الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر بين مراهقة الداخل وترصد الخارج

محمد السعدنى

2016 / 3 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


"إللى مايشوفش م الغربال أعمى" مثل عامى فيه من الحكمة مايلخص حال حياتنا العامة التى تحولنا فيها جميعاً إلى أولئك العميان أو معصوبى العيون، فلانرى من الغربال رغم اتساع فتحاته ونوافذه مشهد السياسة المعقد فى بلادنا المحروسة، وهنا لا أستثنى احداً منا الدولة والحكومة والإعلام والسياسيين والكتاب والعلماء والمثقفين والنشطاء، شيوخاً وشباباً، حيث راح كل منا يرى فى المشهد مايتوافق مع فكرته وانحيازه ومصالحه ومماحكاته، لا ماهو موجود بالفعل، وكاننا تحولنا بمحض إرادتنا إلى أولئك العميان فى قصة أبو حيان التوحيدى أو أولئك الحمقى والمغفلين "من الغفلة" عند الحافظ إبن الجوزى كما حادثتك عنهما من قبل. وإذا بنا نحول محيطنا السياسى العام فى دولتنا المنكوبة بنخبتها إلى سيرك اختلط فيه الحابل بالنابل والعاقل بالأحمق والصالح بالفاسد والواعى بفاقد الأهلية السياسية واللياقة العقلية، والوطنى المخلص بمتعدد الولاءات، تأخذنا المصالح الضيقة والثارات الخاصة وضيق الأفق والتباس الرؤية وعناد المكابرة من الدولة إلى مدارك لايمكن لها أن توصلنا إلى طريق ممهد مأمول نستكمل فيه مشوارنا ونحقق أهداف مسيرتنا التى تتعسر فى ضبابية سببها النزق والتسرع وضعف الرؤية وعدم القدرة على الفهم والتفهم. فغاب عنا أو عن كثيرين منا عقبات الطريق ومخاطره، وراح الجميع ينظر ويقعد على هواه وكأننا دولة تتقلب فى بلهنية العيش، لا دولة تحاصرها المشاكل والصعاب والتحديات من داخل مراهق متخاذل أو متآمر وخارج مترصد مخاتل ومراوغ. وأعجب من أولئك الذين غفلت بصيرتهم وكف بصرهم عن رؤية مايحدث فى بلادنا.
إن هذا السيرك البدائى المنصوب فى الإعلام ومحيطنا العام وحتى فى الإقليم والعالم من حولنا أشبه بالبيانولا وخيال الظل فى ريفنا القديم، ينصبون ملائة بيضاء ويسلطون عليها الضوء بينما يلعب اللاعبون و"خلابيص الطبل" من خلفها ويؤدون مشاهدهم التى تضحك النظارة، وكثيراً مايكون ضحكاً كالبكا.
ياسادة البلد بيتلعب فيها وبها من كل مغامر وأحمق، تساعدهم أياد خفية من الخارج وتمهد لهم الأرض حتى تحكم الحصار على الدولة واقتصادها ومقدراتها. وأنظروا كيف أجهض جشع التجار واتحادات الغرف التجارية كل محاولة للدولة للسيطرة على الأسعار والتهاب السوق، يساعدهم وزير تموين كان مستشاراً لإتحاد الغرف التجارية، يدعم التجار بأكثر مما يرشد الدعم، وإلا كيف تفسر تحويل نقاط الخبز المخصصة لدعم محدودى الدخل لإستخدامها فى شراء مائة سلعة أخرى، وكيف يستميت فى توفير أراض لشركات السلاسل التجارية لبناء سوبرماركتات بدلاً من اهتمامه بحل مشكلة نقص الزيت التى لم يفكر فى إقامة مصانع لها، وكيف سمح للمستوردين بسرقة الدولة والفلاح الغلبان باستيراد أقماح فاسدة، إنها سياسة "الكومبرادور" أو وكلاء الشركات متعددة الجنسية لضرب اقتصادنا الوطنى، ولاحسيب أو رقيب، وهى مسئولية لانعفى منها الدولة وحكومتها ومؤسساتها وأجهزتها. وأنظر كيف أجهض المستوردون كل محاولات البنك المركزى ووزير الصناعة والتجارة فى السيطرة على انفلات عمليات الإستيراد ونزيف العملات الأجنبية، وانظروا ماذا فعلت مكاتب الصرافة بالدولار وكيف تدنت تحويلات المصريين فى الخارج، بما يهدد الإحتياطى المركزى من الدولار ويتسبب بعدم قدرتنا على استيراد لوازم الإنتاج والسلع الضرورية لحياة المواطنين، والمصانع التى تتوقف. وإذا لم تكن هذه مؤامرة فماذا عساها تكون؟ لقد استأسد رأس المال غير الوطنى ، وهو أكثر وأعلى صوتاً من المؤسسات الخاصة الحريصة على مصلحة البلد ورأس المال الوطنى، وراحوا يلاعبوا الحكومة والدولة علناً، ومن أسف وراءهم دعم الخارج الذين هم "كومبرادوره" وأيضاً رجال فى مؤسسات الحكم يدعمونهم ويروجون لهم لدى الرئيس، ويستجيبوا لضغوطهم المدمرة، بما يهدد السلم الإجتماعى ويكرس للطبقية وتوحش الرأسمالية ويهدد استقرار الدولة بضرب مفاهيم العدالة الإجتماعية التى عصبت عينيها عن رؤية صعوبة حياة البسطاء الذين هم الداعم الأول للدولة وللرئيس الذى يرون فيه الخلاص والأمل، لكن بعض من رجاله يختطفون الدولة بعيداً عن داعمها الأول والأساس، وهم بسطاء الناس الذين تعدهم الحكومة بإجراءات مؤلمة، وكأنهم لايكفيهم ماهم فيه من ألم وإحباط. ولعل هذا مايفسر ماقاله الرئيس السيسى "ماتسمعوش غير منى أنا" بمعنى إنكاره لتصريحات الحكومة ورفضه لزيادة الأعباء على الشعب الذى لايزال يراهن عليه.
ياسادة كيف يفوتكم أن تروا محاولات تسخين الجبهة الداخلية وإثارتها بالأسعار مرة وتجاوزات السلطة واختلاق حروب داحس والغبراء بالحق وبالباطل بين فئات الشعب ونقاباته ومؤسساته مرات، والإصرار على سجن الشباب رغم وعد الرئيس بالإفراج عنهم، وسجن المثقفين وأصحاب الرأى وأطفال أبرياء بحجة الحسبة وازدراء الأديان، ونزق الحكومة وفشلها مرات وتدنى مستوى الخدمات، وانفلات الإعلام وسيادة أسلوب "العكشنة" واعتمادها تقليعة وصلت إلى رواق مجلس النواب. ألم تلحظوا من ذلك كله أن الأصابع التى تحدث عنها مرسى لاتزال تلعب فى جبهتنا الداخلية؟ ألا يعطيكم ذلك درساً أننا مستهدفون؟
ثم ألا ترون ماحدث فى السياحة، ومحاولات الوقيعة بين مصر وروسيا ومصر وإيطاليا ومصر وبريطانيا ومصر وأمريكا التى تحتشد مع حلفائها الأوربيون للدخول إلى ليبيا ليكونوا على حدودنا الغربية وعلى مقربة من مصر بحجة محاربة داعش وبما يهدد أمننا القومى، ألا ترون محاولات تسخين المنطقة حولنا وإشعال الإقليم الذى هو محيطنا السياسى الحيوى، ودق الأسافين بين مصر والسعودية ومصر والإمارات، وجر السعودية لتغرز فى مستنقع ينصبه لهم ولنا الأمريكان فى اليمن ولبنان والعراق وسوريا؟ والمستفيد الوحيد هو أمريكا وإيران وتركيا وقطر، ألا تتعلمون ممايحاك لنا فى حرب المياة الطاحنة والدور الإثيوبى كمخلب قط لاستدراج مصر ومحاولة تركيعها؟ ألم تسمعوا عن تحفظات الجزائر والسودان وقطر على ترشيح أحمد أبوالغيط أميناً عاماً للجامعة العربية والإصرار على تدوير المنصب؟ أليس فى ذلك كله مايدلكم أننا أمان نزق الداخل ومراهقته السياسية وغياب أى إطار فكرى مرجعى عنه وعمن يتصدون الواجهات فى محيطنا العام؟ ألسنا أمام مؤامرة خارجية تستهدف تركيع مصر والحيلولة دونها ومحاولاتها للتقدم والنهضة؟.
ياسادة التاريخ ليس مؤامرة، لكنه أيضاً لايخلوا منها، ونحن من يعطى للمؤامرة فرصتها السانحة بالوصول لغاياتها وأهدافها بما نفعله بانفسنا. فمن ناحية نقوم بتيئيس الناس وإحباطهم والوصول بهم لأن تكون وجوههم للحائط بأنه لافائدة وأن السيسى لن يحقق لكم ماتتمنون. نحن من يعطى أعدائنا والمتربصين بنا كل الفرص بمراهقتنا وعشوائيتنا، وأيضاً باختيارات الدولة وأجهزتها لرجال حول الرئيس هم أضعف وأفشل من انجبتهم مصر. وإذا لم يكن من يختار وزرائنا ومحافظينا ومسئولينا وقياداتنا العليا والوسيطة مجرماً فى حق الوطن، فماذا عساه يكون؟. وطالعوا مئات المقالات والتعليقات أن الرئيس يعمل وحده وليس حوله كفاءات وأن صراع الأجهزة حوله يتسبب فى ضياع الفرص وبلبلة الناس والتباس الرؤية وسوء الإختيار الذى يخصم من شعبيته التى هى ضمانة إستقرار الوطن وتثبيت دعائم الدولة.
أرجوكم "شوفوا م الغربال" وتبصروا، فلاتزال مصر بخير وعلينا جميعاً ان نعطى فرصة للدولة لتتنفس وترتب أوراقها ولنثق أن مجلس النواب واعد وداعم للدولة ولولا موقفهم من قانون الخدمة المدنية لخرجت المظاهرات وتعرضت مصر لأزمة كبرى، ثقوا فى أنفسكم ودولتكم، ساعدوها بالنقد البناء والعمل واعطوا الناس رصيداً من الإطمئنان، لنمر بالوطن من أزمة مراهقة الداخل وترصد الخارج.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغدة تقلد المشاهير ?? وتكشف عن أجمل صفة بالشب الأردني ????


.. نجمات هوليوود يتألقن في كان • فرانس 24 / FRANCE 24




.. القوات الروسية تسيطر على بلدات في خاركيف وزابوريجيا وتصد هجو


.. صدمة في الجزائر.. العثور على شخص اختفى قبل 30 عاما | #منصات




.. على مدار 78 عاما.. تواريخ القمم العربية وأبرز القرارت الناتج