الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشرات السنتيمترات

طارق المهدوي

2016 / 3 / 18
كتابات ساخرة


(1)
في أعقاب حرب أكتوبر 1973 ارتفعت أسعار النفط عدة مرات لتمنح بلدان الخليج العربي وفرة اقتصادية هائلة شكلت عنصر جذب لأبناء الطبقة الوسطى المصرية الذين كانت أحوالهم المعيشية قد تدهورت آنذاك على نحو مأساوي، فاستغلت الحركة الوهابية النافذة هي وأخواتها في السعودية وتوابعها الخليجيات تدفق ملايين المصريين لإجراء أكبر عملية برمجة دماغية مكثفة من أجل تغيير المسار السلوكي الجماعي في التاريخ البشري، وهكذا بدأ المصريون العائدون بمدخراتهم المالية من بلدان الخليج العربي يمارسون عدة سلوكيات مستجدة على المجتمع المصري لكونها تتراوح وتمزج بين ما هو سلفي وإخواني وجهادي بدرجات متفاوتة حسب كل حالة دماغية على حدا، وتدريجياً حلت هذه المستجدات السلوكية الوهابية محل الملامح التقليدية المتوارثة تاريخياً بين أجيال المجتمع المصري العريق بمختلف فروعها ومستوياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، والتي شملت تجلياتها فيما شملته الأزياء النسائية رغم العديد من المفارقات الدرامية التي شابت خطوات الإحلال السلوكي المجتمعي والمحفوظة جيداً في أذهان المتابعين المهتمين بالشأن العام!!.
(2)
قررت الابنة الصغرى لأسرة عائدة من الخليج الظهور بزي محتشم منذ لحظة عودتها الأولى فاشترت لنفسها ثوباً فضفاضاً متدلياً يمسح الأرض من فرط طوله، نصحتها أختها الكبرى فيما بينهما بتقصير الثوب عشرة سنتيمترات لضمان الجمع بين الاحتشام والأناقة في الوقت ذاته، ونصحتها أمها فيما بينهما بتقصير الثوب عشرة سنتيمترات لتحاشي ضرورة غسله وكيه وهو محمل بالأتربة الأرضية العالقة عقب أي ارتداء مما سيؤدي لاتساخ بقية ملابس العائلة المغسولة معه، كما نصحها أبوها فيما بينهما بتقصير الثوب عشرة سنتيمترات حتى لا يبلى سريعاً من جراء احتكاكه بالأرض فيضطر هو إلى شراء ثوب جديد لها، إلا أن صاحبة الثوب العنيدة رفضت نصائحهم جميعاً واتهمتهم بضعف الإيمان وتغليب دنياهم على آخرتهم وأوشك رفضها أن يتحول إلى مشاجرات لولا تدخل الجدة المقيمة معهم في كل مرة للتهدئة، ثم سلمت الابنة ثوبها الجديد إلى أمها كي تقوم بغسله وكيه قبل ارتدائه للمرة الأولى في صباح اليوم التالي خلال توجهها إلى كليتها الجامعية لتجده عند حلول الصباح بالكاد يغطي ركبتيها بعد فقدانه عشرات السنتيمترات من طوله، حيث كان الأب والأم والجدة والأخت الكبرى قد قرروا كل واحد منهم على حدا أن يقتطع سراً عشرة سنتيمترات من الثوب مع الاستعداد لتفسير ذلك بالحقيقة العلمية التي مفادها انكماش بعض الأقمشة أحياناً عند تعرضها للمياه!!.
(3)
رغم الفوارق الموضوعية العديدة فإن ما فعله الأب والأم والجدة والأخت الكبرى بصاحبة الثوب العنيدة يتطابق تماماً من حيث الشكل مع ما تفعله مؤسسات الدولة والمجتمع في مصر الآن ضد المتابعين والمهتمين بالشأن العام، الذين يجدون أنفسهم في مواجهة مستديمة غير متكافئة مع مؤسسات سيادية وعسكرية ودينية وبيروقراطية ماكرة تخشاهم وبالتالي تكرههم، إلى درجة قيامها هي وأخواتها وتوابعها كلٍ على حدا سراً وعلانيةً باقتطاع عشرات السنتيمترات من حياتهم وحرياتهم وحقوقهم ومصالحهم وأحلامهم، في إطار قراراتها غير المشروعة بإخضاعهم والسيطرة عليهم إن لم يكن التخلص منهم نهائياً، عبر أدواتها الشريرة التي لا تتقن سوى عمليات أمنية تتراوح وتمزج بين ألاعيب الاحتواء والتطويق صعوداً نحو التشتيت والإنهاك مروراً بالتوقيف والإعاقة وصولاً إلى الإزالة النظيفة أو القذرة لأشخاصهم!!.
طارق المهدوي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب


.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_




.. هي دي ناس الصعيد ???? تحية كبيرة خاصة من منى الشاذلي لصناع ف