الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كي لا نقول بعد سنوات فلسطين والعراق وسورية والسعودية و

فريد حداد

2003 / 1 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


كي لا نقول بعد سنوات

فلسطين والعراق وسورية والسعودية و...

في الفترة الفاصلة بين حربي العراق في ايران والكويت , أعلن  صدام حسين  , بانه يملك سلاحاً قادراً على حرق نصف "اسرائيل " .

هذا التصريح الأحمق ,  الذي لم نسمع مثيلاً له من قبل الزعامات الأسرائيلية المتعاقبة ,  منذ امتلكت اسرائيل سلاحها الذري في أواخر الخمسينات من القرن الماضي الى اليوم . دفع الساسة الأمريكان الى اعادة تقييم فائدة تسليم اسلحة دمار شامل الى زعيم مهووس  بعظمته ,  جامحاً باتجاه توسيع دائرة نفوذه باستمرار على حساب كائن من كان  .  فلقد كان مرسوماً لهذا السلاح , ان يحرق خصوم المصالح الأمريكية في المنطقة , لا أن يحرق نصف امتدادها في المنطقة العربية ( اسرائيل ) .

 

لقد حصلت تطورات كثيرة بعد ذلك التصريح , منها غزو الكويت وذهاب امريكا بجيوشها الى منطقتنا العربية , واخراج العراق من الكويت , ( مع احتمال ان تكون امريكا هي المشجعة الرئيسية لنظام صدام لدخوله الكويت ) , وصدور قرارات مجلس الأمن الكثيرة بشأن العراق ,  والتي انتهت في يومنا هذا الى وضع العراق تحت الوصاية الدولية ,  وتهيئته لغزو امريكي أكيد ,  طالما ان صدام حسين على رأس السياسة العراقية .

 

ان الألحاح الأمريكي الذي نراه اليوم ,  من اجل تجريد العراق من اسلحته , ليس الحاحاً صادراً عن رئيس امريكي مهووس بالحرب ,  او معقد ,  او مريض نفسياً ,  كما يحلو لبعض الساسة العرب ان يصفوا واقع الحال القائم حالياً ( مع احتمال ان تكون تلك هي مواصفات الرئيس الأمريكي ) . بل انه اصرار ناجم عن خلل قائم بين طرفي مساواة حسابية أمريكية  .

 ما هي اطراف هذه المعادلة الحسابية ؟

الطرف الأول هو محتويات فواتير البيع التي ما زالت موجودة في خزائن وزارة الدفاع الامريكية , والتي تحدد ما تم تسليمه للنظام العراقي من مواد محظورة , والتي تدخل في تصنيع الأسلحة المحظورة , سواء من الترسانة الأمريكية او من الشركات الأوروبية .

والطرف الثاني من المعادلة وهو ما استعمله النظام العراقي من هذه الأسلحة ضد شعبه في الشمال والجنوب , وضد جيرانه الايرانيين بالأضافة الى ما دمره الخبراء الدوليون ما بين 1991 و 1997

الفرق بين طرفي المعادلة تلك حسب الدراسة الأمريكية هي 30000 قذيفة كيميائية وجرثومية , مازالت مجهولة المصير.

 

العراق تقدم الى الأمم المتحدة ( الولايات المتحدة ) بتقرير عن ترسانته من  الأسلحته , هذا التقرير احتكرته الولايات المتحدة واعطت نسخ معدلة عنه الى الدول اعضاء مجلس الأمن , غَّيبت منه ما لا تريد ان يعرفه الآخرين عن القذارات التي مارستها مع النظام الأستبدادي في العراق ضد شعبه والشعوب المجاورة , وكما ان النظام العراقي له مصلحة في ذلك ايضاً , لذلك لم يبادر العراق الى تسليم الدول المحتجة على عدم استلامها لنسخة عن التقرير , نسخة عنه , بمن فيهم الدولة " الشقيقة " الوحيدة في مجلس الأمن ,  وهكذا حافظ اللاعبان على نفسيهما في ساحة اللعب ,  مستبعدين الآخرين كي لا  يكشفوا  مضمون  علاقتهم السابقة  المشبوهة ضد شعوب المنطقة  . في هذا التقرير على ما يبدو يقدم العراقيين كشفاً بالأسلحة المحظورة التي استخدموها ضد شعبهم وجيرانهم ,  وما دمره الخبراء الدوليون ,  ليقولوا ان المحصلة صفراً .و هذا ما أغاظ الأمريكيين و ما دعاهم للقول ,  بان العراق ما زال يمتلك تلك الأسلحة ,  وان تقريره لا يظهر الحقائق ,  وان الحرب قادمة وبغض النظر عن تقرير الخبراء الدوليين . هذا الأصرار الأمريكي دفع صدام حسين لأن يضع مجموعة من الصواريخ الفارغة الحشوة امام المفتشين الدوليين  لكي يكتشفوها , وبذلك يعتقد صدام ,  بانه يملأ الفجوة في تقريره ,  او يجد النسبة المئوية الضائعة التي يبحث عنها الأمريكان . ومع ذلك فقد عاد الأمريكيون  مجدداً لتكذيب العراق , واتهام مسئوليه بالخداع .  

 

امام هذه المعطيات لا بد للأمريكيين من ان يتكهنوا بمكان وجود هذه الأسلحة المفقودة حسب اعتقادهم , وأحد هذه الأمكنة المحتملة  بنظرهم , هي سورية التي يتوقعون ان يكون صدام قد هرب اسلحته اليها كما فعل اثناء حرب الخليج الثانية عندما هرّب مقاتلاته الى ايران , وان كان هناك موانع من ان تتحدث الولايات المتحدة عن هذا الأحتمال الغير مؤكد , علناً ,  فان مهمة جس النبض ,  توكل دائماً الى وجهها القبيح في المنطقة ,  شارون . ومن هنا فانه لايجوز لنا ان نعتبر تصريحات شارون بهذا الخصوص , بأنها  تحريضاً اسرائيلياً على سورية , بل يجب ان نفهمه بانه تفكيراً امريكياً منطوق شارونياً . وهذا يرتب علينا ان نعمل بالطرق الصحيحة لحماية استقلالنا الوطني ضد    غزو قادم  الى المنطقة وليس العراق فقط  .

 

ان اصرار الولايات المتحدة على :

1 – ازالة اي احتمال خطر يتهدد جزئها الآسيوي "  اسرائيل "  حتى ولو بعد مائة عام .

2 – احكام قبضتها على مصادر الطاقة في العالم , لتتحكم بدرجة نمو حلفائها او حتى شلهم , وتأمين طاقة رخيصة لأسواقها الداخلية . وتثبيت موقعها كزعيم أوحد لهذا العالم , تبنيه بطريقتها التي تخدم مصالحها فقط , حتى دون حلفائها التاريخيين .

3 –  اعادة صياغة الأوضاع السياسية والجغرافية في منطقتنا العربية وتنصيب قرضايات عرب على شاكلة احمد الجلبي ومن لفه في سدة الحكم , وتلميعهم على انهم جالبي الديمقراطية الى العالم العربي , وتكليفهم بمهمة الحيلولة دون وجود معارضين للهيمنة الأمريكية في المستقبل , كي لا تتكرر التجربة السعودية في ايلول 2001 , او التجربة الفلسطينية في 1966 او الناصرية في 1952 .

بالأضافة الى مايظهره لنا الرئيس الأمريكي من استخفاف بالرأي العام العالمي والمحلي , حيث ان المظاهرات الكبيرة التي حصلت في الولايات المتحدة في 18 يناير , لا تعني له اكثر من انها ميزة من ميزات الديمقراطية الأمريكية , وليست رفض لسياسة مجرمة متوحشة بحق الشعوب المستضعفة .

هذا الأصرار الأمريكي المتضافر مع  :

1 - خلو السياسة العراقية من اي معنى سياسي فاعل على الساحة العربية او العالمية ناهيك عن الساحة الداخلية  , وتحولها الى سياسة عنتريات جوفاء .

2 -  عجز السياسة العراقية  عن حشد حلفاء دوليين او حتى عرب ,  تتقاسم المصالح المشتركة معهم ويساعدوا على الحد من الأستهتار الأمريكي بحق الشعب العراقي بالحياة  .

3 – العجز العربي الشامل , الذي لم يشهد التاريخ مثيلاً له حتى في عام 1948 , وتسليم الحكام العرب دون استثناء أمورهم لمشيئة الولايات المتحدة وقدرها .

4 -  بالأضافة الى نرجسية العقل الصدّامي , في فهم تعبير شعوب الأرض عن رفضها للحرب على الشعب العراقي ,  ( هذا التعبير الذي يتضمن ايضاً , رفضها للأستبداد والقهر الذي يمارسه النظام الحاكم بحقه ) , على انه تضامن مع سياساته .

5 – النزعة النيرونية ( من نيرون ) عند حكام العراق , وما ظهر منها اثناء استعمالهم للأسلحة الكيميائية ضد شعبهم من ناحية , وحرق آبار النفط في الكويت من الناحية الأخرى , وتلويث البيئة والحاق الضرر حتى بالأجيال التي لم تولد بعد .

   كل هذا يؤكد ان الحرب المدمرة قادمة ,  وخسارة الأنسان و الأوطان قادمة , خاصة عندما نسمع التقدير الأمريكي لكلفة الحرب على العراق بانها ستساوي المخزون النفطي فيه  .

 

ان التفكير الأمريكي المنطوق بواسطة شارون , باحتمال ان يكون العراق قد هرب اسلحة التدمير الشامل الى دول عربية , سيكون المبرر السياسي لعبور القوات الأمريكية اي حدود عربية بعد اجتياحها للعراق لاستكمال مخطط سيطرتهم . من هنا فاننا نرى بان الأستقلال الوطني للبلدان العربية حتى  بشكله الهش القائم حالياً , اصبح مهدداً تهديداً جدياً , ونخص بالتحديد سوريا .

 

ان السياسات التي مورست في سورية منذ اربعين عاماً وحتى يومنا هذا , لم تكن عاجزة فقط عن استكمال مهام الأستقلال الوطني والتطوير الأجتماعي والنهوض العلمي والصناعي . انها السياسة الشقيق التوأم للسياسة العراقية ,  في بناء الأمجاد الزائفة , والأنتصارات الوهمية , من انتصارات تشرين الى انتصارات ام المعارك . سياسة استبدادية , تخفي كل انواع الفساد الأداري والمالي والأخلاقي تحتها . سياسة مدمرة , أدت الى الغاء مفهوم الوطن , وفككت كل انواع العلاقات الأنسانية داخل الأسرة والمجتمع , وحلت مكانها علاقات الزيف والمداهنة والمديح الكاذب والغدر والغش  . .وعلى الرغم من كل الدعوات الصادقة التي صدرت من كل القطاعات الأجتماعية والسياسية ,  لأنهاء حالة التسلط ,  واجراء المصالحة الوطنية ,  واعادة وضع البلاد على سكة التطور الطبيعي من جديد . الا ان رجال السلطة ما زالوا يدفنوا رؤوسهم في الرمل , فلا يريدوا ان يسمعوا تلك الدعوات ,  ولا ان يروا الأخطار القادمة وان آليات عملهم التي تصر على الحفاظ على وضع الشعب خارج اطار المشاركة والفعل في الحياة العامة ,  أصبح من الخطر الحفاظ على العمل فيها ,  لأن الأخطار القادمة تستوجب تصدي الجميع لها باعتبارهم مواطنين أحراراً وليسوا عبيداً يوضعوا في فوهة المدفع . 

 

لقد بدأنا منذ خمس وخمسون عاماً  نعلن عن تضامننا مع الشعب الفلسطيني ومع حقه في العودة الى أرضه ووطنه , ومنذ اثني عشر عاماً بدأنا نضيف الشعب العراقي الى بيانات التضامن والدعم التي نصدرها , ولكي لا نضيف بعد  سنوات او شهور الشعب السوري أو السعودي أو... الى جانب من نتضامن معهم الآن  من شعوب عربية , فلقد اصبح واجباً ملحاً على شرفاء الوطن , وبغض النظر عن مواقعهم في الموالاة او المعارضة , السياسي و المهني , العلماني و المتدين , رجلاً و أمرأة , ان يتداعوا لعقد مؤتمر وطني جامع الجميع , وليكن مؤتمراً للمصالحة الوطنية والتباحث في انجع الأساليب لحماية الوطن , وليتم تجاهل اولئك الجهلة الذين ما زالو يفضلون مصالحهم الذاتية على مصالح الوطن والأمة , تمهيداً لعزلهم عن الثأثير في الحياة العامة .

ان مهمة صعبة كهذه المهمة , ولكنها الملحة والضرورية , تنتظر رجالاً أشداء ليقوموا بها , رجالاً كسروا بارادتهم الوطنية وحبهم لشعبهم وايمانهم به ,  جبالاً من القهر والظلم  والألم , من امثال المناضل الوطني الكبير رياض الترك ,  فهل نحملك اعباءً شديدة اضافية  يا "  أبن العم "  ان علقنا أمالنا عليك في قيادتنا الى هذا الهدف ؟.

 

فريد حداد -  كندا                                                                                   

 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: اتهامات المدعي العام للجنائية الدولية سخيفة


.. بعد ضغوط أمريكية.. نتنياهو يأمر وزارة الاتصالات بإعادة المعد




.. قراءة في ارتفاع هجمات المقاومة الفلسطينية في عدد من الجبهات


.. مسؤول في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي يعترف بالفشل في الحرب




.. مصر تحذر من أن المعاهدات لن تمنعها من الحفاظ على أمنها القوم