الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التقارب التالي .. نظرة متفائلة للنمو الاقتصادى

فتحى سيد فرج

2016 / 3 / 17
العولمة وتطورات العالم المعاصر



الكتاب: التقارب التالي... مستقبل النمو الاقتصادي في عالم متعدد السرعات .
المؤلف : مايكل سبينس .
ترجمة : حمدى أبو كيلة .
الناشر : المركز القومى للترجمة – العدد 2574 .
تاريخ النشر : 2016 .
هذا كتاب توافرت له كل عوامل النجاح فمؤلفه "مايكل سبينس" أستاذ الاقتصاد فى جامعة نيويورك، وزميل متميز فى معهد هوفر بجامعة ستانفورد، كان رئيساً لمجلس إدارة "لجنة النمو والتنمية المستقلة" وهو حاصل على جائزة نوبل فى الاقتصاد عام 2001، ومترجمه "حمدى أبو كيلة" واحد ممن اكتسب ثقة بترجماته التى تربو على 40 دراسة ومقالا منشورة فى مجلة "الثقافة العالمية الكويتية" وعدد من الكتب التى يحسن اختيارها من أفضل وأحدث الأصدرات العالمية فى المجالات الاقتصادية والسياسية التى تساهم فى ارتقاء الوعى والثقافة المصرية، وفى هذا الكتاب تمكن من الوصول لترجمة نص متميز بأسلوب سهل يتسم بطلاقة وسلاسة ووضوح، مذيل بتوضيحات للمفاهيم والمعانى العلمية الجديدة فى النص الأصلى، وناشره "المركز القومى للترجمة" الذى أصبح من أهم مراكز الترجمة العربية، والأهم من كل ذلك الرؤية التفائلية ومستوى الشمول والموضوعية والدقة العلمية لمحتوى هذا الكتاب، الذى يتميز بالذكاء والعقلانية والنظرة الإنسانية، حول الحدث الاقتصادي العظيم لعصرنا : أي التقارب، أو الصعود السريع للبلدان التي كانت فقيرة في الماضي، وتسعى حاليا للتقارب مع البلدان التى نجحت فى التقدم والتنمية وتحقيق معدلات عالية من النمو الاقتصادى .
يشرح لنا المؤلف فى هذا الكتاب : كيف كان النمو الاقتصادى، على مدى مئات من السنين وحتى عام 1750 شبه متوقف، "كان الناس فقراء فى معظمهم، حقا كانت هناك نخب غنية، وكان الثراء مرتبطا يالسلطة، ولكن كان الناس بصفة عامة يعيشون فى عالم بلا نمو، بعد هذا التاريخ بدأت إنجلترا مسارا جديدا من الثورة الصناعية، وبدأ يرتفع متوسط نصيب الفرد من الدخل، وأخذ النمو يتسارع وأصبح مستداما لأول مرة فى التاريخ، وامتد هذا النمط بسرعة شديدة فى القرن التاسع عشر إلى قارة أوروبا ثم إلى الولايات المتحدة وكندا، واستراليا ونيوزيلاند، واستمر هذا النمط لمائتى عام، وانسال بعض منه على أجزاء من أمريكا اللاتينية، ولكن بشكل أقل اكتمالا" . صـ 21
بحلول 1950 ارتفع متوسط دخول من يعيشون فى تلك البلاد عشرين ضعفا، من حوالى 500 دولار إلى أكثر من 10.000 دولار فى العام، لقد كان هذا النمو مدفوعا بتطبيق العلم والتكنولوجيا فى الإنتاج والنقل والاتصالات ، وفى الإدارة والابتكار المؤسسى، وفى تغيرات نظم الحكم وأساليب التفاعل السياسية . صـ 22
لقد كان التغيير الدراماتيكى فى نمط الإنتاج مقصورا على ما نسميه الآن الدول المتقدمة، وقد أثرت على حياة حوالى 15% من سكان العالم، وفى خارج هذه المجموعة استمر نمط مئات السنين السابقة، حيث كان النمو قليل جدآ وظل الناس فقراء، وأخذ الاستعمار الثروة التى تولدت وخصصها للقوى الامبراطورية الصناعية، فاللقطة الخاطفة لصورة الاقتصاد العالمى سنة 1950 كانت تعبر عن انطلاق أقلية من سكان العالم، لا تزيد عن نحو 750 مليون إنسان يعيشون فى رخاء، بينما تخلف حوالى 4 بلايين نسمة واستمروا يعانون أشد انواع الفقر، ولم يسبق للعالم أن شهد فروقا بهذه الضخامة .
اعتبارا من منتصف القرن العشرين حدث نوع من الانتشار المفاجئ والكبير لنمط النمو المرتفع فى بعض بلدان العالم، وبدأ يحدث تقارب ينطوى على تطبيقات واسعة وعميقة للثورة الصناعية والتطور التكنولوجى، وبعد قرنين من التباعد والتفاوت بين مستويات النمو بدأ يسود نمط من التقارب، فقد أصبح الملمح اللافت للنظر فى عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية تزايد عدد الدول ذات النمو المرتفع بمعدلات 7% وأكثر، بعد ان كانت معدلات النمو فى المائتى عام السابقة تتراوح بين 2% و2.5% . صـ23
يقول سبينس "هدفى من هذا الكتاب هو محاولة جعل هذا التغير شديد السرعة والتحول فى النشاط الاقتصادى والسلطة أكثر قابلية للفهم لدى القارئ المعنى والمنشغل بالموضوع، من أجل ذلك بدأ يطرح مجموعة من التساؤلات الهامة لمحاولة البحث عن إجابات لتفسير هذا السياق المذهل : فما الذى حدث لكى يجعل 60% إضافية من سكان العالم تبدأ الالتحاق بعالم الوفرة؟ كيف يمكن تحقيق نمو يقترب من 10% سنويا، بينما كان أقصى نمو فى السابق لا يتجاوز 3% ؟ كم تحتاج دول فقيرة من الوقت لكى تحقق التحول الكامل إلى وضع الدولة المتقدمة؟ ولأى زمن تستطيع أن تستمر؟ وهل هناك حدود للسرعة؟ هل هناك كوابح سوف تؤدى للإبطاء أو إيقاف هذا النمو؟ هل هناك مشكلة بالنسبة للدول المتقدمة لو أنها لم تستطيع النمو بنفس المعدلات المرتفعة؟ ما الذى يقود ويسبب النمو فى الدول المتقدمة، وهل هى القوى نفسها فى الدول النامية؟، هل إدارة وحكم الاقتصاد العالمى الذى كان موجودا فى ربع القرن الأخير قادر على العمل فى المستقبل؟ أم أنها فى طريقها لتغيير جوهرى؟ . ص 24
إن الحرب وسفك الدماء وعدم القدرة على إدارة أو منع الصراع لم تكن اختراعا يخص القرن العشرين، ولكن مستوى واتساع نطاق الدمار كان كذلك، إن زعماء ومواطنى ما بعد الحرب قد جاهدوا من أجل أن يصوغوا مدخلا جديدآ وتعاونيا وأبعد عن المعادلة الصفرية للبنية العالمية التى أثرت فى كيفية تفاعل الدول مع بعضها البعض، فالقوة الدافعة وراء الثورة الصناعية كانت هى العلم والتكنولوجيا سريعة التقدم . وهذه القوة جعلت الدخول ترتفع كما جعلت الحرب أكثر خطورة . صـ 33
بعد الحرب وعلى خلاف المعتاد بدأت الصين والهند ودولا آخرى تحقق معدلات نمو مرتفع تصل إلى 7% أو أكثر، وكان هذا النمو المرتفع والمستدام مشهدأ جديدأ لهاتين الدولتين اللاتان يصل مجموع سكانها إلى حوالى 40% من سكان العالم، واليابان كانت أول دولة ذات نمو مرتفع، ومع عدد سكان يبلغ 120 مليونا، فإن اقتصادها أقل من نصف حجم اقتصاد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، ولكن الصين والهند بما تمثله من ثقل سكانى فإن حجم اقتصاد كل منها أربعة أضعاف حجم اقتصاد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، ولأول مرة فى التاريخ نشهد ان نمو الإنتاج والدخل قد فاق النمو السكانى على عكس نظرية مالتس، وقد لعب العلم والطب دورا فى تحسين مستوى الصحة العامة وفازا فى معركتهما مع مستوى الأعمار، وهكذا أصبح الناس أكبر سنا وعاشوا حياة أفضل .
واعتقد الاقتصاديون أن الدخول واحتمالاتها فى دولة نامية تعتمد إلى حد كبير على توفر الموارد الطبيعية، وربما كان هذا صحيحا قبل انفتاح الاقتصاد العالمى على التجارة فى السلع المصنعة، ولكن مع هذا الانفتاح تغير الحال بحيث أصبحت الثروة القومية تتضمن الموارد البشرية التى ارتفعت قيمتها عندما أصبحت متاحة للاقتصاد العالمى، فقد تحولت الاستفادة من المواارد البشرية لكى تصبح أساس النمو الآسيوى، ففى فترة ما بعد الحرب كان هناك إجماع فى الرأى بين الاقتصاديين على أن الاحتمالات كانت مشرقة بالنسبة لأفريقيا، ومعتمة بالنسبة لآسيا التى كانت المنطقة الأكثر كثافة سكانيا والأشد فقرا فى العالم، كما أنها – نسبيا – ذات موارد طبيعة منخفضة جدا مقارنة بأفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية ودول الشرق الأوسط .
ولكن بحلول 1990 كان نمو دول جنوب وشرق آسيا يشق طريقه، ونمت النمور الآسيوية (كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وهنج كونج) إلى مستويات الدخل المتوسط، وأخذت طريقها باتجاه الدخول المتقدمة، كما شهد عدد آخر من الدول فى آسيا (إندونيسيا وتايلاند) نموا مرتفعا ومستداما، لقد استثمرت هذه الدول فى الشيء الوحيد الذى تملكه، البشر، وبخطوات تدريجية أسرعت وأدامت النمو، وقد استفادت أيضا من انفتاح الاقتصاد العالمى لكى تتاجر فى نطاق أوسع من السلع، وهناك فى ذلك دروس متعددة :
أولا : أن نماذجنا وقدرتنا على النظر إلى المستقبل محدودة، والمفاجات التى تقابلنا هى القاعدة وليست الاستثناء .
ثاني : أن التعدد ولدرجة مدهشة، هو غالبا منشأ التغيير الناجح .
ثالثا : أن خلق الثروة المستدامة هو فى النهاية شىء موجود بداخل الناس – راس المال البشرى والمعرفة – وفى التغير الهيكلى المستمر فى الاقتصاد، وفى نظم المؤسسات الاقتصادية والسياسية التى تسمح بحشد مثمر لتلك الأصول .
رابعا : الحكم الرشيد مهم جدا، فالظروف الاقتصادية المواتية ليست كافية وحدها . صـ48
جذور الاقتصاد العالمى : فى سبيله للإجابه على بعض التساؤلات التى سبق طرحها يقول سبينس : "بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، وضعت بذرة تحولت لكى تكون واحدا من المكونين الرئيسيين للاقتصاد العالمى، فقد شرع قادة الدول المتقدمة فى بناء نظام دولى مختلف، فرعب الحرب وما تخلف عنها من دمار ولد أزمات، والأزمات عموما تكون فرصة صـ 62للتغيير، من هنا بزغت منظمة الأمم المتحدة، التى كانت الاتفاقية العامة للتعريفة والتجارة (الجات) مكونا وليدا من مكوناتها، وقد بدأت الجات سنة 1947 لكى تخفض التعريفة الجمركية، التى كانت حاجزا أمام التدفقات التجارية، (صـ 49) حتى تسعينيات القرن العشرين كانت الحات مجرد ناديا يدار بواسطة الدول الصناعية المتقدمة ولأجلها فقط، ولكن الجات تحولت لمنظمة التجارة العالمية، التى أصبحت أكثر شمولا بعد ان فتحت عضويتها لمعظم الدول، وهو تغير يعكس تزايد حجم وقوة الدول النامية، وهكذا أصبحت مصالح الدول الأصغر والأفقر ممثلة فى عملية وضع وتعديل قواعد التجارة العالمية . صـ 51
من أين يأتى النمو : المكون الثانى للنمو بدأ بعد استمرار الثورة الصناعية التى أدت لزيادة الإنتاجية ومن ثم ارتفاع الدخول، والسؤال الواضح إذن : من أين يأتى ذلك؟ والإجابة تتلخص فى "الابتكار" الذى نسميه التقدم التكنولوجى فهو السبب فى زيادة الطاقة الإنتاجية، بمعنى أنك تستطيع بنفس المدخلات من رأس المال والعمل والمواد الخام والطاقة أن تنتج مخرجات أكثر أو ترفع القيمة، (صـ61) فالابتكار هو معرفة جديدة تطبق لإضافة قيمة، أو خلق منتجات جديدة، أو تخفض تكلفة، وهى لا تهبط من السماء، لكن لابد من ابتداعها، وقد فسرت نظرية النمو الحديثة كيفية ذلك، حيث أنها عملية نمو ذاتى لأن الهدف منها جعل التقدم التكنولوجى جزءا من النموذج الديناميكى، بوصفها من داخل العملية الإنتاجية، وليس كشىء يبرز من مكان خارج العملية الاقتصادية . صـ 62
عن طريق المكونين السابقين، تمكنت 13 دولة من تحقيق نمو مرتفع ومستدام لمدة أكثر من 15 عام بمعدل متوسط يبلغ 7% ، فحالات النمو المرتفع المستدام تحققت بفعل الانفتاح المتنامى والترابط المتزايد فى الاقتصاد العالمى، لقد أزالت اتفاقيات التجارة الحرة الحواجز ، وعلى التوازى كانت مكاسب التكنولوجيا فى النقل والاتصال تخفض التكلفة، ولكن هناك 180 دولة آخرى لم تبدأ فى النمو تحتاج لنقل أو خلق المعرفة، ورغم صعوبة نقل المعرفة، فلابد من فتح الطريق لأستقبالها، فالمعرفة تتميز بخاصية أن انتقالها من مكان (أ) إلى مكان (ب) يجعلها ملك الأثنين .
هذا ما يحدث فى العالم النامى، هناك عناصر تدخل فى تكوين النمو المرتفع، أهمها التعليم واكتساب معرفة جديدة مثمرة موجودة بالفعل فى العملية الإنتاجية، يمكن نقلها من الاقتصاد العالمى، وخاصة من الدول المتقدمة، وهناك قنوات متعددة لعملية النقل هذه، أهمها العملية المحيطة بالاستثمار الأجنبى المباشر، والانخراط فى الاقتصاد العالمى من خلال سلاسل العرض العالمية، فنقل المعرفة وتعلمها استمر لقرنين من الزمان، فالتصنيع الذى بدأ فى بريطانيا بةانتقل إلى باقى أوروبا وأمريكا، وفى وقتنا هذا ، يتسبب نقل المعرفة فى الاحتمالات المثمرة للزيادة السريعة جدا فى البلدان النامية، وهناك من يقول أن الابتكار قد قفز قففزة كبيرة إلى الأمام، ولكن الواقع أن الابتكار ليس هو الذى قفز، ولكنه نقل الابتكار أي نشر المخرجات المعرفية . (صـ 88) وعن طريق الابتكار يستتمر ارتفاع النمو فى الدول المتقدمة، وعن طريق نقل الابتكار يمكن أن تتمكن الدول النامية من تحقيق النمو المرتفع .
ولفرط أهتمام الكاتب بتجربة الصين ودورها فى تحول الاقتصاد العالمى، فأنه يشرح بتفصيل هذه التجربة "عندما قرر دينج سياو بينج ومجموعة من الإصلا حيين فى الصين أن يغيروا الاتجاه فى نهاية سبعينيات القرن العشرين فعلوا شيئين : أولهما ترك آلية السوق تعمل فى القطاع الزراعى، كانت هذه حركة بارعة، فمعظم سكان الصين فى الزراعة (82%) عندما سمح لهم أن يبيعوا أى زيادة فى إنتاجهم، حدثت قفزة فورية وكبيرة جدآ فى الإنتاج الزراعى، ما أدى إلى ارتفاع الدخول وتطور النمو الاقتصادى، حدث تزمر لسكان المدن من ارتفاع بعض الأسعار، ولكنهم كانو 18% من السكان، ولكن حوافز السوق كانت تشكل أدوات قوية لهذه القفزة فى الدخول بصفة عامة، وارتفاع معدلات النمو فى الاقتصاد على المستوى العام . صـ 90
الإصلاح الثانى كان ينم عن بصيرة ثاقبة وعميقة، فقد أدرك دينج أنهم لا يعرفون كيف يديرون اقتصاد السوق، حيثث أنهم لا يملكون الخبرة ولا المفاهيم، وقد طلب المساعدة من البنك الدولى، وجاء روبرت ماكنامارا إلى الصين لكى يساعد على التحول إلى اقتصاد سوق اشتراكى، ما طلبه دينج لم يكن رأس مال على الرغم من أنه كان يتحدث مع بنك، ولكنه كان يطلب المعرفة . صـ91
هكذا بدأت الصين طريقها للحفاظ على معدل نمو 7% وأصبح النمو فى الصين قوة دافعة للاقتصاديات النامية فى بلدان أخرى، والطبقة المتوسطة في الصين أخذت تنمو بشكل كبير وأصبحت محطة الطاقة التي تغذي عجلة التنمية، وحسب تقديرات معهد ماكينزي العالمي، من المتوقع أن تنمو الطبقة المتوسطة في الصين من نحو 230 مليون نسمة في الوقت الحالي إلى 630 مليون نسمة خلال عشرة أعوام. وتعتبر تلك الزيادة من مظاهر زيادة الأجور ودخول الأسر الصينية، بالإضافة إلى السياسات التي جرى وضعها بهدف زيادة دخول الأسر في الجوانب التي تؤدي إلى زيادة النمو. وسوف ينتج عن ذلك بالتأكيد سوق هائلة ونامية وقوة دفع كبيرة للنمو في الصين وباقي دول العالم، وفي العديد من المجالات السياسة الاقتصادية في اقتصاد السوق، وإدارة الأعمال، والتكنولوجيا، والطاقة، والبيئة، والرعاية الصحية، على سبيل المثال لا الحصر- ساعد التعلم الانتقائي في التعجيل بعملية التنمية والتطوير في الصين (وأفاد البلدان التي تعلمت من التجربة الصينية) .
لقد أصبح الاقتصاد العالمي الآن كياناً أشد ترابطاً مما كان قبل أربعين عاما، وتعتمد التدفقات العابرة للحدود من السلع والمعلومات والبشر ورؤوس الأموال، والتي هي شريان حياة الاقتصاد، على حد أدنى من الأمان والاستقرار والقدرة على التنبؤ بتحركات المستقبل، فلانفتاح على الاقتصاد العالمى أصبح أمرا بالغ الأهمية، والأستثمار الأجنبى المباشر على سبيل المثال، قناة رئيسية لنقل وتطويع المخزون المتراكم من التكنولوجيا والمعرفة العالمية، ويبدو أن عملية التقارب طويلة الأجل للدول المتقدمة والنامية ستستمر، وكذلك سيستمر نمو حجم الاقتصاد العالمي بشكل عام، ويرجع الفضل الأكبر في تحقيق هذا النمو لاقتصاد القطاع الخاص .
عندما ينتقل الكتاب إلى مستقبل النمو . ويبحث آفاق استمرار التقارب السريع، والتحديات التي تقف أمام تَوافُّر الموارد، والتغيرات المناخية، والتحول العجيب الذي يحدث الآن بفعل انتشار تكنولوجيا المعلومات، يلاحظ أنه قبل فترة ليست بالطويلة كنا نشعر بالقلق من الانقسام الرقمي . أما اليوم فإن عدد الاشتراكات في الهواتف الجوالة يساوي 70 في المائة من سكان العالم. نستطيع أن نتصور مستقبلاً تتوافر فيه لكل إنسان بالغ القدرة على الاستفادة من جميع المعلومات التي تمتلكها البشرية. وهذه بالتأكيد ثورة عميقة. لتحقيق هذا المستقبل المتفائل، يأمل المؤلف في أن تسود روح البراجماتية والتعاون العالمي، ولنتأمل هنا صناعة معدات الاتصال، التي كانت في نمو مستمر بمعدل يتجاوز 15% سنوياً في السنوات القليلة الماضية. ويقترب إجمالي حجم البضائع في مبيعات التجزئة على الإنترنت من تريليونيْ يوان صيني (316 مليار دولار أميركي) وينمو بمعدل 40% إلى 60% سنويا. كما تشهد قطاعات صناعية أخرى عديدة تخدم الطلب المحلي نمواً بمعدلات تتجاوز 10%، وهو ما يشير إلى أن الاستهلاك المحلي بدأ بالفعل يقدم إسهامات أكبر لنمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين .
وما نخرج به من هذا الكتاب هو أن المؤلف يطرح من الأسئلة أكثر مما يقدم من إجابات، وربما يرجع ذلك إلى ما قاله هو نفسه من أن العالِم مهما كان قدره، ومهما كانت قيمته العلمية، يحتاج إلى قدر كبير من التواضع، عندما يقوم بتقييم آثار ظاهرة بحجم العولمة، ومن الافكار الجديدة يرى أن الاقتصاد العالمي يحتاج إلى "إشراف منسق ومُحسّن"، و"حكومة عالمية كفؤة"،
أخيرا يقول المؤلف، نحن نعلم الآن على نحو أفضل بكثير من ذي قبل كيفية تحقيق وإنجاح النمو السريع والمستدام. وهو يبدو واثقاً من أن النمو لن يستمر فقط، وإنما سيتوسع كذلك. وهو يعرض لنا أربعة دروس واسعة: إدراك الشخص لحدود معرفته والحاجة إلى تحسُّس الطريق؛ وتقدير منافع الظروف العصيبة؛ وفهم حقيقة أن الثروة المستدامة تُبنى على الناس؛ وأخيراً إدراك أن الحوكمة – بل والحكومة – لها أهميتها، ليس فقط في السيطرة على مقاليد الأمور وإنما كذلك في كونها قوة فاعلة نشطة، ونظراً لمحدودية قدرة الطلب على الاستثمار على دفع النمو، فإن الأمر يتطلب أيضاً توظيف الخدمات الحكومية العالية القيمة وزيادة الاستهلاك الأسري .
أنه كتاب مفيد لكل دولة تحاول البحث عن سبل
التنمية، فهل لنا ان نستفيد من دروس وتجارب الدول – خاصة الصين، الهند، ودول جنوب وشرق آسيا - التى تخطت صعاب نقطة البداية وبدأت تتعلم وتنقل المعرفة والتكنوولوجيا وتنفتح على السوق العالمى، لقد أصبح الطريق واضحآ والتجربة متاحة، والتعلم مطلوب لمن يريد التقدم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -عفوا أوروبا-.. سيارة الأحلام أصبحت صينية!! • فرانس 24


.. فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص




.. رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس


.. انقلاب سيارة وزير الأمن القومي إيتمار #بن_غفير في حادث مروري




.. مولدوفا: عين بوتين علينا بعد أوكرانيا. فهل تفتح روسيا جبهة أ