الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعارضة السلمية (2)

يوسف أحمد إسماعيل

2016 / 3 / 8
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


انتهينا في مقال المعارضة السلمية (1 ) إلى السؤال الإشكالي الآتي : هل كان بالإمكان استمرار المعارضة السلمية ؟ وهل كانت النتائج ستكون أرحم مما حصل ؟ وقلنا: باختصار ، نعم .
كيف ؟ !
طبعا ، سيكون الحديث الآن في " العالم الافتراضي " أو في ما كان يمكن أن يكون !لأننا نحاول إعادة الزمن ولجمه في الشهور الأولى من الحراك الثوري .
بداية، لعله من المفيد التذكير أن أي حراك سلمي يهدف إلى تداول السلطة ونزعها من محتكرها ، يجب أن يأتي في ظروف مهيِّئة للنجاح وليس للفشل، بنسبة كبيرة ، حتى لا يسهل على السلطة القمعية سحق الحراك.وتلك الظروف ليست إقليمية أو دولية ، كما ظن البعض مع الربيع العربي ، وإنما هي ظروف داخلية مرتبطة في تآكل النظام أوضعفه الداخلي . أما الظرف الخارجي يجب أن يكون مناسباً على أرضية دعمه لحرية الشعوب ، وليس وفق أجندات الدول الإقليمية والدولية . يضاف إلى ذلك أنْ يتشكل الحراك السلمي للمعارضة وفق أجندة وطنية محفّزة ومحضّرة مسبقاً بقيادة، لها مصداقيتها في الشارع، أو تستطيع اكتساب الإجماع على برنامجها السياسي والحركي من جميع المكونات الاجتماعية،على أساس المواطنة فقط ولا غير ..
إنّ كل تلك التنويهات لم تتوافر في الحراك السلمي في سورية ؛ فالنظام كان في أقوى حالاته الدفاعية ضد منتقديه أو معارضيه ؛ فبالإضافة إلى حالة الرعب والتخويف المسكونة في المواطن بفعل الأحداث في ثمانينات القرن الماضي، استطاع أن يضيف النظام إلى خبرته الطويلة في القمع خبرات ما حل في تونس ومصر ، فخطَّط ونفّذ وفق أجندة محددة ؛ ولذلك لم يتغير خطابه ، ولم يتناقض منذ بداية 2011 حتى اللحظة الراهنة ، بغض النظر عن مصداقية ذلك الخطاب .
أما ما يتعلّق بالظروف الدولية والإقليمية فإن قراءتها من قبل الشارع كانت قراءة انفعالية ، وذلك بسبب غياب قيادة جامعة للمعارضة السلمية ، إذ بدا أن الأمر لن يستغرق أكثر من أيام أو شهور معدودة ، وينتهي بدولة مدنية تعددية؛ فهاهي تونس وبن علي الهارب ، وها هي مصر ! وفي أسوأ الحالات ، هاهي " أمريكا وراء الباب " تفعل بالأسد كما فعلت بالقذافي ! والظنّان ..انفعاليّان ! فالأول ارتجالي ، والثاني غير وطني ، ولا يدل على بصيرة نافذة وسلمية
أما أمر الحراك السلمي وتنظيمه وفق أجندة وطنية محضّرة ومحكمة بقيادة لها رصيدها في الشارع عند جميع المكونات الاجتماعية ، فكان وهماً لم يتحقق نهائياً ؛ ولذلك كانت الشتائم والتناقضات والنزاعات والاتهامات هي ديدن العلاقة مع المعارضة السياسية ، فرصيدها لم يتجاوز شخوصها ، ولم تكن في الحراك منذ بدايته أو من محرضيه ، بل لم يعرف الشارع السوري أسماءها إلا من الإعلام الخارجي ؛ ولذلك فشلت فشلا ذريعاً في تكوين معارضة سلمية وحراك فعّال ..وما تمسّكها بالضربة الأمريكية والمال الخليجي إلا الدليل الفاضح على انتهازيتها.
هذا من حيث الملاحظات العامة في أرض الواقع. أما بشأن العالم الافتراضي الذي نوهنا إليه، نشير أولا إلى أن حراك المعارضة السلمية ضد احتكار السلطة لا يتماثل مع الانقلاب على السلطة ؛ أي أنه ليس انقلابا عسكريا يحدث بين عشية وضحاها ؟! بل هو كفاح سلمي طويل الأمد ، تنجرف في تياره حالات التفاؤل واليأس والقوة والضعف والتحفيز والفضح والتظاهر والاعتصام و الإضراب والتنوير ليس بفساد النظام فحسب بل في أهمية أن يكون المواطن حرا ومعناه ، خاصة في ظل فساد شوّه القيم وغيّر المفاهيم، وبدّل معنى الوطن والمواطنة ، وقدّر معنى أن تكون مستلباً أو عبداً للمال أو النفوذ أو الحاجة .، كل ذلك في سياق العمل على تغيير في بنية النظام ذاته ... فهل يحدث بعد ذلك مثلا، أن يتنازل النظام عن احتكار الحزب الواحد للسيادة !؟ أو تبديل في بعض بنود الدستور ..؟ وإذا تم وضع دستور جديد فيه بعض الإصلاحات الهامشية ألا يقود ذلك في وقت ما إلى إصلاحات جوهرية، تحت ضغط المعارضة السلمية ؟! .. ألم يرنا التاريخ كيف تحولت الملكيات المطلقة إلى ملكيات دستورية بالتدريج ؟!
ولذلك ، فإن ما حدث ليس أن الحراك الثوري السلمي تحوّل إلى حراك مسلح تحت ضغط النظام ! وإنما سلاح النظام تآمر ، دون تنسيق مباشر ، مع السلاح السلفي المدعوم خارجياً لكسر الحراك السلمي المدني وهزيمته، قبل أن ينضج ..مما أوصلنا إلى مشهد الحرب بين فئات سلفية معسكَرة بأجندات غير وطنية ، وسلاح نظام بأجندة احتكارية للوطن بوصفه معقلا خاصاً لا شراكة فيه لأحد، إن لم يكن مرهونا له بعقله وتطلعاته ، حتى وإن كان ذلك عبر الخراب المطلق أو الهجرة الجماعية ليس للطيور أو الحيوانات وإنما للبشر !
أما المعارضة السلمية ، بأجندتها الحضارية المدنية ، فهي مركونة على رفوف غريبة في شوارع العالم الآن ، أو في أقبية النفوس اليائسة ... ولذلك تدفع سورية ثمناً باهظاً في الروح والجسد و المستقبل ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة | الشرطة الفرنسية تعتدي على المتظاهرين الداعمين ل


.. فلسطينيون في غزة يشكرون المتظاهرين في الجامعات الأميركية




.. لقاءات قناة الغد الاشتراكي مع المشاركين في مسيرة الاول من اي


.. بالغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه..شرطة جورجيا تفرّق المتظ




.. الفيديو مجتزأ من سياقه الصحيح.. روبرت دي نيرو بريء من توبيخ