الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل هي كتلة تاريخية حقاً؟!

ميثم محمد الحلو

2016 / 3 / 15
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


تابعت بشغف بالغ اللقاء المميز الذي أجراه الإعلامي المثابر حسام الحاج مع المفكر الدكتور فارس كمال نظمي على قناة السومرية الفضائية يوم 13 مارس 2016.. وأنا لا أخفي بالطبع إعجابي بل وانبهاري بالدكتور فارس وهو عقل جميل وشخصية نقية ومؤثرة ومثقف عضوي فاعل ومشروع مفكر كبير.. وأنا متابع منذ مدة ليست بالقصيرة لنتاجه الفكري في الجانب الاجتماعي والسياسي وقد نظّر منذ سنوات الى إمكانية نشوء كتلة تاريخية بين القوى اليسارية بكل مشاربها من شيوعية او ماركسية أو اشتراكية أو قومية أو ديمقراطية وغيرها من جهة وبين مايسميه اليسار الاجتماعي.. ومنشأ هذه الطبقة المفترضة نوازع نفسية ومشروع حقانية ونزوع الى عالم تزخر فيه قيم المساواة والعدالة ويغيب عنه الاستغلال.. ومنشأ هذه النزعة المنظومة القيمية في الشخصية العراقية الطامحة بالعدالة المستنبطة من التراث الديني والطبقي.. وهذه النزعة بذاتها عابرة للدين والمذهب والطبقة والمستوى الثقافي والتعليمي. وبسبب خيبة أمل هذا اليسار الاجتماعي باليسار السياسي ووقوفه مكشوفاً في العراء بلا غطاء أيديولوجي ملهم.. ضاع في غياهب أحزاب إسلامية أعادت أنتاج هذه اليسارية الاجتماعية بتأويلات ثيوقراطية حاسمة لا دنيوية بتبريرات ساذجة من قبيل أن المظلومية هي من قبيل الابتلاء الإلهي ( وهو جزء من خطة إلهية عادلة) فيصبح الظلم في تلفيقاتها عدلاً من زاوية جديدة.
ويرى الدكتور فارس كمال نظمي إمكانية نشوء مثل هذه الكتلة في وضعنا العراقي بين اليسار السياسي بكل مشاربه وبين هذا اليسار الاجتماعي على غرار ما كتب عنه المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي وتجارب مشابهة سابقة في التاريخ الحديث. ويرى كذلك أن جماهير التيار الصدري مصداق ملائم لهذا اليسار الاجتماعي فالتيار وإن كانت مرجعيته دينية فبناه الأساسية المحرومة ذات اتجاه مدني ظاهر في التوجهات والطموحات والأزياء وغيرها.
هذه باختصار مفرط رؤية الدكتور فارس كمال حول الكتلة التاريخية وهي قراءة ذكية استباقية للواقع العراقي تنبأ بها منذ سنة 2010. وهي صحيحة الى حد كبير على المستوى النظري.

ما يشغلني هو الاعتقاد بأنّ ما يحصل اليوم من تنسيق بين التيار الصدري والحركة المدنية عموماً هي مصداقٌ لهذه الكتلة التاريخية فهناك جملة نقاط تشكل على هذا الانطباق.

أولاً: يبدو للمتابع بجلاء أنّ ما دفع جماهير التيار الصدري للخروج في حركة الاحتجاجات الأخيرة لم يكن نتيجة هذه النزعة الحقانية والنزوع نحو العدالة والمساواة بل بإيعاز مباشر من زعامتها الثيوقراطية. والدليل غيابها الفعلي عن الاحتجاجات في بداياتها منذ أشهر وظهورها فقط في سياق مناكفات الأنداد السياسيين في أحوال محدودة في الأشهر الماضية.

ثانياً: يظهر في أرض الواقع، أنّ اليأس والاحباط الذي أصاب اليسار الاجتماعي وألقاه في أحضان مرجعية ثيوقراطية رجعية.. قد أصاب نخب التيارات المدنية فألقاها في غياهب نفس المرجعيات.. فبدلاً من ممارسة هذه النخب دورها في تقديم الرؤى والتحليلات الواقعية الواعية لليسار الاجتماعي وإيضاح حقيقة المعضلات التي تعانيها وسبل مواجهتها.. نجد خضوع اليسار السياسي لرؤى ذات القوى الرجعية.. فالتنسيق تم مع الزعامة الدينية للتيار وليس مع قاعدته الشعبية.. بل واكتفى بدور الكومبارس في هذا التنسيق.. حتى أن مهمته الوحيدة أصبحت محاولة متابعة خطوات المرجعية الدينية للتيار ومحاولة التماهي معها وتأويلها وفهمها كونه يتلقى المعطيات من وسائل الإعلام لا أكثر. ومثال على ذلك ما نشره جاسم الحلفي على صفحته الشخصية في الفيسبوك بعد بيان السيد مقتدى الصدر من تغيير سقف المطالب من ( شلع الى شلع قلع) فقد قال أنه (يظن) أن المقصود من شلع تغيير الحكومة وبقاء رئيس الوزراء أما شلع قلع هو تغيير الحكومة مع رئيس الوزراء.. فهو لا يعلم حقيقة ما في ذهن السيد مقتدى بل أصبح الحلفي بين ليلة وضحاها شارح ظني تأويلي للمقولات لا أكثر.

ثالثاً: أن مفهوم عبور الجسر معاً ( حركات متناشزة أيديولوجياً، متوافقة في المظلومية والحرمان وفي الأقل في مجموعة من الأهداف).. لا يلغي بأي حال من الأحوال غض النظر عن ثوابت جوهرية مهددة في السياق.. فالتيار الصدري بحجمه وقوته يقرأ التغيير بشكل مختلف.. فرؤيته النهائية المصرّح بها أصولية وتقف بالضد من علمنة الدولة والحريات العامة والخاصة وما يستتبع ذلك من قهر للفكر وللمرأة وغير ذلك. فهل يكون العبور في هذه المرحلة مجدياً وفق هذه التحديدات؟! وما الضمانات بعدم الوقوع في هاوية أعمق؟!

رابعاً: لقد أضاع المتصدون للتظاهرات وبالخصوص اليسار السياسي فرصة تاريخية مهمة لكسب أرضٍ جديدة في بداية الاحتجاجات خصوصاً وأن الهاوية التي سقط فيها العراق كانت زاخرة بكل ما من شأنه التمهيد لبزوغ يساري جديد في ظل الفساد الحكومي غير المسبوق وغياب العدالة والمساواة والاضطهاد الفكري والجندري وسوى ذلك من المعطيات.. والأسوأ من ذلك أنه خسر الأرض إذ رأى الكثير من المدنيين في التماهي مع القيادات الثيوقراطية دون كسب القواعد ردة يسارية بمعنى الكلمة.

خامساً: إن ما حصل من التنسيق الذي هو أقرب الى التبعية مع القيادات الدينية للتيار أفقد مصداقية التظاهر فكيف يمكن تبرير التظاهر مع تيار مشارك في كل الحكومات السابقة ومساهم في فسادها بشكل لا يختلف جوهرياً عن بقية الأحزاب الأخرى؟! خصوصاً وأننا لم نلحظ أية خطوات جدية وفاعلة في محاربة الفساد داخل التيار الصدري نفسه.

سادساً: عمّقت هيمنة التيار الصدري عملياً على حركة الاحتجاجات حال الإحباط واليأس لدى الكثيرين.. فقد أنزلت سقف التوقعات من تغيير جوهري الى تغيير بيد ذات الكتل والأحزاب المهيمنة على المشهد العراقي فكما هو ظاهر فإن التيار الصدري يبحث عن حلول مع شركائه الحقيقيين في الحكومة والبرلمان ويغض النظر عن شركائه الطارئين في الاحتجاجات.

مما تقدم في أعلاه نجد أن ما يحصل اليوم على أرض الواقع لا يقترب أبداً من مفهوم الكتلة التاريخية المعول عليها في إحداث التغيير المقترب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اشتباكات بين الشرطة ومتظاهرين مؤيدين لفلسطين في أورلاندو


.. فيديو: ابنة كاسترو ترتدي الكوفية الفلسطينية وتتقدم مسيرة لمج




.. Vietnamese Liberation - To Your Left: Palestine | تحرر الفيت


.. آلاف المحتجين يخرجون في مدينة مالمو السويدية ضد مشاركة إسرائ




.. اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية والمتظاهرين المطالبين بإسقاط