الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
المرأة بين المقدّس و المدنّس
محمد بن زكري
2016 / 3 / 8ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2016 - المرأة والتطرف الديني في العالم العربي
في عصور فجر التاريخ والحضارة ، حيث كان إيقاع الحياة أقرب إلى صورة الفردوس الأرضي ؛ كانت للمرأة المكانة الاجتماعية الأعلى من الرجال ، باعتبار أنها - في ديانات الخصب والطبيعة - روح الخصب الكونية ، واهبة الحياة ، بسر قوة فعل الولادة . فكانت هي الأم الكبرى للجماعات و الأفراد ، وهي بالتالي الإلهة الخالقة المعبودة ؛ بدءً من الربة (تانيت) الليبية ، التي أوجدت ذاتها بذاتها ، ثم أوجدت الكون والكائنات ، مرورا - مع بعض الاختلافات - بالربات (إنانا) السومرية ، و(عشتار) البابلية ، و(عناة) الكنعانية ، و(إيزيس) المصرية الفرعونية .. وصولا إلى (أفروديت) الإغريقية و(فينوس) الرومانية .
لكن ما أن سرق - و لا أقول : اقتبس - أنبياء القبائل البدوية العبرية معتقدات ومبادئ تلك الديانات الأمومية (الطبيعية) ، ضمن ما سرقوه من تراث وعقائد الحضارات الشرقية القديمة ونصوصها ، التي وصلت إلينا مدونة على آلاف الألواح الفخارية ، من حضارات سومر و بابل و آشور و أوغاريت وإيبلا وتل العمارنة ، وعلى مئات البرديات وآلاف المدونات الجدارية من حضارة مصر الفرعونية و حضارات بلاد ما بين النهرين و الشام ؛ حتى أسقط كُتّاب تاريخ اليهود الخرافي والمزور (أسفار العهد القديم / التوراة) كل خصائص الألوهة ، في تلك الحضارات القديمة ، على إلههم القبلي الخصوصي (يهوه) ، لتأخذ طابعا ذكوريا بدويا ، أنزل الربة الأنثى من على عرش الألوهة ، ليحتله الإله الذكر في الديانات الإبراهيمية ؛ ففقدت بالتالي المرأة مكانتها الدينية والاجتماعية ، ليحل محلها الرجل ، مستأثرا لنفسه بالسلطتين الدينية و الزمنية ، و منتزعا منها كل الحقوق .
ومن ثم فقد اكتشف الإله الذكر فجأة أن الرجل هو أيضا (يلد) ، لكن من ضلعه الأيسر !! فهو الأسبق في الوجود ، و منه جاءت الأنثى و ليس العكس ، كما ورد في الإصحاح الثاني من سفر التكوين ، في كتاب العهد القديم (التوراة اليهودية) بالنص التالي : " وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة ، وأحضرها إلى ادم " . وبعد أن كانت الولادة ، التي تختص بها المرأة ، هي ما جعل منها الأم المقدسة و الإلهة المعبودة ، فقد صارت مبررا كافيا عند الإله (الذكر) لوصمها بالنجاسة . جاء في الإصحاح الثاني عشر من سفر اللاويين : " إذا حبلت امرأة وولدت ذكرا ، تكون نجسة سبعة أيام ، كما في أيام طمث علتها . كل شيء مقدس لا تمس ، و إلى المقدس لا تجيء . و إن ولدت أنثى ، تكون نجسة أسبوعين كما في طمثها " ، و نلاحظ في هذا النص التوراتي ، أن (نجاسة) الأنثى تتضاعف إذا أنجبت أنثى مثلها . وهو ما انتقل إلى الإسلام والمسلمين - تأثرا بما يسمى الإسرائيليات - في اعتبار المرأة كائنا نجسا ، أثناء فترة الطمث وفيما بعد الولادة ؛ حتى إن صلاة المرأة المسلمة لا تجوز لكونها نجسة في تلك الفترات ، ورد في القرآن : " ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاجتنبوا النساء ... " .
وبالمثل فإنه بعد أن كانت الإلهة الأنثى (الأم الكبرى) إنانا ، هي من ينقذ الإله الابن دوموزي من الموت ، ليعود حيا من جديد ، وكذلك الأمر مع الإلهة عشتار والإله تموز ، و عشتروت مع أدونيس ، و عناة مع بعل ، و إيزيس مع أوزوريس ؛ يأتي الإله العبراني الذكر ؛ ليقول الرب الذكر لحواء في سفر التكوين : " لرجلك يكون اشتياقك ، وهو يسود عليك " ، و جاء في التلمود " خُلقت حواء وخُلق معها الشيطان " ، و أيضا " يجوز خروج المرأة من فناء إلى آخر حاسرة ، في حالة إذا كان الدهليز الذي تسير فيه مغلقا ، وليس معتادا ارتياد الجمهور له " ؛ ليتطابق الإسلام - لاحقا - مع اليهودية ، في عديد النصوص الحاكمة ؛ التي تؤسس لدونية المرأة في المجتمع الذكوري ، و تبرر لتسلط الرجل عليها ، و تنتزعها من إنسانيتها ، لتجعل منها مجرد (أداة) متعددة الاستخدامات ، بتصرف الرجل . و ذلك كما في : " الرجال قوامون على النساء " ، و كما في : " نساؤكم حرث لكم ، فاتوا حرثكم أنى شئتم " ، و أيضا " أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء ، فلم تجدوا ماء ، فتيمموا صعيدا طيبا " . و جاء في الأحاديث النبوية : " المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان / يقطع الصلاة : المرأة و الحمار و الكلب / إن المرأة إذا أقبلت ، أقبلت بصورة شيطان ، و إذا أدبرت ، أدبرت بصورة شيطان " و أيضا : " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه ، فلتأته و لو كانت على التنور / إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشة ، فأبت عليه ، لعنتها الملائكة حتى تصبح " ، و غيرها الكثير من النصوص الدينية ، التي تحقّر المرأة ، و تحط من شأن النساء ، حتى لو كانت المرأة أستاذة جامعية ، تدرّس آلاف الذكور و تؤهلهم علميا و مهنيا للحياة ! و يقع كل ذلك باسم المقدس الإسلامي ؛ بمرجعية العقيدة (الذكورية) التوراتية ، و تأثرا بالشريعة التلمودية - المعادية للمرأة - التي أشبع كعب الأحبار - كما عبد الله بن سلّام و وهب بن منبه - تاريخ الإسلام وتراث الفكر الديني للمسلمين ، بخرافاتها الميثية ، التي أسست - عقائديا - لشيطنة المرأة و اعتبارها كائنا شريرا و نجسا ، ما استحقت معه النساء - في الشرائع الإبراهيمية - كل أنواع العنف المادي و المعنوي ، كما في خرافة الخطيئة الأولى .
هذا بعضٌ مما كان من أمر الديانات والمعتقدات الغيبية ، في نظرتها التبخيسية الحدية للمرأة ، هبوطا بها من سماء المقدس إلى حضيض المدنس . وفي حين يمكن المجازفة بالقول إن ما هو أكثر منطقية ، وأقرب إلى الطبيعة والفطرة ، و أوثق علميا ؛ أن تكون المكانة الاجتماعية للمرأة هي الأعلى ، بحكم دورها الأهم في الحفاظ على النوع وفي التنشئة والقدرة على تحمل مسؤوليات الحياة ، و بحكم تكوينها الجيني الأصلح للبقاء ؛ فإن الإنسانية التقدمية - مع ارتقاء العقل و القيم و الأخلاق - تؤمن بالمساواة التامة بين المرأة والرجل ، وتقيم العلاقة بينهما على قاعدة التكافؤ أولا ، ومن ثم الاحترام المتبادل والتكامل الرفاقي ، تحت سقف المواطنة المدنية ، كإنسانين : أنثى و ذكر ، كاملي الأهلية ، حري الإرادة .. سواء بسواء .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. إصابة مباشرة لصاروخ أطلق من لبنان على منزل بمستوطنة كريات بي
.. أسامة حمدان: خطة الجنرالات هي أكثر الخطط العسكرية انحطاطا وأ
.. كيليان مبابي في دائرة الشبهات
.. ماكرون يذكر بأن إسرائيل أنشئت بقرار أممي ونتانياهو يرد بأن -
.. استطلاعات رأي -جنونية- حول حظوظ كامالا هاريس ودونالد ترامب ف