الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيان من حزب العمل الشيوعي في سورية

حزب العمل الشيوعي في سورية

2005 / 11 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


باهتمام بالغ، ووسط حالة من الترقب والقلق والخشية من تداعيات خطيرة، استقبل الشارع السوري تقرير ميلس وفيما بعد قرار مجلس الأمن الدولي رقم /1636/ اللذين وضعا سوريا في محرق اهتمام المجتمع الدولي ممثلاً بمجلس الأمن، وحصل ما كنا تخشاه وحذرنا منه، وهو تدويل المسألة السورية بصدور القرار سابق الذكر بإجماع الدول أعضاء المجلس، والذي يؤكد- تحت البند السابع الذي يجيز استخدام القوة - ضرورة استجابة سوريا لمتطلبات التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وقد ساهم هذا القرار في تحريك الجمود السياسي الذي وسم الشارع السوري سنوات طويلة، في الوقت الذي كانت فيه القوى الوطنية السورية متنبهة ومنذ أشهر للمخاطر والتداعيات المتوقعة من إعلان تقرير ميلس، وفي هذا السياق جاءت مبادرة الإنقاذ التي طرحها حزب العمل الشيوعي في بيانه الصادر عن اجتماع مكتبه السياسي في شهر أيلول الماضي، والتي تتلخص بضرورة تشكيل "هيئة عمل وطني للإنقاذ" يتمثل فيها كل من النظام والمجتمع والمعارضة على اختلاف أطيافها دون استثناء ودون خطوط حمر، لإطلاق عملية انتقال ديمقراطي سلمي وتدريجي وآمن، تلغي احتكار السلطة وتعد لقيام نظام ديمقراطي قادر على التعاطي مع الأزمات التي تعصف بالوطن.
وكذلك جاء "إعلان دمشق" ليصب في ذات السياق، إضافة إلى جملة من الإعلانات التي توافقت عليها القوى الوطنية السورية في غير مكان من الوطن، وكانت جميعها تجمع على قاسم مشترك محوره ضرورة التغيير الديمقراطي خياراً مجتمعياً داخلياً.
وبعكس المزاج العام للقوى الوطنية السورية بما فيها بعض الفئات الاجتماعية والسياسية المحسوبة على النظام، جاء خطاب الرئيس بشار الأسد بتاريخ / 11/ 2005 ليؤكد أن النظام السوري مصرٌّ على استمرار نهجه الدكتاتوري واحتكاره السلطة وإدارته الأزمة منفرداً، متجاهلاً القوى الوطنية ومصلحة الوطن، ليأخذ السوريين كرهائن ويزجهم معه في أتون مواجهة مع المجتمع الدولي من أجل مصالحه الضيقة.
لقد رسم الخطاب المذكور ملامح التوجهات الاستراتيجية للنظام السوري داخلياً وخارجياً، واتصف بروح تعبوية، محاولاً إظهار سوريا ضحية مؤامرة دولية تحاك ضدها بسبب مواقفها القومية العربية ، في حين تظهر الحقيقة أن مستوى التناقض بين استراتيجية وتكتيك النظام من جهة والأطراف الدولية والأمريكية بشكل خاص من جهة أخرى قد وصل مرحلة كسر العظم واللاعودة، سواء ما فيما يتعلق بسلوك وسياسة النظام تجاه الساحات اللبنانية والعراقية والفلسطينية، أو فيما يتعلق بعدم تنفيذ النظام لوعوده بإصلاحات داخلية سياسية، وهذا الطريق المسدود مع المجتمع الدولي أوصل النظام إلى حالة من العزلة الدولية والإقليمية والداخلية لم يشهدها تاريخ سوريا المعاصر من قبل، وقد تجلت أولى بوادر هذه العزلة بمحاصرة الدور الإقليمي السوري، ومن ثم تراجع نفوذه الإقليمي إلى أدنى مستوياته ولا سيما بعد انسحاب الجيش السوري غير المشروط من لبنان.
إن الوضع الذي أوصل النظام نفسه إليه جاء نتيجة قراءته الخاطئة للمتغيرات على الساحتين الدولية والإقليمية، وعدم قدرته على التأقلم والتكيف داخلياً وإقليمياً ودولياًً مع هذه المتغيرات بسبب ارتباطه بمصالحه الضيقة ، ويبدو عجز النظام عن التكيف ظاهراً بجلاء حتى في برنامجه الإصلاحي الذي طرحه وعجز عن تحقيق خطوات ملموسة فيه، وعلى هذه الأرضية أتى الخطاب هجومياً قاطعاً مع المستويين الخارجي والداخلي، ويظهر ذلك من خلال النقاط التالية:
1ـ قطع الطريق على أي مشاركة أو مبادرة أو برامج مطروحة من قبل المعارضة السورية للإسهام في إنقاذ الوطن عبر الحل الديمقراطي، وأصر على احتكار السلطة والانفراد بحل الأزمة، مع ما حمله الخطاب من ادعاءات بمتانة الوحدة الوطنية واستقرار الوضع الداخلي والتفاف الشعب حول سياسة النظام.
2ـ قطع الطريق على تحسين العلاقات مع لبنان عبر استعداء اللبنانيين بالتهجم على الأكثرية النيابية اللبنانية واتهامها بالتآمر على سوريا، وهذا الموقف من شأنه تعقيد الأزمة مع الأشقاء اللبنانيين، وإثبات قدرة النظام السوري على اكتساب الأعداء أكثر من الأصدقاء.
3ـ قطع الطريق على لجنة التحقيق السورية_ التي شكلها النظام نفسه - بافتراضه اليقين في البراءة، وهو افتراض يجعل من تشكيل هذه اللجنة مجرد استعراض، بالإضافة إلى كونه معيقاً حقيقياً لعملها من الناحية الواقعية.
4ـ القطع مع الخارج، ليس الأمريكي فقط، بل المجتمع الدولي بأسره، من خلال التهرب والتردد في التعاون الفعلي مع لجنة التحقيق الدولي بالصورة التي أكد عليها قرار مجلس الأمن/ 1636/، وبالتالي إعطاء المبررات لزيادة وتعميق القناعة الدولية بتورط النظام، مع ما تجره هذه القناعة من مخاطر على الوطن.
إن جملة المواقف التي أطلقها الخطاب تعرض سوريا لمخاطر استعداء المجتمع الدولي بأسره، وحتى لو سلمنا بما يقول النظام بأن ثمة مؤامرة دولية ضد سوريا، فإن مواجهة هذه المؤامرة وحل هذه الأزمة لا يأتي عبر إدارتها بتجاهل قوى المجتمع السوري، واستعداء القسم الأكبر من المجتمع اللبناني، والوقوف في وجه الإرادة الدولية بالتملص من التعاطي مع القرارات الدولية، ولنفترض أيضاً أن استراتيجية المقاومة في مواجهة الوضع الراهن التي طرحها النظام عبر الخطاب هي الممر الوحيد أمام النظام والمجتمع السوري، فإن هذه الاستراتيجية تقتضي سلوكاً مختلفاً يتطلب _ قبل أي خطاب تعبوي _ تغييراً في بنية النظام القائمة على التفرد بتقرير مصير الوطن والمبادرة إلى اتخاذ خطوات فورية تكفل الحقوق الأساسية والسياسية في المجتمع السوري، ولا سيما طي ملف الاعتقال السياسي نهائياً وحل المسائل المتفرعة عنه، وإلغاء قانون الطوارئ والأحكام العرفية والقانون 49 والإعلان بسرعة عن قانون أحزاب عصري يستوعب الحالة السورية ويناسب أوضاع أحزابها، دون إقصاء أو إبعاد، إضافة على جملة استحقاقات أخرى هامة على الصعيد الاقتصادي والمعيشي وحرية الإعلام ومكافحة الفساد....إلخ.
ختاماً، نؤكد على الحقائق التالية:
أولاً: لقد أصبح قرار مجلس الأمن/ 1636/ واقعاً موضوعياً، سواء كانت هناك مؤامرة على سوريا أم لم تكن، وبالتالي يجب التعامل معه دون مماطلة لا تفيد في الأمر شيئاً، مما يجنب الوطن صداماً غير مبرر مع المجتمع الدولي، يترتب عليه عقوبات ومخاطر لا تطال النظام فحسب، بل يأتي المواطن السوري في مقدمة المتضررين منها,مع تأكيدنا على وجود أجندة أمريكية خاصة بالمنطقة لا تدخل في إطار المؤامرة بقدر ما هي سياسة معلنة و مطالب محددة يمكن رفض بعضها ومقاومتها ويمكن التقاطع مع البعض الآخر باعتبار أنها مطالب داخلية أصيلة في الأساس, غير أن معاداة المجتمع الدولي برمته والصدام معه لا يمكن أن تؤدي إلاّ إلى أوخم العواقب .
ثانياً: إن مصير الوطن أهم من مصير أشخاص ومسؤولين فيه، مهما علت مناصبهم وبلغ شأنهم.
ثالثاً: إن وقف الاستقطاب الذي تكلم عنه الخطاب لا يأتي عبر الأسلوب القمعي التقليدي ـ ومن ذلك اعتقال كمال اللبواني بالرغم من عدم موافقتنا على موقفه ـ بل بالانفراج الديمقراطي وتحقيق سائر المطالب التي أجمعت عليها القوى الوطنية السورية.
رابعاً: لقد شكل إعلان دمشق بداية تحول إيجابي في سلوك المعارضة السورية، ونقطة انطلاق لتجميع أطراف الطيف الوطني الديمقراطي لتشكيل قطب معارض فعال قادر على المساهمة في درء المخاطر التي يتعرض لها الوطن.
خامساً: بالرغم من راهنية القضية الوطنية فإن القضية الديمقراطية تبقى هي المهمة المركزية لكافة القوى الوطنية الديمقراطية، باعتبار أن الديمقراطية ليست قيمة بحد ذاتها فقط، بل هي مطلب وشرط لإنجاز كل المهام الأخرى، وبالتالي لا يجوز تأخيرها تحت أي ظرف كان، وإن سعي النظام السوري لوضعها في تعارض مع القضية الوطنية إنما هو محاولة لعدم تنفيذ أي منهما، فخمسة عقود من قانون الطوارئ والأحكام العرفية وتجميد الحياة السياسية وكم الأفواه لم تحرر شبراً واحداً من الجولان الحبيب المحتل!!!

اجتماع هيئة المكتب السياسي
لحزب العمل الشيوعي في سورية
تشرين أول – 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي