الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إحسان عبد الحميد، مدرس العربية

عبدالله الداخل

2016 / 3 / 14
الادب والفن


ربما كان من أفضل مدرسي اللغة العربية في تأريخ العراق الحديث شابٌّ كرديٌّ أسمر، فارع الطول، رائع الهندام، له وجه مدور وعينان واسعتان، إسمه إحسان عبد الحميد، عمل في المدارس المتوسطة في كركوك في خمسينات القرن الماضي. كان يستعمل اسلوب الاستقصاء في تدريس قواعد اللغة العربية بتوجيه الاسئلة الى الطلاب وفسح المجال امام تفكيرهم مشجعاً اياهم على الاستنتاج وحتى على التوصل الى تسميات لبعض المصطلحات النحوية، كموضوع "البدل" على سبيل المثال، فقد كان يترك للطلاب حرية اختيار التسمية وإطلاق المصطلحات بعد استعراض عدد غفير من الأمثلة على حالةٍ نحويةٍ ما، من قبله وباشراك الطلاب ايضاً، وهذا لعمري امر نادر حتى في الاساليب المعاصرة. وكان تقدمي الفكر منذ ما قبل ثورة تموز، فقد كان يدرس الأدب العربي للصف الثاني المتوسط في العام 1956 بأسلوب حديث مماثل لتدريسه للقواعد، فقد كان أحياناً كثيرة ينحّي المنهج المقرر جانباً ليدرّس ما يعتقده هو ضرورياً، فقد تناول مرةً قصيدة ً لأبي العلاء المعري، مطلعُها:
غيرُ مُجدٍ في ملتي واعتقادي
نَوْحُ باكٍ ولا ترنُّمُ شادِ
فاختارَ منها أهم أبياتها (وهي الأبياتُ الاربعةَ عَشَر الأولى فقط، وأيّ اختيارٍ رائع!) وكتبها على اللوح بخط جميل بعد ان قرأها أولاً موضحاً مفرداتِها الجديدةَ، ثم جعل الطلاب يكتبونها في دفاترهم بعد قراءتها بصوتٍ مسموع. في الحصة التالية اعادها وطلب منهم قراءتها ثم حفظها مع التوصية بضرورة معرفة معاني المفردات الجديدة. هذا الاسلوب حديثٌ حتى في مفاهيم هذه الايام، حيث قد تطور الأمر في بعض المدارس الأميركية مؤخراً بحيث ان حرية المدرس في تجاوز المنهج قد امتدت الى حرية الطالب في اختيار المواد مع الاشراف المتطور والمستمر من قبل المدرس الذي ينبغي ان يواصل دراسته واعداد نفسه كي يواكب متطلبات العصر.
وكمثال آخر، لم يكتفِ الأستاذ إحسان عبد الحميد بذلك بل قام بتدريس قصيدة مهمة جداً في تأريخ الأدب العربي لأنها ربما اعتُبرت أول قصة قصيرة ناجحة (تحتوي على كل مقومات القصة القصيرة في مفاهيم اليوم) كُتِبَتْ على شكل قصيدة متكاملة. إنها قصيدة الحُطَيأة التي مطلعُها:
وطاوي ثلاثٍ عاصبِ البطن مُرْمِلٍ
ببيداءَ لم يعرف بها ساكنٌ رسما
كان هذا السلوك الرائع الذي يدل على وعي نادر لهذا المدرس الفريد يشكل نوعاً من التحدي للنظام التعليمي الرجعي إبان العهد الملكي التابع لبريطانيا، لكن إحسان عبد الحميد لم يكن يبدو عليه أنه يبالي بالمخاطر، كما لم يبدُ عليه ما يدل على قلقٍ، (ولا على تشاومٍ بسبب اهتمامه بشعر المعرّي) بل على العكس كان دائم الابتسامة، حاضر النكتة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟