الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصائد من ديواني الرابع -ألحان القيثارة السومرية-

جواد وادي

2016 / 3 / 12
الادب والفن


أبيْ

بوجهٍ متغضنٍ
لاحَ لي من بعيدْ
ما جالَ ببالي يوماً
أنْ ألتقيهِ ثانيةً
بعد مداراتِ الغيابْ
كان يحرثُ الوقتَ
كيْ يؤثثَ ليْ
ملاذاً بقلبهِ المتعبْ
كلما اقتربتُ منهُ
تضيقُ بيَ العبراتُ
وحينَ اوشكتُ
للامساكِ به
لم اجدْ بيدي
غير عباءةٍ رمداءَ
تركها ليَ بوصيةٍ منهُ*.
..
*حدث هذا فعلا.

اعترافْ

كمْ أنا نادرٌ في التشفيْ
أعبثُ بكلِ الأشياءِ الجميلةِ
أستبقُ الإشاراتِ البعيدةِ وحتى الأحاسيسَ
أتلقفُ المعنى من همسِ الشفاهِ
أحيلُ نفَسيْ لدعاباتٍ رغمَ مواجعِها الكثيرةِ
أتكئُ على مساراتٍ لا مستقرَ لها
ولا معنى يحاكيها
ألتقطُ الهمساتِ من وداعةِ العيونِ
تتسعُ الأجسادُ أمامي
مثلما الأسّرة القديمةْ
النصالُ مشرعةٌ نحوي
وأنا لم أبرحْ عن مملكتي
قيدَ رغبةْ
وكأنني أنا الوحيدُ
في هذا الموجِ الآدميّ العتّيِ
أقسمتُ ألا أبوحَ بسريْ
أقسمتُ أن أظلَ مشاكساً مع نفسي
أقسمتُ أن أحفلَ بكلِ الأمكنةِ
لئلا يقودني هذا الجدبُ لفوضى أكرهُها
الفرجةُ عندي مع الفراشاتِ
هي سلوتي المبتغاةْ
لأظلَ هكذا على قيدِ المسراتِ
كمْ حاولتُ أن أستنطقَ المستحيلَ
لا أعرفُ كيفْ؟
لكنني قريبٌ مني
دفنتُ مآلي في خبايا الأسرارِ
كيْ لا يصلَ إليه ذوو الهمسِ القريبِ
أتلفّتُ كل ملفاتي القديمةِ
إلا واحداً
خبأتُه بأهدابي لئلا يصلهُ الساعونَ لحتفيْ
غسلتُ أدرانيْ
وعدتُ أنصعَ من بياضِ أجسادِ الملائكةِ البضةْ
شققتُ أرديتي ليتسربَ لها
ضياءٌ مشعٌ
عادتْ هالاتي أجملَ من الكلماتِ
جاهدتُ أن أظلَ مضيئاً
كيْ لا تسحقَني العتمةْ
كلُ الخوفِ من زحفِ العناكبِ في غفلةٍ فاصلةْ
المتخاذلونَ لا يعرفونَ سوى اقتناص اللحظاتِ الفزعةْ
أعرفُ أنني لستُ وحدي من يفككُ كيمياءَ الجسدِ
أعززُ منافعي لامتلاكِ الأقاصيْ
أنا وحدي من يعرفُ أنَ
الفواتيرَ قد تكون باهظةً دائماً
ولا من يدفعُ عن طيبِ نوايا
عدتُ أتاجرُ مع من يدفعُ أكثرْ
تلك هي فرصتي
وليكنْ ما يكونْ


لا يعرفُ كيف يصادقُ الفراشاتِ

من لا يملكُ غير يدٍ واحدةٍ
عليه أن لا يتسعَ أكثرَ في خطوهْ
الأسرارُ كثيرةٌ
والأدعيةُ خبّأها المدّاحونَ
بأوعيةٍ خزفيةٍ
وعادَ النَيلُ منها
يكلفُ عيناً واحدةً
ولا من غبشٍ
يحيلُ النهرَ اليفاً أكثرْ
فأبطأ في خطوكَ
أيها الماردُ
اقتربْ من تلك النواميسِ
التي تركها لنا الفائضونَ بالزهدِ
لتقتصَ أنت من سارقي الأقحوانةِ الوحيدةْ
ضعْ على صدرك تعويذةً
تعينكَ على ضنكِ أيامكَ
واستعنْ بالرب المباركِ
دعْ حوريتك تسدُ اذنيك وتغلقُ الشفاهَ
فالمكانُ يعجُّ بالبصَّاصينَ
الويلُ لك إن وقعتَ في المكيدةِ
لا تكنْ مداهناً هكذا
فأنا لا اطيقُ المطرَ المزجج بالأحاجيْ
وهو يبللُ شعركَ الكثَ
آتياً الينا بالضفادعِ الصغيرةِ
ولا شئ غير الغُبارِ
يصنعُ لنا دلافيناً وحيتاناً وأفاعٍ
وشياطيناً لا تسبّحُ بحمدهِ
أجسادهُمْ تنزّ بالمعاصيْ
ولا يملكون من الجوارحِ
غير الدرك المقيتِ
من خبثِ الأرضِ
هم عارضون عن الرحمة كما دائماً
ولا يملكون دليلَ إتيانهم بضياء الشمسِ
فامكثْ يا صديقيَ
في ضالتكَ الأخيرةِ
ولا تنادمْ أسراركَ
بهيئة الملائكةِ
وأنت لستَ منهمْ
روّضْ من شراسة الرغباتِ
وتعلّم بواطنَ الأشياءِ
مثل الأفاعي الزاحفةِ
صوب النبتةِ المباركةِ
البصَّاصون يترصدونكَ
وأنت هائمٌ في عالمٍ
ليس بعالمكْ
إن كنتَ قد نزفتَ من الكلماتِ
ما يكفي لترفعَ منزلتك أكثرْ
فالربُ بانتظاركَ
هو من يعينك على تلاوة البركاتِ
المنثورةِ على كتفيكَ
ما أن تجعلَ الغيمةَ
أقرب إلى البياضْ
ولا من أصفادٍ أخرى
تأخذك لضيعة الحالمينَ
وأنت لم تبرحْ عن شرنقاتك
الموزعة بين صخب البحرِ وحنوهْ
حتى الشطآن تنكّرتْ لك
ولفظتّك القيعانُ
عدّتَ لا تملك غير الحشرجاتِ
لتغلقَ بمراراتك طريقَ الفراشاتِ
وهن منشغلاتٌ بفصيلتكَ
التي لا مثيلَ لها
لم يبقَ لك إذنْ
غير أن ترتكن في محرابك الرسيغِ
حتى تحينَ منيتُك القريبةُ
بإذنِ اللهْ...


رسمٌ على جدارٍ قديمْ
كنا نحنُ الأكثرَهمْ
حين انتهينا لحافةِ الجسرِ
كانت مبلولةً أجسادُنا
ونحن بعيدين عن النهرِ
كأن أيادٍ تدفعنا بغضاضةِ اللا محبينْ
كانت الأبدانُ لا تكترثُ
برهبةِ النفوس العجلى على مصيرها
لم نكنْ يوماً
نحرصُ على بوابة البيتِ القديمِ
حين غمرتها مياهٌ لطوفانٍ
ما سمعنا عنه يوماً
بأرض السوادْ
ونحن واجميِنَ
بين رهبة الماء ورغبة الولوجِ
لخبايا تطوقنُا
بفتنٍ وصراخٍ
والماءُ مآلنا ولا من منالْ
كنّا نتصببُ فحولةً
جمراتٌ تلسعُ أبداننا
وهمْ يهيئون لنا الأكفانَ
كمْ من محنٍ مرّتْ على أجسادنا
وما نطقتْ يوماً بالرفضِ
والقتلى قليلونْ
نحن من كان الأكثرَهمْ
شوقاً للطاعونْ
فماذا ينفعُ العيشُ
والفتكُ حل بكل النوارسِ
ولا رسومَ تلوّن أبداننا الباهتةِ
المثقلةِ بالأسئلةْ
ذريني إذنْ أيتها العنقاءُ
بعضاً من متاعٍ أنثويٍ
قبل الرحيلِ
ها أنني تركتُ لك أحمالي
فدوّني في صفحات ميراثي
أدعيةً من مكاره غدي
أنا من تكبّد أثقالَ من ينامونَ
على نتوءاتِ الصخور السوداءْ
أنا من ترجّل من أعالي فرحهِ
ليحرس الغابةَ المسحورةْ
أنا من ناغى أنثاهُ
وهي في رقدتها المشتهاةْ
فانتزعتْ روحها
هديةً لعيد ميلادي
انا من صمت دهراً ونطق سراً
وأنا المسورُ بكل الأدعيةِ،
والصلواتِ المباركةْ
أنا من أحكم رتاجَ فمهِ
حتى سمتْ به أجراسُ الكنائسِ،
وعمّدت جسدهُ
أصواتُ المآذنِ،
وكلُ الأديرةِ المباركةِ،
من بيوت اللهِ البعدةِ
عن طواغيت الكلامْ...


ترانيمٌ في محرابٍ مقدسْ

كيفَ لي أن أشبعَ نَهميْ
وأنا المتفطنُ لهوسِ الجوعِ
ورشفِ الوشالاتِ
في الدلال القديمةِ
سأمطرُ كل أفراحي
مرةً واحدةً
دعنا نبحثُ عن مدادٍ ضاحكٍ
لهذا البياضِ الصقيلِ
نعرّجُ قبل أن نفقد أجنحتَنا
على مسراتِنا
وكلِ الذكرياتِ القديمةِ
هل لك أن تعددَ مزاراتِكَ
وهن بشوقٍ لمن يأتي باكراً
للتنسكِ وذكرِ الربِ
لطرد الخطايا التي عرّشتْ
عند توابيتنا الرخاميةِ
اخلعْ نعليكَ
فأنتَ مقبلٌ على الفراغِ
والهواءُ يستدلُ عليكَ
تمهّلْ فيما أنتَ مقدمٌ عليهِ
ارفعْ ما استطعتَ من شجر الأرز هذا
للضفة الأخرىْ
ولا تقتربْ من تلك الزيزفوناتِ
لتتسعْ رئتاكَ بهواءِ
هذا الشجر الربيعيْ
قبل حدوث العاصفةِ
ولتظللْ قامتك بهذا النخل الباسقْ
دعنا أنا وأنت نتفيأ قليلاً
تحت هاتين الأبنوستينِ
فالحيتانُ الباحثةُ عن شهوة أجسادنا
لم تغادرْ بحارَها بعدُ
وهي تدسُ رؤوسها بطمي الفراتْ
الليلُ ذات الليلِ
وحمأةُ النهار القائظِ ما عشقتْ يوماً
دمسَ النوايا
ولا تحبُ أجراسَ اليقظةْ
فهل أتعبكمُ الانتظارْ؟
أمْ مازال في المزنِ الثقيلةِ
شيءٌ من مطرٍ شفيفْ...؟


مُضَاءٌ هكذا قلبيْ

ما لهذا الهدهدِ
يشقُ بصراخهِ هدأةَ الصمتِ؟
منْ دفعَ بهذا الطيرِ لهذا المروقِ؟
الأرضُ تلبسُ حللَ الماءِ
والجبالُ تعلّقُ على جيدها
سلاسلَ من عقيقْ
والأنهارُ تعلنُ صداقتَها
مع الجيادِ المُتعبةِ
وأنا وظليْ
نحاورُ الأنسامَ العليلةَ
ونختزنُ نشوةَ العذارى
لتعودَ المواسمُ أكثر وداعةً
مترعَينِ نظلُ بهذا السديمِ
ولا من خاصرةٍ تحنُ للعتماتْ
قدْ يحدثُ أن يغيضَ الهواءُ
مواسمَ الغبارِ!
قدْ يصيرُ القندسُ يوماً
أجملَ العرسانِ
وهو يهمُ بالدخولِ
على زهرتهِ العذراءْ!
قدْ تبحثُ الدلافينُ
عن مصائدَ بعيدةٍ
وتترك الجثثَ العائمةَ لأهوائِها
قدْ يستقرُ بنا المطافُ
على تلةٍ لا تتصالحُ مع الترابِ
ولا تسامرُها العقبانُ!
قدْ نبحثُ عن ملاذاتٍ أكثر أنساً
من نسائنا وهن طريحاتُ العشبِ دائماً
قدْ يعودُ الأعمى
أكثر بصيرةً من الناظرينَ
بقلبٍ لا يحبُ صمتَ الحِملانِ
قدْ نجدُ الوقتَ عنيفاً وفضاً
لا ينوي التوقفَ قليلاً
لتكفينِ الزهرةِ الميتةْ
قدْ تحولُ المدافنُ
بيني وبين صاريةٍ
كنتُ أبحثُ عنها
وهي مخبئةٌ في الرملِ
قدْ يكون النهارُ دعابةً
والدعابةُ أنثى
والأنثى حجرا
والحجرُ ملاذاً للغُدرانْ
ما ليْ أرى ظليْ بهذا المروقِ
يتركُ جسدي للغيّ والتيهِ وقسوةِ العيونِ
ولا يعرفُ كيف تكونُ النكايةُ بالحبيبْ
إلامَ أبقى هكذا،
كمنْ تركَ ذراعيهِ
تحفرانِ للنملِ بيوتاً
لا يصلُ اليها غدرُ البواشقْ؟
النبيذُ وحدهُ يزيلُ غبشَ الوحدةِ
عن الرأسِ المثقلةِ بالحكايا المرةْ
من يحفّزُ الدمعَ لعطشِ صدرِها الناهدْ؟
من يغلق الأبوابَ
كي لا تسحَ المواويلُ
أسفلَ الوسائدْ؟
من يحجُ لمزاراتِ النسورِ
وهي تنقضّ على جيفٍ
كانتْ فيما مضى
اجساداً للملائكةْ؟
هي ذا النميمةُ من أفسدتْ
إيمانَنا بالإلهِ الرحيمْ
من يجتلي هذا الخرابَ
لكي لا يعود النهرُ مهدداً بالأفاعيْ؟
والماءُ ينابيعَ من عسلٍ وخمرٍ
لكنهُ بعيدُ المنالْ؟
من يزيّنُ ضفائرَها بالتيجانِ والياسمينِ
ليعشقَها نيزكٌ قادمٌ من أجرامٍ
تنز حنيناً للفحولةِ الضائعة؟
منْ...؟
ومنْ...؟
ومنْ...؟


مواجهةْ

ما لهذه الأفيالِ
لا تحترمُ سطوةَ الماءِ؟
ما لهذا البئرِ لا يعشقُ العشبَ؟
ما لهذا الخيزران يعاندُ يد الصانعِ
فيظلُ الأعمى يتعكزُ الحجرَ
لأن عصاه لا تتصالحُ مع الريحِ
ومذاقِ الألسنِ الماكرة؟
تكفيني حفنةٌ من عناكبَ بلا لونٍ
لأنني أكرهُ لونَ الرمادِ
وهو يباغتُ الافعى
الخارجةَ للتوِ من جلدها القديمْ
كم من المراكبِ تكفيْ
لحملِ أشلاءِ الحيتانِ الميتةِ
منذُ زمن الطوفانِ الأولْ؟
كلّما عنّفْنا الماءَ
تشتدُّ علينا العُقبانُ
ويغادرنا اليمامُ
وقنادسُ الغابةِ المباركةِ
يكسوها لونٌ بنّيٌ
وتتزينُ بلونِ الترابْ
فلا سلطةَ للبواشقِ
وهي تضلُ طريقها للفريسةِ
ولا مِن حمأةٍ
تصادقُ لونَ النساءِ
ولا ترضى باحمرارِ الشمسِ
وعطفاتِ النجومْ
هيا أيها الرفاقُ
نجعلُ من فخذ الثورِ الماردِ
وليمةً تليقُ بولادةِ الأشجارِ
ونغيظُ قلبَ عشتارِ
فنبهجُ جوانحَ أنكيدو
ونطلقُ العنانَ لكلكامش
وهو يقضُ مضاجعَ محضياتِهِ
وهنَّ يستجمعنَ الشبقَ القديمْ
الريحُ لا تتهيبُ خنقَ الغابةِ المسحورةِ
ولا يعنيها يُتمَ شجرِ الأرزِ وحصارَ خمبابا
ووقاحةَ عفاريتَ الغابةِ
هي ذاتُ الريحِ التي تركتْ
ذا العينِ الواحدةِ يلتهم شعاعَ الشفقِ
ولا من ملاذٍ للنوارسِ التائهةِ
والبحرُ يمتلأ بمخلوقاتٍ سماويةٍ زرقاءْ
فمن أين للماءِ
أن يحتفظ بلونهِ الفضيِّ
لتحينَ الجلجلة؟
حاصرتنا الابوابُ
وأغلقوا علينا النوافذَ
ضداً على رحمةِ الآلهةِ
فكيفَ لك أيها النملُ
أن تعرّشَ على الجدرانِ
التي غادرتها القلوبُ الرحيمةْ؟!
دعني أفتيكَ أيها الطيرُ الجريحُ
كي لا تلعقَ دمكَ
فتغزوك الدماملُ
ويحتفي بك الموتُ...
منذ متى وهذا اللونُ الزئبقيُّ
يكبّلُ جناحيكَ
بخديعةِ الشيطانْ؟
لا أدري كم هي الأيديْ
التي خلقتْ من دم الحملانِ
عرائساً للبحرِ؟
وكم من الوقتِ
صاغت الحيتانُ من ضفائر الليلِ
أسرّةً معلقةً لمنادمةِ العشاقْ؟
نسجوا لهنَّ نواميساً وأشرعةً
فغفينَ بوداعة الحالمينَ
بلا أجراسٍ...
ولا صخبٍ...
ولا حاسدينْ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي