الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منابع العنف السياسي ومشتقاته

جعفر المظفر

2016 / 3 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


منابع العنف السياسي ومشتقاته
جعفر المظفر
على صعيد التمييز بين عنف وآخر من الضروري أن نقترب من الأمر بتمعن وحرفية, ذلك إذا كان الهدف من النقد هو أن لا يتكرر الخطأ وليس الإنتقام من صاحبه. الإنتقام نفسه هو مصدر أساسي من مصادر العنف, كذلك رد الفعل المنفلت الذي لا يخلو من عقد الثأر وخاصية السلوك البدائي.
في رأي أن مسألة العنف ومستوياته يجب أن لا يُنَظَّر لها وكأنها خاصة بهذا الفصيل دون ذاك, فهي في الحقيقة ذات مناشئ فكرية عامة وكذلك موضوعية محلية خاصة بطبيعة الشعوب. فكريا كل أحزاب الحتميات التاريخية والعقائد التي تُصَرِّف ذاتها تنظيميا من خلال نظرية المركزية الديمقراطية هي أحزاب مفرخة للعنف وحاضنة له: البعثيون والشيوعيون من هذه الناحية هم أبناء رحم واحد لأنهم كانوا يؤمنون بأنهم وحدهم, وكل على حدة, اصحاب التاريخ لا غيرهم, وهم إذا ما كانوا خارج السلطة نراهم يتحدثون عن الديمقراطية أما إذا تسيدوا فالويل للخصوم.
البعثيون إستلموا الحكم في جمهوريتين فترة تجاوزت الخمسة وثلاثين عاما لذلك كان عنفهم اشد وأوضح من عنف غيرهم. لكن ذلك لا ينسينا حقيقة أن الشيوعيين العراقيين كانوا سبقوهم عنفا حينما أمعنوا في قتل خصومهم البعثيين والقوميين سحلا بالحبال وتعليقا على أعمدة الكهرباء.
حينما نتحدث اليوم عن مكافحة الإرهاب الإسلامي نهتم كثيرا بمحاربة مناشئه الفكرية والفقهية, وحتى أننا نتابع هذه المناشئ في القرآن والسنة وندعوا إلى ضرورة إجتثاثها أو معالجتها بسبل متعددة ومختلفة في حين نهمل متابعة منابع العنف (الثوري لأحزابنا الماركسية والقومية) المتشابهة التأثير كون نظرياتها الفكرية هي حاضنات ومفرخات للعنف أيضا. وهل سأكون مخطئا لو قلت أن أحزابنا (الثورية) هي أحزاب تكفيرية أيضا لأنها لا تؤمن بحق غيرها في العمل السياسي وحرية التعبير ولأنها خلقت أيضا مقدساتها الأرضية في مقابل المقدسات السمائية لأحزاب الدين السياسي .
الموضوعي والمحلي الخاص الذي يقف وراء العنف يأخذنا بطبيعة الحال إلى التمييز بين عنف عراقي وآخر مصري وآخر سوري وآخر جزائري. التجارب تقول أن وجود المشتركات الفكرية (العقيدة الإسلامية التكفيرية مثلا) يستدعي إرهابا متماثلا مهما كانت ساحته, سواء كانت جزائرية أو مصرية أو سورية أو عراقية. لكن بغياب تلك المشتركات يتقدم تأثير العامل المحلي ليترك بصمته الخاصة على العام الفكري.
العسكر المصريون أطلقوا إحدى وعشرين إطلاقة في وداع ملكهم فاروق, أما العسكر العراقيون فقتلوا ملكهم الجميل وعائلته شر قتلة, وقبلهم كان الوصي نوري السعيد والإنكليز قد علقوا العقداء الأربعة على وزارة الدفاع لثلاثة أيام وذلك بعد فشل إنقلابهم في مايس من عام 1941, وما كان هؤلاء شيوعيين أو بعثيين..
عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف لم يكونا بعثييْن حينما ساهما بتلك الجريمة الشنيعة او حينما سكتوا عن مرتكبيها, ثم كان لعبدالكريم قاسم إثم السكوت أو الإنتفاع عن جرائم السحل التي إرتكبها الشيوعيون في البصرة والموصل وكركوك. أما البعثيون فليس بإمكان أحد أن يهون من الجرائم التي إرتكبوها بحق خصومهم الشيوعيين بعد إنقلاب شباط من عام 1963.
ترى ألا يبوب ذلك السلوك في خانة العوامل المحلية الحاضنة للعنف والتي لا شك لها تأثيرها المباشر على رفح حدة العنف المتأسس على قمعية النظرية نفسها أو تخفيفه. فالشيوعيون السوريون لم يسحلوا خصومهم القوميين بالحبال ولذلك لم يؤسسوا لمعارك ثأرية قادمة وجاء القمع البعثي السوري أخف من أخيه القمع البعثي العراقي, رغم ان قصف حما بالمدفعية والصواريخ الذي أمر به حافظ الأسد للقضاء على حركة الأخوان المسلمين ضد نظامه كان من الشدة بحيث يعيدنا إلى أهمية حساب العامل الأيديولوجي على تفعيل العنف وتصعيده.
ما أريد أن أقوله أننا يجب ان نبحث في العنف هنا بمنأى عن الوقوع تحت ضغط الخصومة السياسية, منحازين لهذا على حساب ذاك, ونضيف على عامل النظرية الفكرية والتنظيمية (الحتميات التاريخية + قواعد المركزية الديمقراطية) والعامل الموضوعي العام عاملا ثالثا وهي الصفات السايكولوجية للحاكم الدكتاتور. عبدالناصر كان دكتاتورا وطنيا وكذلك عبدالكريم قاسم وكذلك صدام حسين, لكن الفرق بينهما وبين صدام أن سايكولوجية هذا الأخير كانت تكونت تحت ضغط البيئة البدوية التي عاشها في طفولته, إضافة إلى تأثير القمع الذي عاناه أثناءها مما جعله ذا شخصية أقوى من شخصية الحزب نفسها, فاضاف إلى الحزب من شخصيته المعقدة ما كان قد تأسس على العاملين الفكري والمحلي الموضوعي, بحيث بدى ناصر وقاسم إلى جانبه من جنس الملائكة, يكفينا أن نتذكر أن قاسم كان يحكم على من يشتمه بالحبس ستة اشهر أما صدام فكان يرسله إلى المشنقة, وأما الشتيمة بحق نوري السعيد فقد كانت مجانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تجني
د.قاسم الجلبي ( 2016 / 3 / 16 - 15:49 )
كل من قرىء وعايش تاريخ العراق الحديث يرى الكثير من التجني وعدم الدرايه الكافيه لما حدث من تطورات سياسيه قبل وبعد ثوره تموز عام 58 رغم مواقف للكاتب الذي احترم كتابته وتوجهاته الفكريه , هناك الكثير من تجنى وحارب افكار الحزب الشيوعي العراقي عل مواقفه الوطنيه تجاه الكادحين والفقراء العراقين وهناك من حاول الدس واتهامه بقيامه بالسحل والقتل , الكثير من اعداء الحزب وضعوا صور ونياشين حمامه السلام وتكلموا بأسمه وفعلوا احقر الاعمال واتهموا به هذا الحزب الجبار من اجل الاساءه ووضعه في زاويه لا يحسد عليه وقد دافع الحزب عن مواقفه ومن برائته من هذه الاعما ل المشينه, والان وبعد مرور هذا الزمن الطويل لنقراء لكاتب قدير يحمل افكارا تنوريه تحرريه قد انطوت عليه افكارا قد قالتها القوى الرجعيه من اعداء ا المعسكر اليساري والتي كانت تطالب بالحريه والديمقراطيه والتنوريه, حقا انها مهزله يرتد بها الكاتب في مقالته هذه , توخوا الحيطه وابتعدوا عني التجني, بل كونوا حيادين في توجهاتكم من اجل الاجيال القادمه والتي ستحنرم كتاباتكم ومقالتكم , مع التقدير


2 - العزيز دكتور قاسم
جعفر المظفر ( 2016 / 3 / 16 - 17:55 )
تحياتي
الموضوعية والأمانة والتحليل الواعي السليم يتطلب عرض الحقائق كما هي ثم محاولة تفسيرها بأمانة
كثير من الشيوعيين انفسهم حينما يراجعون مسيرة ما بعد تموز لا ينكرون مشاهد العنف التي كانوا وراءها
ليس من باب التجني على البعثيين التذكير بالجرائم التي إرتكبوها سواء بحق الشيوعيين أو غيرهم. طبعا كل فريق يبرر موقفه بما يشاء, لكني هنا أتعرض للجذور والقواعد المشتركة التي يـتأسس عليها العنف السياسي, وأعتقد ان الشيوعيين الذين كانوا وراء إختراع مفردة العنف الثوري لا ,
يعتبرون أن عنفهم ضد الخصوم كان جريمة بل إسلوبا ثوريا للدفاع عن الثورة
أما الحبال فقد كانت لغة شيوعية بإمتياز.
على البعثيين والشيوعيين نقد مسيرتهم السابقة بكل جدية ومحاولة تغيير القواعد الفكرية التي تؤسس للعنف. هذه هي غاية المقالة.
سلامي


3 - اما لغتك
فريد جلَو ( 2016 / 3 / 16 - 22:07 )
اما لغتك فتنم عن قدره على خلط الاوراق مجافيا الحقيقه لشان في نفس يعقوب


4 - أين التهديد بشعارالحبال والتصفية بالرشاش و التعذيب
صادق البلادي ( 2016 / 3 / 17 - 23:06 )
تتسم مواضيعك بكثير من الموضوعية والإبتعاد عن الإنحياز المسبق ،والحسابات ولكنك هنا تطلب من الضحية أن تساوي بينها وبين الجلاد، كي تعتبرها موضوعية ، ولتسهم في تغيير القواعد الفكرية التي تؤسس للعنف . عفلق وضع مثل هذه القواعد التي اسست
لعنف و جرائم 8 شباك. ما أدري هل تقول اليوم انك لم تطلع على قول عفلق الذي يدعو
الى ابادة الخصوم الفكريين لأن ه يرى أن تصفية الفكرة دون تصفية من يدعو لها بلا جدوى. .
هذا ما ثقف به عفلق منذ عام 1941
- العمل القومي القابل للنجاح هو الذي يدفع الى الكره الشديد حتى الموت نحو الأشخاص الذين تتمثل فيه الفكرة المعاكسة لفكرته فمن العبث أن يكتفي أفراد الحركة بمحاربة :النظريات المعادية لنظريتهم ، وان يقولوا ما لنا وللأشخاص.
إن النظرية المعادية لا توجد وحدها وإنها تتجسم في أشخاص يجب أن يبيدوا [ يُبادوا] حتى تبيد هي أيضا. إن وجود عدو حي لفكرتنا ، يبعث فيها الحياة ويحرك فينا الدم. فكل عمل لا
يحرك فينا الإنفعالات الحية و لا يشعرنا برعشة الحب و انتفاضة الكره و يغير سرعة جريان الدم في عروقنا و دقات نبضنا هو عمل عقيم -

للتعليق تتمة-


5 - تتمة
صادق البلادي ( 2016 / 3 / 17 - 23:28 )
هل دعا الحزب الشيوعي الى مثل هذا الشعار الذي ينضح و يطفح بالروح الفاشية. لكن ماكنة البعث الدعائية التضليلية نشرت الأكاذيب عن الشيوعيين بحيث بات حتى بعض الشيوعيين وعدد غير قليل من القريبين منهم يصدقون بها، وآل كثيرون يدينونها. شعار - والحبال ممدودة -ليس من طرح الحزب ، لم ينشر البعث - كتابا أسودا - عما اصدره الشيوعيون
وثقفوا به ، كتصريحات عفلق هذه وغيرها. هل انت مطلع على ما قاله عفلق ، المذكور أعلاه،؟ أولا ترى فيه تأسيسا للعنف ، وأعدادا لتصفية الشيوعيين وبالتالي لتصفية الشيوعية ربما كي تصير فلسطين عربية. أتذكر الشعار المسعور: - فلسطين عربية فلتسقط الشيوعية- ، ها اكثر من ربع قرن مر على سقوط المعسكر الإشتراكي ونرى كيف صارت فلسطين عربية. ما انكشف من بعض جرائم البعث مفروض ان تبين للجميع فاشية البعث ، الذي توهم فيه كثيرون ، وانضم اليه الأكثرون إتقاء شره وأذاه. ولكن الذي حاربه وضحى بحياته العديد من الأبطال لتخليص الشعب و الوطن من شروره و حروبه.
مع الحراك المدني من أجل دولة مدنية ديمقراطية ضد المحاصصة والطائفية وتطهير تربة الوطن من بقايا بذور الفاشية.

اخر الافلام

.. إيران.. صلاحيات وسلطات المرشد والرئيس


.. أمم أوروبا.. إسبانيا تكرس عقدة ألمانيا على أرضها | #هجمة_مرت




.. إغلاق مراكز الاقتراع في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية الإ


.. توقيف مسؤولين سابقين بالكرة الجزائرية في قضايا فساد.. هل هو




.. مراسل الجزيرة يرصد سير المفاوضات بين حماس وإسرائيل في العاصم