الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عودة الدماء للجريان في شرايين جسم تنظيم القاعدة

ميشيل حنا الحاج

2016 / 3 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


توقع الكثيرون أن الدكتور أيمن الظواهري، الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة الأم، لن تكون له القدرة على قيادة ذاك التنظيم، الذي تولى قيادته بعد مقتل مؤسسه أسامة بن لادن في غارة شنتها أجهزة المخابرات الأميركية بالتعاون مع "المارينز" على مكان اقامته في باكستان.
وقدر أولئك في حينه، احتمالات فشله لأسباب عديدة ومنها كون الظواهري لا يملك الكاريزما التي تمتع بها أسامة بن لادن، كما أنه لا يحظى بكم التأييد من جماعات طالبان التي كانت الجماعة تضفيها على اسامة بن لادن نتيجة الصداقة الخاصة التي كانت تربطه بالملا عمر – أمير طالبان. كما أن سن أيمن الظواهري (وهو أكبر سنا من بن لادن بقرابة العشر سنوات) ما كان سيساعده على ممارسة أعمال قيادة تنظيم القاعدة في ظل الجغرافية الصعبة في أفغانستان التي اضطرت بن لادن الى الانتقال منها للاقامة في باكستان مما يسر امكانية قتله، وهو - أي الانتقال – كان خطأ ارتكبه بن لادن، وبات من المتعذر على أيمن الظواهري أن يحذو حذوه بارتكاب خطأ مماثل.
أضف الى ذلك، أن وجود خليفة واضح لأسامة بن لادن – وكان رفيقه المقرب له، أي أيمن الظواهري، هو ما مكن تنظيم القاعدة من البقاء حيا رغم ظروف الغزو الأميركي لأفغانستان، اذ حصل انتقال سلس للقيادة في التنظيم من بن لادن لأيمن الظواهري فور اغتيال بن لادن. أما أيمن الظواهري، فلم يبرز حتى الآن مرشحا لخلافته اذا ما أدت التطورات الى مقتله، مما سيؤدي الى احتمال تفكك القاعدة،وهو ما تعول عليه التقديرات الأميركية لتوجيه رصاصة الرحمة لذاك التنظيم بعد أن دخلت في حرب طويلة معه، وسعت الى تفكيكه عن طريق تشجيع، أو غض النظر عن ظهور الدولة الاسلامية كبديل له، نجح في استقطاب أكثر من ثلاثين تنظيما ألغوا ولاءهم لتنظيم القاعدة وأعلنوا مبايعتهم للدولة الاسلامية – داعش.
وأهمية وجود خليفة للظواهري، يعززها التفكك الذي لحق بطالبان اثر وفاة أميرها الملا عمر دون تعيينه خليفة مرجحا لخلافة الملا عمر قي حالة وفاته. فالخلافات نتيجة عدم وجود خليفة واضح للملا عمر، قد دبت في صفوف طالبان، فهناك أمير لها اختارته مجموعة كبرى من الفصائل، لكن لم يوافق عليه سواء ابن الملا عمر أو شقيقه. بل وانشق أحد ألوية طالبان ليشكل امارة اسلامية تابعة لأبو بكر البغدادي واسماها امارة خراسان الاسلامية.
الا أنه رغم كل هذه الظروف غير المواتية، والتي لم يكن أي منها في مصلحة الظواهري، استطاع هذا الطبيب أن يعالج بحكمة وسلاسة حالة ذاك التنظيم، وأن يتعامل بنجاح مع التطورات التي لم يكن أي منها في صالحه، ومنها ابتعاد بعض التنظيمات عن ولائها للقاعدة، اضافة الى اشتداد العمليات العسكرية الأميركية في أفغانستان على مدى أربعة عشر عاما، مع توجه لتمديد تواجدها هناك تحت مسميات مختلفة. فحافظ رغم كل الظروف الصعبة التي واجهها، على ما تبقى من تنظيمات موالية له، ومنها تنظيم القاعدة في اليمن، وتنظيم القاعدة في المغرب العربي، وتنظيم شباب الصومال في الصومال،وتنظيم جبهة النصرة، وبعض التنظيمات الأخرى التي لم تبايع بعد أبو بكر الغدادي. وهو الآن لم يعد يكتفي بالمحافظة على ولائها للتنظيم، بل شرع يحقن شرايينها بدماء الحياة، فعادت هذه التنظيمات، وبعد صمت طويل، الى العمل والنشاط، مذكرة بأن تنظيم القاعدة الأم لم يزل حيا وقائما ومتطلعا الى مزيد من تطوير نفسه...لا في مواجهة الأميركيين فحسب، بل في مواجهة الدولة الاسلامية – داعش أيضا، والتي باتت هي الأخرى عدوه اللدود الآخر.
ويعزز هذا الاحتمال، تكاثر العمليات التي ينفذها شباب الصومال في الصومال، كما يعززها توسع جبهة النصرة السورية المنتمية للقاعدة، في مدى سيطرتها منذ عدة شهور، على أراض سورية شملت السيطرة على محافظة كاملة هي محافظة أدلب. أضف الى ذلك، اشتداد ساعد تنظيم القاعدة في اليمن، وخصوصا في جنوبه، اذ بات يسيطر على بعض المحافظات فيه، كما أخذ يشكل قلقا متناميا يوما بعد آخر في مدينة عدن ذاتها – عاصمة الجنوب، بل العاصمة المؤقتة للرئيس عبد ربه منصور هادي. ونتيجة لهذا القلق، بل الصداع الكبير، اضطر الرئيس هادي الى البقاء في الرياض وعدم العودة للاقامة في عاصمته المؤقتة عدن، بل واضطر أيضا طيران التحالف في عاصفة الحزم، ألا يكتفي بقصف مواقع الحوثيين كما اعتاد طوال العام الماضي من الحرب، اذ بات الآن مضطرا لقصف مواقع القاعدة في عدن والجنوب اليمني بين فترة وأخرى.
لكن التطور الأهم كان في افريقيا، حيث ظهر التنافس الواضح بين القاعدة والدولة الاسلامية. ففي الوقت الذي كانت فيه "بوكو حرام" الموالية للدولة الاسلامية تصول وحدها وتجول في نيجيريا ومالي ودول افريقية أخرى، فقد ظهر فجأة منافس لها تمثل في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب ويقوده كما قيل، مختار بلمختار، الذي نفذ عمليتين كبيرتين خلال شهرين من الزمان. وكانت الأولى في "بوكينا فاسو" التي نفذت قبل شهرين، والثانية قبل أيام قليلة نفذت في ساحل العاج. وفي كلي العمليتين، تم قتل العديد من المدنيين وبعض السواح الأجانب. وها هي عملية كبرى قد جرت اليوم في "مابغدوري" في شمال نيجيريا، حيث جرى تفجير انتحاري في وسط مجموعة من المسلين، وحصد التفجير حسب الأنباء الأولية، عشرين قتيلا. ولم يعرف بعد من نفذ هذا الهجوم الجديد: هل هم بوكو حرام أم تنظيم القاعدة في المغرب.
فالصراع بين التنظيمين قد بدأ يتجلى بوضوح على الأراضي الأفريقية، في وقت تسعى فيه الدولة الاسلامية الى تعزيز موقفها في ليبيا، فتوسع المساحات الليبية الواقعة تحت سيطرتها. وتركيزها على ليبيا لم يأت فحسب من باب التنافس مع تنظيم القاعدة، بل نتيجة خسارتها لأراض في العراق، وبعض المناطق أيضا في الشمال السوري الكردي، ومنها مدينة الشدادي التي توجد فيها آبار نفط كانت تغذي خزينة الدولة الاسلامية بالمال. وقدرت مساحة المناطق التي فقدت السيطرة عليها بعشرين بالمائة من مساحة الأراضي التي كانت تسيطر عليها. وأكثر المناطق مساحة التي فقدت السيطرة عليها، كانت في العراق حيث خسرت الجزء الأكبر من محافظتي صلاح الدين والأنبار. وفي لقاء مع قناة "بي بي سي – عربي" اعترف مقاتل من الدولة الاسلامية تم أسره في الشدادي، أن اغارات الطائرات الروسية والأميركية عليهم، قد أثرت على قدراتهم بنسبة سبعين بالمائة.
ويأتي هذا التطور في وقت تبعه تطور آخر بدا مفاجئا على صعيد مقاتلة الحركات الارهابية بشكل عام، سواء انتمت للقاعدة أو للدولة الاسلامية. وتمثل ذاك بالقرار الذي أعلن فجأة، (دون أن يكون قد اتخذ فجأة، بل تقرر بعد مشاورات مع الرئيس بشار الأسد، بل ومع الولايات المتحدة كما أرجح، والتي حاولت أن تبدو متفاجئة به)... بسحب معظم القوات الروسية من سوريا مع الاحتفاظ بقاعدتي طرطوس وحميمين. فالقوات الروسية كانت تغير على جبهة النصرة التابعة للقاعدة، بل وعلى أحرار الشام أيضا المرجح وجود صلات غامضة ما بينها وبين تنظيم القاعدة، اضافة الى اغاراتها على مواقع الدولة الاسلامية في تدمر
ولكن قرار الانسحاب الجزئي على أرض الحقيقة والواقع، لم يكن قط مفاجئا في اتخاذه، بل جاءت المفاجأة في توقيت اعلانه ليتناسب مع الشروع بمؤتمر جنيف ثلاثة، كدفعة لتعزيز ضررورة وصول المتفاوضين الى اتفاق ما يبدأ باعلان الابقاء على وقف اطلاق النار، ويحول دون قيام المعارضة السلحة بمطالبة الولايات المتحدة بتزويدها بمزيد من الأسلحة، وخصوصا النوعية منها كأسلحة مضادة للطائرات...الروسية طبعا. فهذا الاعلان قد قطع الطريق عليهم، لتضاؤل خطر الطائرات الروسية عليهم نتيجة انسحاب الجزء الأكبر منها من سوريا. كما أنه زود الولايات المتحدة بالمبرر القوي لرفض الاستجابة لطلبات كهذه. أما الانسحاب الروسي، فلن يؤثر أبدا على مواصلة الطائرات الروسية قصفها لجبهة النصرة (المنتمية للقاعدة) في ادلب، وتنظيم الدولة الاسلامية في تدمر، في وقت تواصل فيه أيضا الولايات المتحدة في قصف الدولة الاسلامية في ألأنبار، مع مواصلة قصفها وقتالها في أفغانستان ضد القاعدة وطالبان في آن واحد.
ومع ذلك، فان هذه التطورات التي لا تعمل لمصلحة الدولة الاسلامية في سوريا والعراق، أو لمصلحة القاعدة في سوريا (جبهة النصرة) أو القاعدة في اليمن، لن تؤدي الا الى زيادة التركيز من قبل هذين التنظيمين، على وجوب التوسع في افريقيا، وخصوصا في ليبيا ونيجيريا ومالي وساحل العاج، وفي غيرها من الدول الافريقية التي باتت مستهدفة لتنافس الفريقين... أي القاعدة والدولةالاسلامية
ميشيل حنا الحاج
عضو مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب – برلين
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي – واشنطن
كاتب في صفحات الحوار المتمدن – صفحة مواضيع وأبحاث سياسية
عضو في رابطة الكتاب الأردنيين – الصفحة الرسمية
عضو في رابطة الصداقة والأخوة اللبنانية المغربية
عضو في مجموعة مشاهير مصر
عضو في مجموعة صوت اللاجئين الفلسطينيين
عضو في مجموعات أخرى: عراقية، سورية، لبنانية، أردنية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح والعلاقات بين مصر واسرائيل .. بين التوتر والحفاظ على الم


.. الجدل المتفاقم حول -اليوم التالي- للحرب في غزة.. التفاصيل مع




.. حماس ترد على عباس بشأن -توفير الذرائع لإسرائيل-.. فما انعكاس


.. قتلى ومصابون في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل وحزب الله | #ر




.. جدل مستمر وخلاف إسرائيلي وفلسطيني حول مستقبل حكم غزة | #التا