أمراً حيوياً وحسب بل باعتقادي أنه مسألة حياة أو موت بالنسبة لمستقبل العراق الذي لا يتحمل أي نوع من أنواع الدكتاتورية فالتجارب القاسية والمؤلمة التي مرت بحياة شعبنا والحالة المزرية التي نجترعها، هو الدرس الوحيد الذي يجب الاتعاض به وجعله نبراساً لبدء صفحة جديدة من العلاقات بين الأطراف التي تتقاسم أرض العراق كشركاء في الوطن ولا صوت فوق صوت القانون.

ولربما كان المثقف العراقي من أوائل ضحايا الأرهاب الفكري والقمع، فمن لم ينجر إلى المخططات المشبوهة التي كان النظام يغزل خيوطها بهدوء في بادئ الأمر، أوعز الدكتاتور  بتضييق الخناق عليه، أبتداءٍ من محاصرته ومحاربته في رزقه ووسيلة عيشه إلى الاعتقال والتعذيب والتصفيات الجسدية، ومن لم تطله مخالب النظام وجد نفسه مشرداً بين منافي العالم، ومن ثم الانقسام الخطير الذي حصل للكثير من مثقفينا في الخارج حسب الولاءات الحزبية وعلى أساس القومية أو الدين أو المذهب وحالتنا الراهنة التي لا نحسد عليها هي خير دليل على ذلك .         

فالحكومات السابقة في العراق فشلت فشلاً ذريعاً في إدارة دفة الحكم على أساس المواطنة الحقة، فباعتقادي يجب دراسة جميع الجوانب وأسباب فشل تلك الحكومات لإدارة الحكم في ما مضى، كي لا تتكرر الأخطاء، ويقع على كاهل النظام المستقبلي مهام عسيرة وواجبات تحتاج إلى الكثير من الجرأة والصراحة، وهنا يأتي دور المثقف العراقي لإثبات نفسه ودوره التاريخي وترك بصماته على سياسة الدولة في ا لقضاء على مخلفات الماضي بأتباع نهج جديد وخطاب جديد يختلف كلياً عن خطاب الأنظمة العراقية السابقة لتربية الأجيال الناشئة لممارسة الديمقراطية في ظل المجتمع المدني. 

                                                                                عوني الداوودي

                                                                                   السويد

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عالم مغربي: لو بقيت في المغرب، لما نجحت في اختراع بطارية الل


.. مظاهرة أمام محكمة باريس للمطالبة بالإفراج عن طالب اعتقل خلال




.. أكسيوس: مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر يوافق على توسيع عمليا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من الطلاب المتضامنين مع فلسطين ب




.. مئات المحتجين يحاولون اقتحام مصنع لتسلا في ألمانيا.. وماسك ي