الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن اي تكنوقراط يتحدثون؟

حسين القطبي

2016 / 3 / 13
الادارة و الاقتصاد


التكنوقراطية ليست ربطة عنق انيقة، ومزهرية على مكتب الوزير.. هي حركة اقتصادية سياسية نشات في اوائل القرن الماضي في الولايات المتحدة وكندا، وبرزت في الثلاثينيات منه كتتويج لحقبة رجال الصناعة والمال. ولكنها سرعان ما منعت بعد الحرب العالمية الثانية لاسباب تتعلق بالحرب تلك، ونظرة هذه الحركة منها.

دعت الحركة "التكنوقراطية" الى تحكيم العلماء والمهندسين بدلا من السلطة المطلقة لرجال المال والسياسة.. من اجل تحسين صياغة قوانين اجتماعية اقتصادية جديدة.

وعلى ضوء تزايد المطاليب بتشكيل حكومة تكنوقراط في العراق اليوم، هل تناسب هذه الصيغة من الحكم وضع العراق الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الراهن؟

القفزات العلمية التي ظهرت مسبقا في مجالات المكننة وتطور وسائل الانتاج، من جهة، وقوة المؤسسة العلمية ودورها المتزايد هو الذي ادى الى نشوءها في تلك الفترة التاريخية، في ذلك المكان بالتحديد (امريكا وكندا).
اي انها حقبة تاريخية ظهرت بسبب نضوج شكل اقتصادي يعتمد في الانتاج على المكننة المتسارعة التطور، وظهور مؤسسات علمية اكثر قدرة من اصحاب رؤوس المال ومن السياسيين في تطوير العملية الاقتصادية.

ولما يكثر الحديث في العراق، هذه الايام، عن مطاليب بتشكيل حكومة من التكنوقراط، لادارة البلد، فهل الوضع العراقي اليوم وصل الى درجة من النضج، اي هل الوضع الاقتصادي والاجتماعي مؤهل لحكم العلماء والمهندسين، او هل هنالك فئة من العلماء والمهندسين ورجال التكنولوجيا في العراق اساسا؟ وعندهم مؤسسات علمية قادرة على ادارة البلد بالصورة التي لم تستطع فيها التكنوقراطية ادارة امريكا في ثلاثينيات القرن العشرين؟

اعتقد ان اي تقييم سطحي لشكل الاقتصاد العراقي، اليوم، لا يلمح الى عدم نضج وعدم ملائمة نمط الاقتصاد الريعي المعتمد على اسعار متقلبة للثروات الطبيعية، فقط، وانما يشير كذلك الى الافتقار حتى الى المؤسسات العلمية الرصينة القادرة على توفير كفاءات لها مثل هذه الامكانية.

فالمشاريع التي تتطلبها النهضة الصناعية لابد ان تكون بحاجة الى امكانيات لتنفيذ توصياتها، من قوانين تنظيم استغلال الطاقة وملكيتها، الى توفر شبكة نقل حديثة مع التركيز على الطرق الحديدية، الى توفير مصادر الطاقة، فكيف ببلد لم يستطع تامين الكهرباء بما يكفي للاستهلاك المنزلي، وكان يتوفر على ميزانيات انفجارية هائلة، قبل سنين، ان يوفر الكهرباء للقطاع الصناعي، اليوم، وهو يعاني من عجز مالي، واجراءات تقشف يصعب معها حتى سداد رواتب بعض الموظفين.؟

وفوق هذا تشترط التكنوقراطية ان يكون معيار الكفاءات هو الامكانية العلمية، ولا غير، وهذا يعني قطعا التجرد من الانتماء السياسي والديني والمناطقي، مما يفتح المجال للعقبة الاكبر امام التكنوقراطية لانها تتضارب مع قوانين الديمقراطية.

فمن اجل وصول الكفاءات الاكثر قدرة، الى مركز القرار، يجب الغاء الانتخابات، اساسا، لان الية الديمقراطية لا تصل الا بالسياسيين الى السلطة، فضلا عن رجال الدين الذين يحاججون دائما بالاستحقاق النضالي سابقا، والانتخابي حاليا. ولا تعتمد معايير الكفاءة وليس لها اي علاقة براي الناخب والحزب الذي يحقق الاغلبية.

والغاء الانتخابات يعني بالضرورة الانقلاب على النظام الديمقراطي... فالتكنوقراطية تتعارض اساسا مع الديمقراطية كما هو واضح ولا يمكن الجمع بين شكلي الحكم وفق الاليات والسياقات المتبعة في العراق.

لذلك فان المطالبات بتشكيل حكومة تكنوقراط اليوم قد تكون مطالبات متعجلة وغير مدروسة بما يكفي، ولم تاخذ الوقت اللازم، الذي تحتاجه، لدراستها، من الجهات التي تدعوا لها.

والغريب ان هنالك قوى دينية ايضا ترفع شعار "حكومة التكنوقراط"، ولا ادري ان كانت هذه القوى الدينية الدينية السياسية على دراية بما تعنيه هذه المفردة، ام لا، اي هل هي على استعداد لترك السلطة لفريق من العلمانيين، واللا منتمين، قلما يقيم احدهم الصلاة في وزارته عند انتصاف النهار، او ربما فيهم من لا يمانع من شرب كاس من الخمر في المناسبات العامة، او حتى من يقال عنه بانه شيوعي او ملحد الخ.؟

اما اذا كان لهم فهم اخر عن التكنوقراطية، كان تكون مجرد ربطة عنق انيقة، وباقة زهور على مكتب الوزير، فهذا ما لا اعرفه، ولا اعرف بالتحديد عن اية تكنوقراطية يتحدثون؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سعر الذهب فى مصر يتراجع 30 جنيها وعيار 21 يسجل 3050 جنيها لل


.. الليبيون في مواجهة أزمة اقتصادية خانقة وارتفاع جنوني للأسعار




.. الأزمة الاقتصادية في مصر.. لماذا لم تنجح السياسات بإيجاد حلو


.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 01 مايو 2024




.. صندوق النقد يتوقع ارتفاع الاحتياطى الأجنبى لمصر فى 2029