الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعارضة السورية , بصحونها الفارغة , على أبواب السلطة

ياسر اسكيف

2005 / 11 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


كنت قد بدأت بكتابة مقال يتناول حالة التهلهل والكيدية التي تعيشها المعارضة السورية . واخترت عنوانا ً للمقال ( المعارضة السورية / من الإسقاط إلى الاستجداء ) غير أنني عدلت عنه لما يتضمنه من مزج بين الميكانيكي , الذي يستحضر نيوتن , والوجداني البائس الذي يستحضر العشّاق الخائبين . ورأيت أن عنوانا ً يقدّم مشهدا ً بصريا ً هو الأجدى فكان ( المعارضة السورية , بصحونها الفارغة , على أبواب السلطة . ) . وكان لهذا المقال أن ينتهي إلى فكرة بسيطة تفيد بأن الحقوق لا تعطى بل تؤخَذ , وأظن بأن بين الحالتين فرق كبير .
لكنّني يوم الخميس 17 – 11 – 2005 استمعت إلى محاضرة ألقاها الدكتور يوسف سلامة في مقرّ جمعية العاديات بمدينة جبلة , وجاءت المحاضرة تحت عنوان ( مستقبل الثقافة العربية )

حقيقة , وقبل الاستماع إلى المحاضرة , أثار العنوان مجموعة من التساؤلات لدي : ما معنى ثقافة عربية . وهل هناك ثقافة أمريكية أو صينية أو فرنسية ؟ وحتى إن وجد مثل هذا الأمر , فهل يمكن لمحاضرة أن تستشرف آفاق ثقافة ما في حيّز زمني محدود ؟
وجاءت المحاضرة معتمدة على التعريف الأنتربولوجي للثقافة باعتبارها المجموع المتشابك للعادات والتقاليد والأعراف ... الخ . ورأى د . سلامة بأن كلّ ثقافة تتمحور حول ( فكرة حضارية ) أو تتجسد في تلك الفكرة .
وفي الحديث عن الثقافة العربية الإسلامية خلص د . سلامة إلى أنّ فكرتها الحضارية قد تمثّلت بفلسفة ( الجوهر والأعراض ) دون خروج عنها أبدا ً . حيث أن الوجود يتمثّل بجوهر متعال ٍ , أزلي , ثابت . وبأعراض لهذا الجوهر , يكون دورها الوحيد والأوحد تعريفه والدلالة عليه . ولأنه جوهر ثابت لا يتبدل ولا يتغيّر فقد أنجزت الأعراض , والإنسان واحد منها , تعبيرها عنه في الإنجاز الحضاري العربي الإسلامي , مرّة والى الأبد .
وفي الانتقال إلى الراهن العربي يجد د . سلامة أن
في الساحة ثلاث فِكر تتصارع للكون الفكرة الحضارية التي تخرج المجتمعات العربية من حالة الفقر والتخلف والانحطاط وهي : الفِكر التي تمثل التيارات الدينية , والقومية , من جهة . والتيارات الليبرالية والماركسية , من جهة أخرى .
إن الفكرة الحضارية الدينية قد استنفذت فعاليتها عند حد معين وذلك باستعبادها للفرد ( أحد عوارض الجوهر ) وذلك بجعله ذاتا ً لا تتعرف بذاتها , يل باعتبارها عارضا ً للجوهر , أو لذاتها , بل باعتبارها تابعا ً للجوهر .
والفكرة الحضارية القومية لا تختلف في العمق عن سابقتها إلا في إبدال الجوهر , وأما العلاقة بين الجوهر والأعراض فقد بقيت ذاتها , وبقي الفرد عبدا ً .
وحدها الفكرة الحضارية التي ترى في الفرد جوهرا ً وعرضا معا ًً هي القادرة اليوم على جعل الإنسان العربي , وبالتالي المجتمعات العربية , جزءا ً فاعلا ً في هذا الكون .
إن عمق الفكرة الفلسفية التي أوصلنا إليها الدكتور يوسف سلامة تجعلني أتوقف طويلا ً , وأنا أعاين الوضع الكارثي للمعارضة السورية , والمعارضات العربية جميعا ً , التي تنطلق في أغلبها من فكرة حضارية لا تختلف كثيرا ً عن فكرة الجوهر والأعراض . وأعود لمتابعة ما كنت قد بدأت بكتابته , بعد توجيه التحيّة إلى القائمين على النشاط الثقافي في جمعية العاديات في جبلة وأخصّ بالذكر رئيس الجمعيّة الأستاذ جهاد جديد .




المتابع لخطاب المعارضة السورية , في السنوات القليلة الماضية , لا بد أن يلمس الارتباك المؤسف والاتّكال المحزن كسمتين أساسيتين لهذا الخطاب , يضاف اليهما بعض ( الفهمنة ) المضحكة .
فهذا الخطاب لا يسند لأصحابه أيّة مهمّات إجرائية , كما أنّه لا يطرح أيّة خطط تشير إلى آليات تخصّ المعارضة في التعاطي مع الراهن . إلا إذا كان الانتظار هو المهمّة , وتلقين السلطة طرق اعتزالها الحكم هو الآليات .
ومنذ محاضرة برهان غليون الذائعة الصيت , والتي ضمّنها وصاياه للسلطة الحاكمة في سوريا
عن أفضل السبل لقيامها بعزل ذاتها وتنصيب المعارضة مكانها , إلى وصفة رياض الترك التي لا تختلف كثيرا ً عن سابقتها , وصولا ً إلى إعلان دمشق العجيب , ما زالت هذه المعارضة تأتي بما يؤكد أنها في مهب الريح , أو كما يقال ( لا شوكة ولا دبّاحة ) وأن لا أرض لها إلا في سطور كتّاب بياناتها , الذين باتوا يصدّقون ما يكتبونه .
لماذا لا تبادر هذه المعارضة ( أحزابا ً وأفرادا ً ) إلى التحضير لعصيان مدني مستمر حتى تحقيق أهدافها . ؟ سؤال لا أجد حرجا ً في طرحه . لأن الأمر يتعلق بمعارضة .
أو على الأقل . لماذا لا تبادر هذه المعارضة , كما يطالب الصديق – مروان عبد الرزاق – ( بالعمل على تشكيل – لجان مبادرة – في كافة المحافظات السورية , للعمل على التحضير للقاء وطني ديموقراطي – خلال فترة قصيرة – لوضع برنامج عمل مرحلي , والبحث في الآليات والوسائل لتنفيذ هذا البرنامج , والعمل على انتزاع الحريات من خلال الاعتماد على المجتمع , ورافضا ً لكلّ التدخلات الخارجية , عبر صيرورة سلمية وتدريجية لبناء الدولة الديموقراطية العلمانية . – الحوار المتمدن – 11 – 11 – 2005 ) . سؤال آخر أجيز طرحه لنفسي .
وفي البحث عن إجابات , أجد أنّ الاستعراض كاف ٍ وواف ٍ , استعراض المحاولات التي قامت بها هذه المعارضة , أو جزء منها , لممارسة حقها في تأكيد الوجود كفعالية . حيث أظهرت اعتصاماتها وتجمعاتها درجة العزلة الشعبية التي تعانيها , كما أكّدت مظاهر الاعتصام تلك بأن الشأن العام هو اختصاص نخبوي بامتياز . وفي استعراض الخطاب المعارضاتي يتّضح’ غياب أي معنى ل ( المعادلة ) في السلوك السياسي . والحاضر دوما ً هم الأبناء الذين يصمّون آذان آبائهم بالمطالب . أو المتسولون بصحونهم الفارغة على أبواب فعّال الخير . وكأنما قد غاب عن الجميع بأن عليهم أن يقدّموا ما يجعل السلطة السورية تتنازل عن شيء أو أشياء حفاظا ً على الذي سيبقى لديها إلى حين .
والى صديقي ( مروان عبد الرزاق ) أقول بأن أحدا ً لن يبادر إلى القيام بما طلبته في مقالك آنف الذكر , ليس لأنّه مطلب مستحيل , أو لأنّه ليس إجراء ً صحيحا ً في حال حدوثه , بل لأن الجميع يريدونها على طبق من ذهب .
والى المثقّفين السوريين , وأخصّ بالذكر ياسين الحاج صالح , حسين عجيب , لقمان ديركي ,,
أظنّكم الأكثر فعلا ً فيما يخصّ التأسيس لثقافة إنسانية يتّخذ فيها الفرد موقع الجوهر لأعراضه .

جبلة – 19 – 11 - 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا لتفريق المحتجين| الأخبار


.. مؤشرات على اقتراب قيام الجيش الإسرائيلي بعملية برية في رفح




.. واشنطن تتهم الجيش الروسي باستخدام -سلاح كيميائي- ضد القوات ا


.. واشنطن.. روسيا استخدمت -سلاحا كيميائيا- ضد القوات الأوكرانية




.. بعد نحو 7 أشهر من الحرب.. ماذا يحدث في غزة؟| #الظهيرة