الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دروس ثورة منتصرة

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2016 / 3 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


دروس ثورة منتصرة
د. جاسم الصفار
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، أصبح متاحا الاطلاع على حقائق التاريخ ووثائقه الاصلية ففقدت مصداقيتها أطنان من الكتابات المظللة التي خلقت وعيا ومعايير معرفية لا تربطها مع الواقع سوى قدرة السلطة السوفيتية على تسويق سياستها ورغباتها ورؤياها على انها هي الواقع. وهذا بالمناسبة ليس بجديد، فقد ظللت كل السلطات العقائدية الدينية والدنيوية شعوبها وشعوب الارض كلها بإحلال القراءة التي ترغب بها للأحداث التاريخية محل مجريات التاريخ الحقيقية.
ففي وعي اغلب اليساريين والاشتراكيين اليوم ترسخ وصف المفكر الاشتراكي الكبير كارل كاوتسكي "بالمرتد"، وفقا لما كتبه الزعيم البلشفي فلاديمير اليج اوليانوف (لينين)، كما ترسخ فهم التحالف الاساس للطبقات الطليعية في اي مجتمع على انه تحالف "سرمدي" بين العمال والفلاحين واصبح المنجل والمطرقة شعارا امميا يرفعه الشيوعيون ويزينون به صفحاتهم اينما كانوا وفي اي زمان وجدوا، على خلاف الرؤيا الماركسية للتحالفات الاجتماعية والسياسية. أما المناشفة فقد حلت عليهم لعنة اشتراكيو الاممية الثالثة واستحقوا شتائم كل منتسبي الاحزاب المنضوية تحت راية الاممية الثالثة، مع ان المناشفة كانوا اكثر امانة والتزاما جدليا بالماركسية من البلاشفة في الحزب الاشتراكي الديمقراطي العمالي الروسي.
وستكون وقفتي هنا مع الفهم الخاطئ لنتائج ثورة 1905 في روسيا، والتي جهد الاعلام السوفيتي على ترسيخ التصنيف البلشفي لها على انها ثورة منكوبة وفاشلة، في عقول الاشتراكيين في كل انحاء العالم، مع انها كانت قد استوفت كل اهدافها وخلقت ارضية صلبة للتطور الاقتصادي والاجتماعي على اساس العدالة الاجتماعية والديمقراطية السياسية في روسيا القيصرية، والأهم، انها صنعت ايمانا عميقا لدى الجماهير بقدرتها على التغيير.
ففي يوم احد، في التاسع من يناير/كانون الثاني عام 1905، أطلق جندرمة النظام القيصري النار على المتظاهرين العزل في بيتربورغ عاصمة روسيا القيصرية، وأثارت هذه الحادثة التي عرفت فيما بعد "بالأحد الدامي"، ردود فعل شعبية غاضبة في كل انحاء روسيا القيصرية، شاركت فيها أكبر الاحزاب الروسية على اختلاف اتجاهاتها، اضافة للاتحادات والنقابات العمالية والمهنية، لتصبح بداية لثورة شعبية عظيمة، امتدت احداثها حتى عام 1907.
بدأت الثورة بإضرابات عمالية، انتشرت في معظم المدن الروسية، رافقتها اضطرابات في الجيش والقوات البحرية الروسية. تصاعدت بعدها نشاطات جماهيرية نظمتها اتحادات العمال والطليعة المثقفة في روسيا، واعلن العصيان في بعض قطع الاسطول البحري الروسي لتصل الثورة الى ذروتها في خريف عام 1905 بإضراب عام اعلنته في البداية نقابة عمال المطابع وتضامنت معها الاتحادات والنقابات العمالية والمهنية الاخرى. اضطر قيصر روسيا على اثرها اعلان اصلاحات جذرية في النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، تنازل بموجبها عن سلطته المطلقة في ادارة شؤون روسيا واطلق الحريات السياسية وحرية التجمع وحرية الرأي والنشر والاقتراع العام لإنشاء مجلس برلمان (دوما) لروسيا.
تبعا لذلك تباينت ردود فعل الاحزاب السياسية الروسية، فكان موقف الاحزاب والقوى السياسية والنقابية الممثلة للبرجوازية الروسية مثل "اتحاد 17 اكتوبر" و "الحزب الدستوري الديمقراطي (الكاديت)" اضافة الى ممثلي الطبقة العاملة " الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي- المناشفة" وممثلي البرجوازية الصغيرة "ألاشتراكيين الثوريين-اسيري" ونقابات العمال الرئيسية في روسيا، أنها اعلنت في بيانات رسمية لها، ان الثورة الشعبية قد حققت اهدافها وما عليها بعد ذلك الا المساهمة في انجاز الاصلاحات وتطويرها في المرحلة الحالية والاستعداد لتوظيف ما حققته الثورة من انجازات من اجل خلق ظروف ومتطلبات تطور ثوري لاحق.
أما البلاشفة (الجناح المتطرف في الحزب الاشتراكي الديمقراطي العمالي الروسي) الذي كان هدفه، منذ بداية الثورة، اسقاط الحكم القيصري القائم في روسيا واستلام السلطة، فلم تقنعهم فكرة الثورة على مراحل، التي تبناها المناشفة، كما انهم لم يعترفوا اساسا بفكرة ان الثورة تتطلب توفر حالة ثورية مؤسسة على طبيعة التطور الاقتصادي والاجتماعي. لذا قام البلاشفة بالتحريض على قتال شوارع اشتعلت نيرانه، في شهر ديسمبر/كانون الاول، في بعض مناطق موسكو التي كان لهم نفوذ كبير فيها.
الا ان اصدار القيصر في 11 ديسمبر/كانون الاول للائحة تنظيم الانتخابات البرلمانية التأسيسية لأول سلطة تشريعية في روسيا القيصرية، وشروع القوى السياسية بالتهيؤ للحملة الانتخابية، كان لها اثر كبير في تهدئة الحماس الثوري عند جماهير البلاشفة المندفعين وراء شعارات ثورية مصاغة على مبدأ "اما كل شيء او لا شيء".
حققت ثورة 1905 في حدود كونها ثورة برجوازية ديمقراطية انجازات كبيرة في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فحصلت الاحزاب السياسية على حق النشاط والدعاية وتنظيم الاجتماعات وتنظيم المسيرات وغيرها من الفعاليات، وتحسن وضع الفلاحين الذين حصلوا على حقوق اجتماعية كانوا محرومين منها كحرية التنقل والاقامة، واكتسبت اتحادات ونقابات العمال شرعيتها، وتحقق حلم عمال المصانع وجميع المؤسسات الانتاجية بتقليص عدد ساعات العمل اليومي اضافة الى حق المشاركة في الانتخابات.
وأهم ما في تلك الانجازات هو انها فتحت الطريق لتغير في وعي الناس، كان له الاثر الكبير في نضج الوعي الثوري واتساع قاعدة الحركة الاشتراكية في روسيا، اضافة لما خلقته تلك الانجازات من ظروف جادة وممهدات اساسية للتطور الاقتصادي الاجتماعي اللاحق. ففي الوقت الذي شغل فيه ممثلي الكاديت (الحزب الدستوري الديمقراطي) أغلب مقاعد البرلمان الروسي (مجلس الدوما) في اول تشكيلة له، حصل الاشتراكيون على الاغلبية في تشكيلاته اللاحقة.
واخيرا، فان التاريخ دروس وعبر، يسلم لدعاة التغيير الديمقراطي في بلادنا، مفاتيح ادارة التحركات الشعبية من اجل رفع مستوى الوعي الثوري عند جماهير لا تملك اليوم سوى رغبات بالتغيير الذي يضمن لها حياة كريمة مطمئنة، لن تتحقق دون تعديل دستوري يقضي على نظام المحاصصة الاثنية والطائفية ويفتح الطريق نحو افاق تطور اوسع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ولي العهد السعودي بحث مع سوليفان الصيغة شبه النهائية لمشروعا


.. سوليفان يبحث في تل أبيب تطورات الحرب في غزة ومواقف حكومة نتن




.. تسيير سفن مساعدات من لارنكا إلى غزة بعد تدشين الرصيف الأميرك


.. تقدم- و -حركة تحرير السودان- توقعان إعلاناً يدعو لوقف الحرب




.. حدة الخلافات تتصاعد داخل حكومة الحرب الإسرائيلية وغانتس يهدد