الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البيضة والحجر وصناعة الخرافة والإسطورة

حامد المسلمي

2016 / 3 / 10
الادب والفن


فيلم البيضة والحجر هو التعاون الرابع بين خمسة أعمال جمعت بين الثنائي السيناريست محمود أبوزيد والمخرج علي عبدالخالق، بدأت بـ العار 1982، الكيف 1985، جري الوحوش 1987، البيضة والحجر 1990، وأخيراً عتبة الستات 1995. والفيلم من بطولة النجم أحمد زكي ومعالي زايد وممدوح موافي ومحمود السباع وعبدالله مشرف وصبري عبدالمنعم وفؤاد خليل.
تقريباً يُعد أغرب ثنائي من ثنائيات صناع السينما مخرجين/مؤلفين، فأعمالهم تدور حول علاقة التشابك والتداخل بين العلم والدين والخرافة والأسطورة والأخلاق، أحياناً ينتصر للعلم علي الخرافة كما في فيلم عتبة الستات، وأحياناً ينتصر للدين علي العلم كما في جري الوحوش في تعطيل غريب للعلم والتطور، لكن في فيلمنا الأمر يختلف، فهو يناقش أسباب ظهور الخرافة والأسطورة، من الناس ومن الدجال أيضاً ولكنه يركز في الأحداث هنا علي الدجال وكيف يتحول الشخص العادي إلي دجال، ويربط أسباب الظهور بالمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والبيروقراطية في البلاد، علي عكس عتبة الستات التي ركز فيها علي كيف يتحول الإنسان المتعلم من مؤمن بالعلم، إلي اللجوء للخرافة.
• نبدأ الحدوتة من الأول؛
تدور أحداث الفيلم حول مستطاع مدرس الفلسفة الذي يحث الطلاب علي محاربة الغلاء والاستغلال بالاستغناء، ومع زيادة إيجار السكن يلجأ لتغيير محل إقامته، ليسكن في غرفة علي سطوح عمارة خلفاً لدجال، والتي يتوهم الجيران بأنه صاحب خطوة، ويتحول للتحقيق في عمله لإشتباه في نشاط شيوعي، ومن ثم لا يجد قوته، ويتحول للدجل بالصدفة والذكاء، وتتوالي الأحداث.
• المجتمع الضعيف واللجوء للخرافة
في حوار مستطاع مع وكيل النيابة في النهاية يوضح كيف يمكن صناعة الأسطورة والخرافة والإيمان بها كما يراها صانعو الفيلم؛
" – كل شئ أصبح مزيف؛ المبادئ، الأفكار، الناس، حتي نظريات العلم بيفتتها الشك وبتهدمها البحوث الجديدة كل يوم، الناس في حاجه ليقين، لحقيقة واحدة تكون ثابتة، ده اللي بيخليهم يؤمنوا بحجاب وتعويذة ودرويش أهبل يضحك عليهم.
- أفهم من كده إنك بتجهل المجتمع وبتتهمه بالجهل!
- لأ، بالضعف، الضعف اللي مبيفرقش بين جاهل ومتعلم، هما اللي بيخلقوا الدجال ويصنعوه بإرادتهم زي ما صنعوا من الحجر تمثال وعبدوه."
هنا يعرض الفيلم بوضوح بأن صناعة الخرافة والأسطورة لا تنبت إلا في البيئة الضعيفة، يؤمن الضعفاء بالسحر والأسطورة والخرافة كتعزية للنفس علي عدم قدرتهم علي حل مشكلاتهم وذلك بسبب العجز والضعف العقلي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو أي من أسباب العجز، فيذهبوا بمحض إرداتهم إلي الدجالين والمشعوذين، ففي حالة الضعف يتساوي الجاهل والمتعلم، كما في حالة الخوف الكل يتساوي.
الضعفاء دائماً يخشوا الاختيار والمجهول والمغامرة، لذا يستمسكوا بأمل زائف وأن هناك قوة "الخرافة والأسطورة" أكبر منهم تساندهم وتختار لهم وفق رؤية هذه القوة الموسوعية للأشياء والأحداث وعلمها بالمستقبل.
• صرخة وتحذير
أما الصرخة فكانت علي الأوضاع المقلوبة في بلادنا، فهذا المُعلم النزيه يُحارب من الجميع لأنه يعلم التلاميذ علمٌ حقيقي، وينتصر عليه مجموعة من المرتزقة في شكل مُعلمين، كما تبعها الفيلم بتحذير واضح نتيجة لهذا الظلم في جملة وردت علي لسان مستطاع يقول فيها "ويلٌ لعالَم إذا انحرف المتعلمون، وتبهيظ الممثقفون" في هذه الجملة تحذيراً واضحاً للدولة ككيان ولبقاؤها، فالفيلسوف الذكي عندما يلعب علي حاجة الناس، سيكون أكثر ذكاء وحرص من أي دجال جاهل، واتضحت هذه الفكرة بشكل أكبر في مسلسل خطوط حمراء لأحمد السقا عندما كان ضابط شرطة وتحول لتاجر سلاح، فأصبح أكبر تاجر سلاح كما تحول إلي صيدٍ صعبٍ علي الشرطة، لأنه أعلم بطريقتها في تتبع المجرمين، فكان دائماً ما يحتاط، وكذلك تحول مستطاع.
• فلسفة إسم الفيلم
من الواضح جداً أن إسم الفيلم مأخوذ من المثل الشعبي المصري "بيلعب بالبيضة والحجر" وهنا يحتمل هذا الأسم عدة تفسيرات وكلها تحمل معاني جائزة؛
- اللي بيلعب بالبيضة والحجر لازم يكون فهلوي "وحلانجي" لأن البيضة رقيقة الجدار ويمكن أن تنكسر بسهولة وخاصةً إذا ما كان اللعب بها يكون مع الحجر بصلابته، فتصبح المغامرة أكبر وتحتاج إلي مهارة وفهلوة عالية جداً لإبقاء اللعب مستمر والمحافظة علي البيضة سليمة والحجر باليد.
- أو هذا الذي يستيطع اللعب بالبيضة "قوت الناس" والحجر "التاريخ والحضارة والثقافة"، وهذا يتطلب دائماً توفير الحد الأدني من احتياجاتهم حتي لا تقوم الثورة في لحظات ضده، وأن يبقيهم دائماً مغيبين بتجهيلهم وتخويفهم منه.
- أو هذا الذي يدير الأمر من خلف ستار ويمسك بخيوط اللعبة العصا والجزرة أو الترغيب والترهيب، البيضة ليأكل أو الحجر ليضرب به، أن أنفعك بدجلي وسحري أو أسخطك بهما.
فالأسم يحتمل تأويلات عديدة وإن كنت أرجح الدارج منها والتي تعني الفهلوة، ولكن هنا مستطاع لم يكن فهلوي عادي، فهو الفيلسوف الذكي الذي يدرك بأن تجارته مع الناس ببيع الأمل لهم، وتخويفهم منه في نفس الوقت.
• الأسماء والقوة والصلاح
وكعادة محمود أبوزيد يختار أسماء شخصياته بعنايه لتعبر عن الشخصية بقوة؛
- مُستطاع هذا الأسم الذي يوحي بالقدرة علي الإنجاز ولكنه محدود أيضاً وفق القدرة والتحدي.
- صالح/عبدالغني ناصر هذا المسؤول الذي أُبعد عن السلطة لصلاحه
- جاسر صهوان/أحمد توفيق الذي وصل السلطة بجسارته وقوته، كما أن تابعه أسمه نشار في إشارة واضحة للبتر.
- ولكن أهم ما في إشارات الأسماء هي علاقتها بالخرافة وقوة الإيمان والاستغلال لها، فكان هذا الــ "صالح" مؤمن بقوة الخرافة والأسطورة وقدرة الدجال، أما هذا الــ "جاسر" فكان يُريد استغلالها فقط للتثبيت، لكنه لا يعترف إلا بالقوة والجسارة، حتي عندما شكك بأن هذا الدجال/الولي متأمر مع غريمه صالح، هو يدرك من جوهره بأنه ليس بصاحب كرامه وليس أكثر من دجال، ولكنه كان في موقف ضعف إنساني ويريد التعلق "بقشايه"، ولكن مع التفكير البيسط أدراك أنه ما كان يريد سوي إستغلال الدجال، وزج به إلي السجن، فلو كان يعتقد بقدرته ما عاداه أبداً وزج به للسجن، ولحاول إستمالته إليه.
- فالصالح يعتقد بقدرة الدجال، والفاسد كذلك يعتقد بوجوده ولكنه يريد فقط أن يوظفه لصالحه، ولكنه لا يعتقد بقوته وإلا لكان أتقي شره.
- كيف تكون العلاقة بين المسؤول الصالح والمؤمن بالدجل وقدرته، وهذا المسؤول الجاسر الذي يستغل الدجل، أحدهما يعطل العلم بناء علي اعتقاد راسخ، والأخر يعطله لأنه يستغل الدجال في توطيد سلطته، وكلاهما يضر العلم والمجتمع.
• برجماتية الأتباع
شخصية عبدالله مشرف، هذا التابع البرجماتي الذي يعمل مع الكل وضد الكل، مصلحته وفقط، وهذا حال كثيراً من أتباع الدجالين، لا يكون وجودهم خلفهم عن إيمان بقدرتهم ولكن للمنفعه وفقط.
• رسالة الفيلم الفردية (وإن حملت بعداً علي مستوي المجتمع ككل)
كل رسائل الفيلم كانت علي المستوي المجتمع ككل، إلا رسالة واحدة بروزتها الأحداث ومقولة مستطاع كانت فردية رغم أنها تحمل بعد مجتمعي "زمان كنت بتحكم في شهواتي ورغباتي بالإستغناء، دلوقتي هما اللي بيتحكموا فيا بالغني"
- في هذه الجملة مستطاع الذي يتحكم في شهواته ورغباته بالإستغناء، ليس لأنه فقير فقط، ولكن لأنه كان صاحب مبدأ بعدم استغلال الناس اقتصادياً أو علمياً، فلما انهار هذا المبدأ، انطلقت شهواته ورغباته لتقضي عليه وتكون هي المفترس الأول له بالغني.
- صاحب المبدأ لا يتكبر ويتعالي علي الجميع، لذلك يرفض هذا المتعالي/الدجال أن يذهب للطبيب قائلاً "أنا اللي بعالج الدكاتره"
• المشهد الأخير واستمرار المجتمع الضعيف
يحمل هذا المشهد دلاله واضحه علي استمرار ضعف المجتمع، فرغم اعترافه بأنه دجال، إلا أنهم يريدوه كما كان دجال، وخاصةً مع إيمان السلطة بقدراته، فكانت العودة محسومة، ولكن في عودته إشارة أخري، بأن السلطة قادرة حقاً علي محاربة الدجل والشعوذة والسحر، ولكنها لا تريد إما إيماناً أو استغلالاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب