الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات على هامش الثورة ..

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2016 / 3 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


ما من طامةٍ أعظم، من حالٍ تثور فيه الشعوب المُتخلفة على انظمة استبدادية أو شمولية قامعة، وهي لا تملك أية قيادات سياسية أو نُخبٍ مثقفة واعية للواقع وأحواله، أو حتى قاماتٍ فكرية سامقة في الإخلاص للحقيقة عن علم ..
يمكنها من أن تكشف للجماهير في الوقت المناسب عن عواقب الفعل الثوري ، وتُبيَّن لأجيالها المثالب فيه .. أو أن تضطلع بدور ترشد فيه الشعوب الثائرة إلى الطريق الأقوم، لترسم لها خطوات التغيير إلى الأفضل ضمن الصالح العام للمجتمع ككل..
أو تضع لها الأمثلة الأخلاقية والوطنية العليا ، التي يجب أن تجتمع عليها الجماهير أثناء فوضى التغيير وتراجع القيم وإنزواء الضمير الجمعي ، و حين تشتد حماسة التجديد وحين يأتي أوان التدمير الثوري ، الذي لا يمكن له أن يبدأ من تلقاء نفسه ، كما لا يمكن أن يخلو من الشر مهما كان نقياً في غاياته أو نبيلاً في وسائله ..
ويتأتى لزوم وجود تلك الصفوة الإجتماعية والفكرية، من الأهمية القصوى لوجود مرجعية ذات ثقة حقيقية من قبل الجماهير ، وهي الثقة التي ستكون بمثابة صمام الأمان الأخلاقي والإجتماعي، أوان إنفلاش عقال الدهماء .. فتقوم بمنعها من الانحراف الى الغضب المفرط او الإنجرار الى التدمير الأعمى لكل بنى الدولة والمجتمع ..
وهي – أي النخب الثقافية والسياسية - تعتبر الجهة المُعوّل عليها في ضبط مسار السلوك الثوري الأهوج للدهماء الغاضبة ، وتعمل على تحديد الأهداف الثورية المعقولة، والعمل على منع شططها إلى حيز غير المستطاع ، و الذي قد يبدأ من خلال الدعوة إلى الإصلاح ، ثم سرعان ما يتحول إلى الإنقلاب على الأوضاع الظالمة للمواطنين ، ثم يتطور إلى الدعوة إلى قلب كل أسس العقد الإجتماعي ، وسحق إحدى فئاته ومكوناته .. ثم الوصول إلى دَكِّ أو هدم كل مكتسبات الوطن وتفتيتها ..
و من المؤلم جداً إدراك ، أن هذه الشعوب الغارقة في التخلف ، والتي لا رأس لها سوى الهوى الديني ، تثور وهي مخدرة تماماً بنشوى الماضي التليد ، فلا ترى سوى هدف التغيير الكلي والفوري وحسب، دون أي إدراك للواقع وإمكانياته الموضوعية ..
وهي تؤمن بسذاحة بالغة ، بالسبب الواحد والحل الواحد ، و بأن البلاء كله ينحصر في شخص وأن الشفاء كله في زوال هذا الشخص ..
الفردوس كله بالنسبة لها سيكون في عبارة تبدأ دائماً ب فقط لو ..
( فقط لو يرحل هذا الديكتاتور صدام فسيصبح العراق جنة الديمقراطية..
فقط لو يسقط الديكتاتور معمر القذافي فستصبح ليبيا جنة الحريات
فقط لو يذهب علي عبد الله صالح فسيصبح اليمن سعيداً وجنة المدنية.. فقط لو ..)
ومع كل هذا الوضع ، و بسبب هوى الانفعال وعلو صياح الجهل والجهال ، واستحكام العواطف الدينية على الحال والمقال ، يأتي بروز بعض الإمعات والشخصيات الهشة اثناء الحراك الثوري ، من شخصيات نكرة تمتطي الإعلام ، وتنصب من نفسها قادة وثوار على الأنام ، وتسعى جاهدة أن تلبس لبوس النخبة ... فتدعي أنها تشعر بألام الناس بكل اهتمام ومحبة .. وتحاول أن تفاوض بإسمهم وتحتكر المساومة على مصابهم ، فترفع شعاراتهم النبيلة وتردد مطالبهم ، وتشرح مظالمهم ، وهي في الحقيقة ، مجرد عصبة ديكتاتورية أخرى، كذوبة لا ترى أبعد من جيوبها ..
وحتى أن أرادت الجماهير الثائرة ، التي لا حول لها ولا قوة ، العودة إلى الوضع السابق فلن يُسمح لها أحد ، لأن المستفيدون أصبحوا كثر ..
و كما يقال في الأمثال : العزاء الذي يقدم الطعام يتمناه جميع الجوعى أن يطول ..
وتستمر المأساة وأغلب الناس في حيرة مما يجري، فلا هي تهتدي إلى طريق حلٍ أو إجماعٍ على كلمة ، سواء في إصلاح حالها أو رفع مظلمة عن غيرها..ولا هي قادرة على العودة إلى حظيرة الديكتاتورية مجدداً، ولاهي تمتلك أيّ قوة تفرض بها واقعا جديد بخلصها مما هي فيه، أو ينقلها من الحال المُزري الذي أصبحت عليه .. أو يحررها من الشرك الثوري الذي أوقعت نفسها فيه ..
و مع دوام اشتداد الآلام ووطأة القهر على الناس ، تنقلب حالة الإحباط الشديد عندهم إلى عنف أعمى ومتطرف، فيلجأوون إلى التفكير جدياً في إعتماد ما يسمى بالثورة الشمشونية، التي تنشد الخراب على الجميع .. فيكون التطرف سيد الموقف.. ويصبح للتعصب الديني والطائفي الكلمة العليا ..
والغريب أنه ما من شعب مُتخلف ثار على مستبدٍ، إلا واكتشف لاحقاً ، أن المستبد كان يعيش رغده في أعماق كل فرد من أفراده، وربما أحياناً بنسخٍ مشوهةٍ ومرعبةٍ أكثر من المستبد المثال .. إلى درجة أن كثيراً ما يترحم الناس على الجلاد الأصل ، خاصة عندما يكتشفون متأخرين
أن من أسوء خصال الأنظمة الشمولية الأستبدادية، قدرتها الرهيبة على استنساخ ذاتها في ضحاياها وبشكل مريع وبشع ..
و ما بين جهل هذا الشعب وصلف ذاك الحاكم ، غالباً ، ما تضيع البلدان وتتفتت الأوطان وتتشظى المجتمعات.. فتضمحل دورة التقدم الاجتماعي الهشة ، التي كانت تتوارى خلفها كل عيوب العقد الإجتماعيٍ المزعوم بين أطراف المجتمع، وتذوب تلك الجماعة أو دائرة الدولة ، لصالح دوائر ومصالح مجتمعات وجهات أخرى، عادةٍ مايكون لها اليد الطولى في كل ما حدث ويحدث .. وهي التي تسمى في الإعلام دوائر القرار الحقيقية والفاعلة..









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على حلبة فورمولا 1.. علماء يستبدلون السائقين بالذكاء الاصطنا


.. حرب غزة.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطة بايدن والمقترح ا




.. اجتماع مصري أميركي إسرائيلي في القاهرة اليوم لبحث إعادة تشغي


.. زيلينسكي يتهم الصين بالضغط على الدول الأخرى لعدم حضور قمة ال




.. أضرار بمول تجاري في كريات شمونة بالجليل نتيجة سقوط صاروخ أطل