الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القصة القصيرة برائحة العطر

محمد يوب

2016 / 3 / 11
الادب والفن


كنت اليوم على موعد مع معزوفة قصصية قصيرة؛ هي (سيمفونية النوارس) للقاص المغربي محمد معتصم؛ شدتني جملها القصصية القصيرة التي استطاع القاص من خلالها التقاط كمّ هائل من الأوصاف في قليل من الكلمات؛ بحرفية متمرس يعرف كيفية انتقاء الكلمة المناسبة للمشهد القصصي المناسب؛ بطريقة متناغمة فيها حضور الذات القاصة المرهفة والعقل المبطن الذي يهتدي إلى المعنى ويقدمه للقارئ في طبق قصصي يشد اهتمامه ويحثه على الاستمرار في عقدِ القراءة إلى نهاياة القصة؛ حيث المفاجأة الصادمة التي تخذل القارئ بنهاية وتوقعات معاكسة .
إن مجمل القصص التي تحتويها (سيمفونية النوارس) تستقي أحداثها من الواقع المعيش وتتغذى من المحيط الذي يتحرك فيه القاص وعشاق السرد القصصي.؛ اختمرت في ذهنه ثم نقلها أدبا؛ بلغة تتراقص على حبلين متوازيين؛ حبل اللغة الشعرية المرهفة وحبل السرد القصصي الذي يستميل شهوة القارئ ويدفعه إلى الوقوع في شباك الأحداث ويعيش معه لحظات يتقاسمها القاص مع قرائه ومع شخصياته .
كما أن الأفضية التي تشهد أحداث القصص هي أفضية يطغى عليها زرقة البحر ونسيم هوائه وتأثيثه بالنوارس التي ترفرف عاليا في سماء مدينة الصويرة المغربية (مزق فستانها الأزرق)ص20 (يرسل خيوطه الحريرية الزرقاء)ص37؛ وللزرقة دلالتها وهي حب الحياة وحب الناس.
كما سيطرت المرأة على مساحة كبيرة من فضاء المجموعة القصصية؛ بالتزامها بوعودها كما في قصة (شيء لم يكتب) أو بقتلها في مخيال البطل كما في قصة (geste de parfum) التي انتهت نهاية مختلفة لمجريات أحداثها (ثم وهي تغادر؛ تقول له: شكرا على الرفقة الطيبة) لأنهما كانا يجلسان في مكان واحد في القطار فأخذته رائحة العطر إلى التفكير في سيناريوهات مرعبة.
صحيح إن أهم ما في القصة القصيرة شخصياتها لكن أحيانا تكون الشخوص المساعدة على تأثيث فضاء القصة القصيرة؛ أبطال فاعلة لا تستقيم القصة بدونها؛ حيث يخيل إلينا ونحن نقرأ (سيمفونية النوارس) وكأنها قصصٌ بطلها الرئيس رائحة العطر التي تكررت مرات عديدة بشكل مقصود إلى درجة أن الشخصيات القصصية باتت تعرف من رائحتها التي تميزها عن غيرها؛ إلى درجة أن القارئ وهو يقرأ القصص المشكلة للمجموعة القصصية يقف مليا على تكرار رائحة العطر ويتمعن فيه جليا لحظات قبل القفز إلى تتبع مشاهد أخرى قصصية؛ وكأن القارئ يقرأ قصصا مبللة برائحة العطر.
وفي الأخير نتساءل مع القاص محمد معتصم هل المجموعة القصصية تدخل في إطار القصة القصيرة؛ أم في إطار القصة القصيرة جدا على اعتبار أنه في نهاية كل قصة يكون حريصا على أن تكون نهايتها بقفلة صادمة مدهشة توقظ القارئ من سبات ملل القراءة؟؟
قد نختلف وقد نتفق في تحديد طبيعة السرد في سيمفونية النوارس لكن تبقى المجموعة القصصية لها نكهتها وقيمتها في عالم السرد القصصي ونقلة نوعية تستحق القراءة.
محمد يوب
ناقد أدبي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام


.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد




.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش


.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??




.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??