الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشارع السوري - توصيف في الحالة السورية -

يوسف أحمد إسماعيل

2016 / 3 / 6
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


قبل 2011 كان الشارع السوري يتمايل بشكل عام، بين ثلاث حالات ؛ فئة أولى، صامتة مستكينة تمشي بجانب الحائط ، باحثة عن كفافها، وتمنع نفسها من التفكير بأبعد من ذلك . وفئة ثانية ، تحاول التفكير بلقمة عيشها عن طريق التماهي بقوة السلطة، من خلال الارتباط بدوائرها المدنية أو العسكرية ؛ وقد مثلت تلك الفئة الصورة القهرية والانتهازية للمجتمع السوري بتشكيلها السمة المجسدة والمستفيدة من الفساد السياسي والإداري والاجتماعي ، وفئة ثالثة تمثلت بالرافض للخنوع والانكسار،ولكنها تشعر بالقبضة الأمنية الشديدة، والتي لا مفرّ من الوقوع في مصيدتها إن هي أبدت أي تأفف من الوضع القائم، وقد دفعت هذه الفئة الثمن غاليا، عبر السجون أو المنافي أو التهميش أو الانكفاء على الذات إلى حين موت الروح فيها .
وحين أعلن الشارع عن تمرّده ؛ بغض النظر عن المؤامرة الكونية والدولار النفطي وإسرائيل وأصدقاء الشعب السوري وأعدائه ، بدت الحالات الثلات الآنفة الذكر بأقسى ظروفها وأبشع صور تجليها ؛ إذ انعكس في سلوكها ومواقفها كل الفساد الأخلاقي الذي ولّده الاستبداد في عقوده الطويلة المغرقة في القدم، وليس في صورته الأخيرة بعد السبعينات كما يظن البعض، وذلك لقرب محطاته في الذاكرة السورية !
فالفئة الصامتة المستكينة، خرجت من الجدار الذي كانت تتكئ عليه ، لتعلن الصراخ على عقود طويلة من القهر المتراكم ، بغض النظر عن رؤيتها للتمرد وأهدافه وحقها في التعبير أو العدالة ؛ ولكنها صرخت ضد أبدية التهميش و الإذلال؛ ولذلك كان الشعار الأول في المظاهرات السلمية " الشعب السوري ما بينذل " أو : الموت ولا المذلة " .. ولكن هذه الفئة أو من ينطوي في إطارها ، وبسبب وعيها الكبير بحس الخوف والتهميش والقهر ، حين مُنعت من الصراخ مع بداية إطلاق الرصاص والملاحقات الأمنية، لم تعد إلى الجدار الذي كانت تسير بجانبه طلبا للأمان والتخفي، و شكلت مخزونا بشريا كبيرا لمحطّتين : الأولى الكتائب المسلحة ،والثانية الهجرة الخارجية .في الأولى التحق مَن تضرر بشكل مباشر وعنيف ، فوجد نفسه في لجة الغضب والعنف والتحريض ، ومَن جاء من بيئة دينية سلفية وارثة لغضب القمع المنصرم في الثمانينات وما بعدها ، أو بيئة يهيمن فيها الاعتقاد الديني الشعبي ؛ وفي هذه البيئة يسهل على السلفيين تمثيل دور القدوة والمثال والتفاني في الطاعة والتنفيذ. وفي الثانية( الهجرة الخارجية ) التحق من كان يرى في الثورة حراكا سلميا فقط ، فاضطر للهرب خوفا من الملاحقة الأمنية من جهة ، وملاحقة الكتائب المسلحة من جهة ثانية . وحين اشتدت الأزمة السورية وتشعّبت التحق بالهجرة من تبقى من الذين بقوا في الاتكاء على الجدار ، ولكن الجدار سقط أخيرا ولم يعد قادرا على حماية أحد، وعرّى الجميع ، فهاجر الجائع والموجوع واليائس والطامح والناكر والخائف..
وبين العنف والخوف والطموح واليأس والوجع والجوع والغربة ، لم تعد الروح قادرة على التعالي على الجراح فتعطلت قيم الإثار في أشد الظروف افتقارا لها،مما فتح الباب واسعا لقيم الهدم التي تزيد المأساة وجعاً كالخطف والقتل والانتقام والثأر والتوحش والنهب والسطو والبخل والأنانية والكسب الحرام ، وتشكيل العصابات للنهب والتهريب والاحتكار... كل ذلك تجلى في العلاقات الاجتماعية على حساب الصحة النفسية في مجتمع لم يعد قادرا على العيش في ظل الخراب الكلي ؛ الروحي والجسدي.
أما الفئة الثانية المتماهية بقوة السلطة ، فهي باقية ما بقيت السلطة ، لأنها منذ البداية شعرت بخطر الحراك الثوري على مصالحها ؛ ففي ظل الفساد والاستبداد يستطيع الأستاذ الفاشل أن يعيش في راحة مادام التجهيل المعرفي محمي بقوة التعنيف مع الطالب أو الزميل الناجح ! ويستطيع الموظف المرتشي أن يعيش في رغد ويصرخ بأعلى صوته ضاحكاً " تعيش الرشوة ..وحافظ الأسد معه بكالوريا فقط ؟! " ويستطيع الضابط المتنفذ أن يعيش آمراً ناهياً بحقه، وحق جيرانه، ومعارفه وأهل حيه، وقريته ! وتستطيع " حفيظة " في الاتحاد النسائي أن تتربع على قمة الموعظة والنصيحة والتسيير الإداري للمجتمع، في وقت فشلت فيه أن تقيم علاقة محبة مع أبسط جاراتها، فكيف مع جيلها الذي تشرف على تربيته !؟...
والتحاقا بالمصالح وحمايتها، شكّلت هذه الفئة الطابور الخامس للنظام بتكليف رسمي أو عمل طوعي؛ حيث تكون الغاية تعميم خطاب السلطة، وغسيل الثياب القذرة، ورفع الشعار الوطني كلغة احتكارية اتهامية في الوقت ذاته ، مع الاحتفاظ لنفسها بالدور التنويري القائم على تبخيس عقل الآخر ووعيه ورؤيته للأحداث ، مع غض الطرف عن مجريات الوقائع على الأرض، باعتبارها من جهة حقا مشروعا، ومن جهة أخرى صراعا وحشيا .
والفئة الثالثة الرافضة للخنوع والانكسار تمثلت بتيار كبير من المثقفين الذين لم يتعلموا من قراءاتهم معنى الحرية أو الديمقراطية أو التعددية أو المدنية ، خاصة أنهم لم يعيشوا تجاربها في الماضي البعيد أو القريب، في ظل إرث ثقافي إقصائي وقمعي ؛ فانساقوا وراء التحريض الطائفي أو العسكري أو وراء التخوين ولغة التحقير، مما أفقدهم المصداقية والقدرة على التبصير والتأثير والقيادة ؛ فكان بعضهم يعيش في رخاء وأمن، ويحرض الموجوعين والمكلومين على الرباط في الخنادق، وبعضهم يشتم في كل ساعة لونا أو موقفا أو طائفة، بناء على خبر أو رغبة أو هاجس ،وبعضهم يحلّق عاليا في أوهام المحللين المنفصلين عن أوطانهم وشعوبهم ، وبعضهم مثَّلت سخريتهم اللاذعة سطوةَ قراءتهم للمعارضة وممثليها والحراك برمته ومراحله، و المكلومين فيه والفارين منه، والخائفين أوالملاحقين فيه ، وبعضهم تلوّن بألوان خادعة يجمعها صوت كراهية النظام أو عشقه في الضفة الأخرى ..ولكن الكلّ ، على حد سواء ، كان ينزلق في تعميق لغة التمييز والكراهية والعنف بين مكونات النسيج الوطني، بوعي أو دونه .
في ظل ذلك التعنيف والتخوين والهجرة واليأس والإحباط والأمل والشتيمة والسخرية والارتزاق والسلفية والدينية والمدنية والانشطار والانكسار والغرق والنجاة والانتظار للمّ الشمل، ضاع الوطن في الوقت الراهن على الأقل بين قوى الصراع الظلامية الدينية والمدنية والإقليمية والدولية ... أما السوري فهو بانتظار معجزة لن تكون وفق رغباته؛ لأن الرغبات لا يحققها غير المثل العربي " ماحك جلدك مثل ظفرك "؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بدر عريش الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي في تصر


.. عبد الحميد أمين ناشط سياسي و نقابي بنقابة الاتحاد المغربي لل




.. ما حقيقة فيديو صراخ روبرت دي نيرو في وجه متظاهرين داعمين للف


.. فيديو يظهر الشرطة الأمريكية تطلق الرصاص المطاطي على المتظاهر




.. لقاء الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي