الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السرد بالمماثلة في مؤلف « شهرزاد ترحل إلى الغرب» لفاطمة المرنيسي

عبد الحكيم الشندودي
كاتب وباحث

(Chendoudi Abdelhakim)

2016 / 3 / 14
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


نكاد لا نميز بين سرد شهرزاد للحكاية وبين حكايتها هي، إذ نكون إزاء تركيب سردي لا يفصل بينه سوى الزمن أما الجسر الذي يجمعهما ويوحدهما هو جسر المعرفة كسلطة امتلكتها شهرزاد وامتلكتها حكايتها، واستمرت هذه السلطة مثل ثابت مرجعي يؤسس للهوية الوجودية للمرأة أو «الحريم» كما تسميه الباحثة المغربية الأصيلة فاطمة المرنيسي.
يشكل مؤلف « شهرزاد ترحل إلى الغرب » ( مؤلف لفاطمة المرنيسي ترجمة فاطمة الزهراء أزرويل . وعنوانه الأصلي «Le harem et l Occident 2001» وهو عبارة عن رحلة بحث ذاتية تقودها شهرزاد الشرق للتعرف على صورتها في المخيال الغربي، وأيضا الرغبة الجامحة في معرفة طبيعة شخصية شهرزاد الغرب، وبين الشرق والغرب ألف حكاية وحكاية تتأسس عليها صورة المرأة أو على الأصح صورة « الحريم »الشرقي وصورة المرأة الغربية على ما في المعنيين من تجاذب وتنافر في نفس الآن.
اختارت الباحثة لمناقشة موضوع المرأة ك«تيمة» اجتماعية تركيبا أدبيا محضا جمعت فيه بين عذوبة السرد ومتعة الحكاية على شاكلة التركيب عند مارسيل بروست ، حيث ينهض البناء الحكائي بمهمة طرح قضية سوسيولوجية يمتزج فيها الذاتي بالموضوعي، الحاضر بالغابر، على نية التماثل بينهما، فنصبح أمام «شهرزادتين» و«رحلتين» و «سيرتين ذاتيتين» بمضمون واحد يتجسد في الثورة على الواقع «الشهرياري» شرقا وغربا على حد سواء.
يوقد شعلة الحكاية/ الرحلة شخصية الياسمين جدة الساردة التي كانت تؤمن بالأجنبي وبالسفر رغم نشوئها في منزل مقفل، في سجن حريمي «لأن السفر فرصة رائعة لترويض النفس، ولاكتساب حكمة فريدة من نوعها، يكفي أن تركزي انتباهك على ما يقوله الأجانب (ص 5)» هؤلاء الأجانب الذين كلما سمعوا كلمة «حريم» إلا واقترنت لديهم « بالجنس والإباحية» ص 24 .
إن الرغبة في اقتحام عوالم جديدة عملا بوصية الجدة لا يمنع شهرزاد من الاندهاش أحيانا من صورة الذكورية الغربية وبأسلوبها في تقويم الأنثى، الأمر الذي جعل منها كائنا مختلفا على الغرب والشرق معا، فالغرب ورغم سلم الحداثة ومراقيه التصاعدية إلا أنه يفهم شهرزاد الشرقية بصورة مختلفة أجودها تنبني على العري والإباحية، بينما « نساء الحريم أبعد ما يكن عن الشهوانية والفراغ والعري، كما تصورهن في الغرب أعمال «ماتيس» أو «أنجر» أو «بيكاسو» إنهن على العكس من ذلك بالغات النشاط ومرتديات ثيابهن » ( شهرزاد ترحل الى الغرب ص 31)، وعليه فإن « العالم الغربي موبوء» (هل أنتم محصنون ضد الحريم ؟ فاطمة المرنيسي ترجمة نهلة بيضون المركز الثقافي العربي ص 19 ) ، ويبدو الأمر مرتبط أشد الارتباط بظروف النشأة والثقافة الأولى لدى الغربيين التي سعت إلى تصوير نساء الشرق « نصف عاريات يتمتع بهن السلطان العجوز»( شهرزاد ترحل الى الغرب ص 47 ). حتى إن صورة شهرزاد على غلاف ألف ليلة وليلة والذي ابتدعها أحد الفنانين الألمان بدت فيه سمينة وعارية دلالة على السعادة بيد أنها كانت في محنة حقيقية تنزلق بين مخالب المقصلة كل يوم بحظ صغير مستند على الذكاء وبراعة التواصل. ورغم ذلك ترى الباحثة أن شهرزاد تمكنت من غزو الغرب بدون جيوش ص 79 .
إن وجه المقارنة لا يكاد ينكشف بين الحقيقة الذكورية بين الشرق والغرب وتمثلاتها المختلفة عن شهرزاد إلا بعد اطلاع الساردة على رؤية كانط في المسألة « فهمت أنذاك الفرق الشاسع بين ثقافتنا وثقافة الغربيين، فالذكاء مقصور على الرجال لديهم ، في حين أنه قاسم مشترك بين الرجل والمرأة لدينا»( شهرزاد ترحل الى الغرب) ص 108. وإظهار شهرزاد الغرب لذكائها « جريمة » عليها بأن تكون رمزا جماليا فحسب. وتستمد شهرزاد الغرب قوتها ونفوذها من سلطة الاستقلال المالي، فقيم الرجولة في الشرق يحددها المال الذي « يعني السلطة » (هل أنتم محصنون ضد الحريم ؟ فاطمة المرنيسي ترجمة نهلة بيضون المركز الثقافي العربي ص 23 ) بينما في الغرب نموذج إيطاليا حيث عارضات الأزياء يمتلكن المال وبالتالي يمتلكن القرار . وبالتالي فإن معضلة الشرق تكمن في ازدواجية الرؤية لدى الرجل الشرقي الذي يعد نفسه هو المرفق الرئيسي لأي عملية تقابلية بين الرجل والمرأة، ولذلك يعبر الرجل الشرقي عن رغبة جامحة في أن يرى شريكة حياته « التي تضاهيه تحضرا، ولعلها أستاذة في جامعة محمد الخامس، أو طبيبة في مشفى ابن رشد بالدار البيضاء، تتصرف كجارية» (هل أنتم محصنون ضد الحريم ؟ فاطمة المرنيسي ترجمة نهلة بيضون المركز الثقافي العربي ص7)
ولا يوجد فرق بين الرجل المتعلم وغيره فالرجل «الحائز على شهادة جامعية والذي يملك حسابا مصرفيا ويستعمل حاسوبا ويحلم بشراء هاتف خليوي والذي تساوره الرغبة في رؤية شريكة حياته أو زميلته الموظفة أو المحامية أو الأستاذة الجامعية مثله، بخدمه كالجارية والمحظية والغيشا ، فيجب أن يعتبر نفسه حريمي المصل »( هل أنتم محصنون ضد الحريم ؟ فاطمة المرنيسي ترجمة نهلة بيضون المركز الثقافي العربي ص13 ). ولا يوازي هذا المكر سوى مكر الرجال الغربيين الذين يمجدون المراهقات ويرمين في الظل كل من تقدمت بها السنين « إنهم يتغنون بالديموقراطية أمام نسائهم في الصباح ، ويتأوهون في المساء إعجابا أمام فتيات صغيرات جميلات»( شهرزاد ترحل الى الغرب ص 227).
لقد جسدت هذه السيرة رحلة امرأة تبحث عن مفهوم ما، عن معنى مختلف لتؤثث به ثورتها الثقافية ضد الاستيلابات المرقونة في الصحف والذاكرة والحياة فلم تجد غير هيمنة ذكورية في الشرق والغرب، وعادت شهرزاد إلى شرقها الذي لم يحدد مقاسها في 38.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتفاقية الدفاع المشترك.. واشنطن تشترط على السعودية التطبيع م


.. تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل بعد قصف متبادل | #غرفة_الأخ




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجز


.. وقفة داعمة لغزة في محافظة بنزرت التونسية




.. مسيرات في شوارع مونتريال تؤيد داعمي غزة في أمريكا