الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعب السوري بين نارين

سامر عبد الحميد

2005 / 11 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


يواجه المجتمع الأهلي السوري اليوم،سلسلة من الأخطار الخارجية،متمثلة في تداعيات ومفاعلات تحقيق "ميليس"،وإنذار"غورو" الدولي ذو النسخة المحدثة،أي القرار 1636 الصادر عن مجلس الأمن،والذي يدعو سوريا إلى التعاون مع القاضي الألماني في تحقيقه،وإلا...!.
وعلى ما يبدو،فان النظام السوري قد اختار الخيار الثاني،خيار(وإلا..!)،رغم تأكيد الرئيس(بشار الأسد)على تعاونه الكامل مع لجنة التحقيق...شرط عدم المساس بالسيادة أو الكرامة الوطنية.
إلا أنه،ونتيجة لخلل موازين القوى،ولسياسة التكالب الدولية،وتخاذل الأنظمة العربية،فإن "ميليس" يبدو متلهفاً للمساس بهذه الكرامة وهذه السيادة حين يصر على التحقيق مع رموز أمنية سورية عالية المستوى في "المونتيفردي" دون سواه!.مع معرفة الجميع بإمكانية اعتقال هذه الرموز داخل لبنان( دون سواه!)، خصوصا بغياب أي بروتوكول للتعاون أو التفاهم بين "ميليس"،والنظام السوري متمثلا في لجنة تحقيقه الخاصة برئاسة"غادة مراد".
وفي خطابه الأخير،فقد أكد الرئيس السوري على تبنيه لخيار المقاومة في مواجهة الهجمة الغربية الشرسة المتذرعة بقميص "الحريري".
لذلك فإن الشعب السوري المغيب والمهمش ،يشعر بالرهبة والخوف والقلق مما ستنتجه هذه المواجهة مع العالم.
وليس الحصار الاقتصادي هو أكثر مخاوفه ،رغم حالة الفقر المدقع التي يعاني منها بدون حصار.بل إن خوفه الأكبر من المخاطر الخارجية ينصب على قيام أمريكا بمغامرة عسكرية جديدة على غرار ما حصل بالعراق،وبالتالي دفع فاتورة دم،وتشريد باهظة لأسباب لا يد له فيها...ولا جمل!!!.
تخوف الشعب السوري من حصار اقتصادي،أو مغامرة عسكرية أمريكية،يوازيه تخوف من خطر (داخلي) قد يبرز نتيجة لرفع النظام راية المقاومة!.
وهذا الخطر الداخلي تحدده الإجابة على السؤال:
كيف سيسعى النظام لتمتين جبهته الداخلية لمواجهة أخطار الخارج؟أو بالأحرى ما هي الآليات التي سيتبعها لتعزيز اللحمة الوطنية،ورص الصفوف؟.
تجربة الشعب السوري مع نظامه في هذا المجال لا تبدو مشجعة على الإطلاق!.



ففي فترة الثمانينات من القرن الماضي،تلك الفترة الكالحة من تاريخ سوريا،شنّت القوى الخارجية المعادية للنظام السوري،والتي هي نفسها تقريباً هذه الأيام، حملة شعواء عبر أداتها المحلية،ونعني بها جماعة الأخوان المسلمين.
وفي سبيل استئصال هذا الورم الأخواني،الذي كان يهدد البلاد،فقد لجأ الرئيس الراحل "حافظ الأسد" إلى استعمال أكثر الأساليب شدة وفظاظة.
وتحت شعار رص الصفوف وتعزيز اللحمة الوطنية في مواجهة أعداء الداخل والخارج، جرى تضخيم الجهاز الأمني المتضخم أصلا،ومنحه المزيد من الصلاحيات للتدخل في حياة الناس .
كما تم تسليح البعثيين،وتأطيرهم في فصائل عسكرية،وكتائب مسلحة ذات سمات فاشية مكونة أساساً من الشباب البعثي،كالمظليين والمظليات.
وكذلك فقد لعبت التشكيلات العسكرية (شبه الفاشية أيضاً)،كسرايا الدفاع،والصراع ..الخ،دوراً رئيسيا في الدفاع عن النظام القائم المهدد بقوة.
وكانت النتيجة أن نجح النظام بالفعل في درء المخاطر الخارجية،واستئصال الورم الأخواني الخبيث.
لكنه وفي سبيل ذلك فقد تم أيضاً استئصال أجزاء كبيرة حيوية وسليمة من الجسد السوري.الذي سرعان ما دخل في غيبوبة مازال يغط فيها إلى اليوم.
وكانت إحدى نتائج تلك المواجهات أيضاً،أن مارد الأجهزة الأمنية المتضخمة،المنفلت من عقاله،قد أخذ يبدي قدراً متزايداً من الممانعة في العودة إلى قمقمه!.



يرى بعض المحللين ،أنه لولا لجوء الرئيس "حافظ الأسد" لسياسة البطش على صعيد الداخل،لكان الوضع اليوم أسوأ بما لا يقاس.وربما كانت سوريا ترزح اليوم كذلك تحت وطأة حكم ديني أصولي،ويحكمها أمثال "أبو غدة" و"سعد الدين" و"حديد" و"عقلة" و"عابو" وغيرهم!.
لكن برأي محللين آخرين،فإنه كان للمؤازرة السوفييتية غير المحدودة لنظام دمشق ،والدعم الذي تلقاه هذا النظام للتحكم بمفاصل أساسية في عدة ساحات إقليمية،وفي ساحته الداخلية،الدور الحاسم في تحقيق انتصارات "حافظ الأسد" الباهرة تلك على أعدائه الكثر.
هؤلاء الأعداء الذين لم يغفروا للنظام السوري تلك الإهانات التي وجهها لهم،يعودون اليوم بعد غياب الحليف الاستراتيجي الكبير لسوريا،في محاولة مكشوفة لتصفية الحسابات القديمة ،وبعد أن بقي عدوهم القديم في الميدان وحيداً !.



بدأ الرئيس "بشار الأسد" فور توليه لمقاليد الحكم خلفاً لوالده الراحل،بالإعلان عن نيته السير بالإصلاحات التي توقفت طويلا نتيجة الظروف السابقة،وبدأ بشكل أو بآخر في تحجيم المؤسسة الأمنية،وتهذيب أذرعها الأكثر ضراوة.وساد الإحساس بنوع من الطمأنينة بين أفراد الشعب المثخن بالجراح.
لكن الإرث الثقيل الذي ورثه" بشار" عن العهد السابق،وقف سدا منيعا بينه وبين رغباته الإصلاحية.
فنتيجة لتحييد المجتمع المدني عبر القمع والتضييق على قواه الحية،وعبر تدمير أحزابه السياسية المسالمة وزجها في السجون،فقد أصبح الشعب السوري الذي كان من يضج حيوية ونشاطاً،من أكثر شعوب الأرض ركوداً وسلبية!.
ونتيجة لذلك أيضاً فقد استشرى الفساد،و تكونت طبقة من أصحاب المصالح والامتيازات،ممن استفادوا من غياب الرقابة الشعبية وانعدام الحريات ،أخذت تقف ضد أية محاولة للإصلاح.
وعلى الصعيد الخارجي،وقف الأعداء التاريخيون للنظام،له بالمرصاد!.
وتم وبكل شماتة،نزع أوراقه الإقليمية ،خصوصا على الساحتين اللبنانية والفلسطينية،وإجباره على العودة إلى ساحته الداخلية كمقدمة للمعركة الفاصلة ،والأخيرة،والتي ينوي أعداؤه من خلالها، لي عنق النظام و(تغيير سلوكه)،وإجباره على السير في الركاب الأمريكية والإسرائيلية!.





وهنا نصل إلى السؤال الذي طرحناه في البداية.
كيف سيحصن النظام السوري جبهته الداخلية كي تقف في وجه الأخطار والضغوط الخارجية؟
هل سيلجأ إلي نفس الأسلوب الذي لجأ إليه سابقاً؟.أي البدء بتجييش وعسكرة المجتمع،كما بدأت تطالب بذلك منذ الآن بعض الأصوات المنكرة. والعودة به إلى أجواء الثمانينات المخيفة؟.وهكذا يقع الشعب السوري بين نار الضغوط الخارجية،ونار القمع الأمني الذي اختبر أهواله وفظائعه !.
أم سيختار،رغم أن خطاب الرئيس الأخيرأوحى بعكس ذلك،المصالحة الوطنية،والانفتاح التام على الشعب وقواه الوطنية،وإطلاق سراح كافة السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي،والسماح الفوري والعاجل للأحزاب بالعمل وتحمل مسؤولياتها التاريخية تجاه الأخطار المحدقة؟.
أم أن مجرى الأحداث السياسية قد يتغير ويتطور إلى أشكال أخرى غير محسوبة...؟.
كل الاحتمالات مفتوحة.
والأيام القادمة لا ريب ستكون حبلى بالمفاجآت،التي نتمنى أن تحمل لبلدنا كل الخير!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معرض -إكسبو إيران-.. شاهد ما تصنعه طهران للتغلب على العقوبات


.. مشاهد للحظة شراء سائح تركي سكينا قبل تنفيذه عملية طعن بالقدس




.. مشاهد لقصف إسرائيلي استهدف أطراف بلدات العديسة ومركبا والطيب


.. مسيرة من بلدة دير الغصون إلى مخيم نور شمس بطولكرم تأييدا للم




.. بعد فضيحة -رحلة الأشباح-.. تغريم شركة أسترالية بـ 66 مليون د