الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تلك الرسائل ما أروعها

الطيب طهوري

2016 / 3 / 11
الادب والفن


قصة فصيرة

رسائل كثيرة تصلني هذه الأيام من أماكن ودول مختلفة، تتربع على مكتبي ومائدة طعامي، وعلى السرير حيث انام أيضا، وفي كل زوايا البيت.. على الأغلفة اسمي وعنواني .. لكنني ما إن أفتحها حتى أفاجأ بحروف اسم شخص آخر يمعن النظر في ملامحي ، ويقول بعد أن تشتد حيرتي: أنا أحمد محمد عز التاج..
أقرأ أحيانا.. وأرميها أحيانا أخرى..
الإسم عز التاج.. ليس غريبا علي .. ليس غريبا أبدا..
أعود إلى الرسائل.. أخرجها من أغلفتها.. أكومها أمامي على السرير تارة..وعلى المكتب أو مائدة الأكل تارة أخرى..
أقرأ.. كلام كثير لا علاقة لي به.. ولا علاقة له بي..أرى صور أناس لا أعرفهم .. بقولون إنهم أقربائي..يذكِّرونني بأيام وسنوات جميلة مضت.. ممتعة.. هكذا يصفونها.. يقولون إنهم قضوها معي .. وأماكن متعددة يسترسلون في وصف جمالها .. يدَّعون أنهم عاشوا وإياي فيها.. يكتبون: هذه صور أطفالنا ألحوا علينا لإرسالها إليك.. إنهم فخورون بك .. يقرأون بنهم قصصك وأشعارك .. يتسابقون إلى سماع صوتك في مختلف الإذاعات ، ويشاهدونك في شتى القنوات التلفزية ، ويحفظون الكثير الكثير مما كتبت..
أحس بشوق جارف إليهم ، أحن بعمق إلى أطفالهم .. أضع بعض صورهم تحت مخدتي حين أنام، وما إن أستيقظ ، وفي أي وقت ، حتى أبادر إلى إخراجها والنظر فيها ، وأزداد شوقا وحنينا إليهم أكثر..
رسائل أخرى تصلني من مؤسسات متعددة: مؤسسة الماء.. شركة الكهرباء والغاز.. مؤسسة الهاتف..و.. أقرأ حسابات مبالغ يطلبون مني دفعها ، وتذكيرات بوجوب دفع مبالغ قديمة لم أدفعها .. ويفاجئني الإسم : أحمد محمد عز التاج أيضا..
لا أناقش.. كأن رِجلا خفية تجرني إلى هناك..أدفع المبالغ بكل رحابة صدر.. وأعود..
أغلفة الرسائل لي ، وفي الداخل يتربع شخص آخر.. يفرك أصابعه.. يطيل النظر في عيني.. يقول إنه أحمد محمد عز التاج..
أحتار.. ماذا أفعل بتلك الرسائل؟.. هل أرسلها إليه..؟ وكيف أرسلها؟ .. لا أعرف عنوانه، ولا الطريق إليه .. أقرأ أشعاره وقصصه ومقالاته كما يقرأها الآخرون .. يعجبني بعضها .. ولا يعجبني البعض الآخر .. لكنني أقرأها .. أقرأ صمته وأساه، وأسمع صوته البعيد يجرني إلى الداخل.. أفرح أحيانا.. وأحزن أحيانا أخرى .. أراه قبالتي يقرأ أو يأكل.. يشرب أو ينام .. يكتب أو يتهجى غيبته..
أعيدها إلى أهلها..؟ ماذا أقول لهم..؟
أفرح وأحزن.. وأشتاق أيضا..
الأماكن التي يذكرونها تلهب مشاعري ، والوجوه التي أراها في الصور تملأني حنينا إلى أصحابها ..
صارت الرسائل تلك لذتي ومتاعي.. أحمل الكثير منها في جيوبي حيث أتوجه.. أقرأ بعضها في الحدائق العمومية، وبعضها الآخر في الحافلات..
حين أسير في الشوارع أرى أناسا كثيرين يحيونني .. أعرف البعض منهم ولا اعرف معظمهم.. يسألونني أيضا: كيف الحال؟..
يقول بعضهم: لم نرك منذ مدة..
ويقول آخرون: لم نعد نقرأ كتاباتك.. لماذا؟ ..أين أنت؟
أبتسم لهم، وألمس الرسائل في جيوبي.. وأواصل سيري..
أدخل السوق.. يفاجئني أحدهم: ها أنت ..أخيرا أجدك..أين أشعارك التي كنت تلهب بها مشاعرنا يا رجل..؟ أين قصصك التي كنت ترمينا في خيال عالمها وتتركنا مشدوهين..أين؟ ...
أبتسم له أيضا، وأضم الرسائل إلى جسدي..
يشد آخر على يدي.. متى عدت؟ البارحة فقط رأيناك على الشاشة العربستانية تقرأ تقرير لجنة الإشراف على مسابقة شعرية عربية.. متى عدت؟..
أقول مستغربا: لست أنا .. بالتأكيد هو شخص آخر يشبهني..
يؤكد أنه رآني..أضم الرسائل إلي أكثر..
يقسم أنني أنا.. يقول: إنك أنت بشحمك ولحمك.. ثم يتأمل ملابسي ويضيف: وملابسك أيضا.. نفس الصوت.. نفس الحركات والنظرات.. ونفس الملابس .. ألا أعرفك..؟
يقول ثالث: إنك أنت هو..فقط، شفتك السفلى كانت مرتخية بعض الشيئ خلافا لما هي عليه اليوم..ويضحك..
أقسم لهم بأنني لست هو..ويقسمون بأنني هو ذلك الشخص الذي رأوه..
ألمس الرسائل مرة أخرى.. أطمئن إلى أنها معي..
أسرع الخطى.. أدخل المنزل..أراه يحدق في الجيوب حيث الرسائل.. وفي الصمت حيث أسير..
أجلس.. يجلس..أخرج الصور من تحت المخدة.. يخرج الصور..
أفتح شاشة التلفزة أراه أيضا.. إنه أنا فعلا.. بشحمي ولحمي.. وملابسي أيضا.. أسمع نفس صوتي ، وتعانقني نفس أشعاري وقصصي.. وأرى أماكن لا أعرفها.. لا أتذكر إطلاقا أنني ذهبت إليها، أو قرأت أشعاري وقصصي هناك.. فيها..
حين يقدمونه يذكرون اسمه، وبتلذذ عجيب .. يقولون: الشاعر والقاص الكبير أحمد محمد عز التاج.. تشرفنا استضافته الليلة.. و..
من هو؟.. من أنا؟..
تشتد حيرتي.. والرسائل تصلني.. باستمرار تتدفق.. في كل مكان أراها.. باستمرار أملأ جيوبي.. وأخرج..
تخبرني زميلتي التي تزورني من حين إلى آخر في المنزل الذي أقيم فيه وحدي أنها أعطت عنواني لصديقة عربستانية تؤكد أنها تحمل نفس لقبي..
أنذكر اسمها.. أتذكر أن بعض الرسائل قد وصلتني فعلا من تلك التي تذكر اسمها ..
حين أراها مكدسة تخطر ببالي فكرة حرقها أو تغيير مقر إقامتي.. تمتد يداي إليها.. أتحسس علبة الكبريت في جيبي .. وحين أهم يخطف العلبة من يدي .. ويرميها ..
أعيد الرسائل إلى أماكنها.. أحضنها بعمق.. أتشمم رائحتها..
إنها لذتي ومتاعي.. تملأني شوقا إلى أماكن يذكرونها.. وحنينا جارفا إلى وجوه لا أعرف أصحابها..
أغلق الباب وأخرج .. الدموع تتعانق في الداخل.. والأفق صدى..
يحضنني الشارع أيضا..
يحيونني.. أناس أعرفهم.. وآخرون لا أعرف..
رأيناك البارحة.. سمعنا صوتك.. كنت رائعا.. قصائدك ألهبت مشاعرنا.. قصصك رحلت بنا إلى هناك.. بعيدا..
ذكرتنا بأيام طفولتنا.. أدخلتنا عالم روعة خيالك..
... ها قد عدت من جديد..
أقول للبعض: لكنني لست أنا..
وأقول للبعض الآخر مؤكدا: والله ما خرجت البارحة من المنزل..
والرسائل تتدفق باستمرار..
أماكن لا اعرفها.. بلدان لم أزرها أبدا .. ولم تزرني..
يلعنون الزمن الذي باعد بيننا..
يحرصون كثيرا على أن أعرف أطفالهم ولو في الصور..
يقترحون علي زيارتهم حيث يتواجدون..
يرددون دوما: إنك جامع شملنا، ومعيدنا إلى أماكن طفولتنا ومرابع صبانا..
يزداد شوقي إلى تلك الأماكن التي لا أعرفها.. وأمتلئ بالحنين أكثر إلى تلك الوجوه التي لا أعرف أصحابها..
هل أحرقها؟.. هل أغير مكان إقامتي؟..
ويجيبني صوت الداخل: إنها لذتي ومتاعي..
... تلك الرسائل .. ما أروعها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لعبنا BOX ON ?? مع الفنانة هنادي مهنا وجاوبت على شوية رسايل


.. ماريان خوري المديرة الفنية لمهرجان الجونة :اشتغلنا لمدة سنة




.. لعبة BOX ON ?? مع الفنانة أروى جودة وكشفتلنا عن شوية أسرار ف


.. الفنان المصرى الشاب يايا حمزة: حضرت مهرجانات كتير لكن مفيش ح




.. نجم ليفربول وريال مدريد يشارك في فيلم الحريفة 2