الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول مكاشفات ريسان الخزعلي (الاقرب للوضوح) عن عقيل علي

عدنان يوسف

2016 / 3 / 18
الادب والفن


حول مكاشفات ريسان الخزعلي (الاقرب للوضوح) عن عقيل علي

في ذكرى عقيل،الطائر الذي توارى، نيران ريسان الصديقة تصيب اتحاد الادباء في غير مقتل.ما دعاني لقول ذلك ،تلك المكاشفة الصادمة التي وردت في قصيدته الشفافة،الجميلة،الحزينة والمؤثرة"مكاشفات عن عقيل علي".تقول القصيدة :
صعلوك كاذب .. ومنفي من الناصرية
يشكو فقرا وخزائنه مليئة
*** *** *** وممنوع من دخول نادي الادباء لان القاعة لا تسع الذهول
ووصف عقيل بالصعلوك (وهو لفظ يستخدم مجازا لوصف حالته وحالة اقرانه ممن اطلقت عليهم هذه التسمية) يسهل علينا معرفة سبب المنع الحقيقي ،فالصعاليك الاوائل تمردوا على قبائلهم ورفضوا قيمها وقوانينها فنبذتهم تلك القبائل مع انهم شعراء مجيدون تميز شعرهم بالقوة والخلو من المدح ،وقصائدهم تعد من عيون الشعر العربي.والصعلوك لغة ،هو الفقير الذي لا يملك مالا يساعده على العيش .
امتهن الصعاليك الغزو واخذ المال من الاغنياء وهم لم يكونوا طبقة واحدة ففيهم الشذاذ : حاجز الازدي وقيس الحدادية ،وفيهم ابناء الحبشيات المنبوذون بسبب ذلك : الشنفري وتأبط شرا.وفيهم ،وهي الفئة الاهم،محترفوا الصعلكة الذين حولوها الى فروسية وزعيمهم بلا منازع الشاعر عروة بن الورد،كان يأخذ المال من الاغنياء ،البخلاء تحديدا ،الذين لا يساعدون فقراء قبيلتهم،ويوزعه على الفقراء :
افرق جسمي في جسوم كثيرة
واحسو قراح الماء والماء بارد
الصعاليك"المعاصرون اكتفوا بالانزواء والخمر والتشرد،الا انهم لم يتخلوا عن الشعر فقدموا منه اعذبه و"اصدقه"عدا استثناءات قليلة ،كزار حنتوش،مثلا،غادر مفاهيم الصعلكة ،وإن موقتا ، كي يظل على قيد الحياة بتوفير زجاجة العرق المحلي الرخيص، فمدح الطاغية،وهو لم يكره احدا سواه طوال حياته،مد له يدا مرتعشة وأخر الاخرى ليعتذر بها من الناس ،حيث سيسارع لان يكون اول الداخلين الى بيت الشعب حال سقوط الدكتاتور.
عقيل علي،عامل الفرن ،الخباز،الفقير المعدم و القادم من الناصرية الى العاصمة، لم يفعل شيئا من ذلك مما عرضه الى المحاربة والاقصاء واحيانا الاعتداء الجسدي ،حدث ذلك يوم اقتحم عليه خلوته في غرفته البائسة في الفندق المتهالك المجاور لمقهى حسن عجمي بشارع الرشيد،ثلاثة من "رجال"الامن طالبين منه ان يكتب لسيدهم الرئيس وحين اعتذر عن ذلك انهالوا عليه بالضرب والشتم باقذع الالفاظ . عاش عقيل علي حياة صعبة سادها الخمر والتسكع وهوس التمرد طلبا للخلاص مع ذلك كان مخلصا لفنه ظل شعره يشع بالقوة ومع ان لغته تميزت بالغموض واحيانا الفنتازيا :
اركض نحو نفسي اتناول اول واقرب مركب لادخن ساريته
وارتجل اقرب جثة من متناول يدي
اتعثر وانا اركض نحو نفسي
وقد يكون مرد ذلك تأثره في بداياته بالشاعر خالد الامين ،صديقه وابن مدينته الذي اعدم في قصر النهاية لمعارضته المسلحة للنظام اوائل سبعينيات القرن الماضي ،يقول عقيل عن تلك الفترة : في ذي قار صلبت عشرين عاما على عتبة الالم،لعل في القصيدة عوالم والوان شفيفة او براقة ولهذا اكتب.
انجز عقيل علي نصوصا فذة لفتت اليه الانتباه وعلى نطاق واسع لعل في مقدمتها قصيدته الفريدة ،شتاء النقود التي حظيت باهتمام كبير من قبل النقاد والدارسين والمعنيين بالادب داخل العراق وخارجه تقول القصيدة :
لقد جاءوا
اعرفك ايها الاكثر انخفاضا من المراقد
والاكثر انخفاضا من النظرة المتخفية بالوصايا
ايها المقشعر من انين الرمال
ومن الهبوب الذي يلاحق النورس المرابط على مداخل الصحراء
*** **** ***
في هجرة الملح احترقت اجمل الاوراق
وامحيت مدن كانت اكثر علوا من الحراب
ثم اقبل شتاء ممسكا برنين القشة
كنت انقش البحر على الركب الطرية
واصنع غارا من تلاواتي للاصابع الاكثر طراوة من الرحم
*** **** ***
العاشقة اكملت عدتها
والنهر اهدى لنا مباهجه
تولهه
خلجاته
واخرج لنا لسان نقائه
انا الذي يصفعكم بهذا السناء
انجز عقيل علي عددا من النصوص المهمة قام صديقه وابن مدينته،الشاعر كاظم جهاد بجمع بعضها وطبعه في مجموعتين صدرتا خارج العراق،في المغرب والمانيا عامي 1990 و 1992 وهما جنة ءادم وطائر ءاخر يتوارى، ثم عاد جهاد نفسه لطباعتها مضيفا عددا من القصائد غير المنشورة للشاعر وصدرت في مجلد شعري عن دار الجمل عام 2009.وظل الكثير من شعره في مخطوطات جاهزة للطبع،الا ان الاهمال الذي تعرض له الشاعر في حياته ،بل الاساءات التي وصلت الى التشكيك بشاعريته والادعاء بانتحاله وسرقته لمنجز شاعر مجهول حال دون المحافظة على تلك المخطوطات القيمة فضلا عن طبعها. كان عقيل علي يقابل تلك الهجمات بالصمت لزهده في كل شيء ونشير هنا بهذا الصدد الى دفاع صديقه الحميم الشاعر حسن النواب عنه فيما اسماه "شهادة للتاريخ"
في محطة باص في باب المعظم ببغداد وعلى رصيف مهمل عثر في 15-5-2005 على عقيل علي ميتا ،يقول صديقه وابن مدينته ايضا د.علي عبد الرضا عن موته المأساوي ذاك "انه فجيعة ورفض سيارة الاسعاف الحكومية نقله من الرصيف وهو في النزع الاخير الى المشفى يمثل ادانة للمجتمع العراقي كله. لكن لماذا اهمل المجتمع العراقي او الاصح مثقفوه وقيادتهم المتمثلة بالاتحاد العام للكتاب والادباء ،طاقة ابداعية كبيرة كان يمكن ان تنجز الكثير لولا الاستخفاف وعدم الاهتمام والانكار الذي وصل الى المنع من دخول نادي الادباء،هل هو طرد القبيلة للصعاليك ،هل هو طرد شيخها لاحد افرادها بسبب تمرده وقبل ذلك فقره.لكن هل اتحاد الادباء قبيلة او يقترب حقا في رؤاه وسلوكه من قيم ومفاهيم القبيلة.قبل الاجابة على هذه الاسئلة لنقرأ مكاشفة الخزعلي الثانية :
لاسقاط فرض رفعنا اللافتات السود
واسمه كان بالاصفر يشع بياضا
اقمنا العزاء
العشائر تفعل ذلك في هكذا مناسبات لاسباب تتعلق بالوجاهة او لدفع لوم الاصدقاء وشماتة الاعداء،ويبدو لي ان التقاط خيال الشاعر الخزعلي لاختلاف الوان الاسم في لافتات النعي وتوظيفه الذكي في نصه الجميل يعبر عن اعتذاره الشخصي للفقيد وزملائه الصعاليك او ممن بقي منهم على شفا مقهى "المعقدين" .
الا ان ريسان لا يستمر في الانتصار لعقيل ، سنراه يتراجع عن ذلك في المكاشفة الثالثة ، تأييدا وربما مجاملة لما ذكره امين الشؤون الثقافية في الاتحاد ، علي حسن الفواز في مقال عن عقيل علي . يقول الفواز : "بعد موت عقيل علي خرجت قبائل الشعراء منددة بالموت ومطالبة بالقصاص منه "ويقول ايضا في المقال ذاته : "تيقنت ان عقيل علي يعاني من نوبات مازوكيةوكأنه يعذب جسدا لا ينتمي اليه" وتقول مكاشفة ريسان الثالثة
: في الفندق،يسكن خارجه -وجثة اخرى في السرير-
ثم يأتي الاستدراك : والان نصدق انك شاعر يرثي الحياة
انه شاعر يرثي نفسه : " الان ذات يوم ، وعلى نحو ما ، طائر آخر يتوارى"
فعل ذلك قبله مالك بن الريب ،احد صعاليك القرن الاول الهجري في قصيده نسجها في ليل الصحراء وهو يستعد للموت وحيدا بعد ان نهشته حية في طريق خراسان،قصيدة لروعتها وقوة تأثيرها جعلت النقاد يلحقونه بقائمة شعراء الواحدة،ولنا ان نزعم ان "شتاء النقود "تضع اسم عقيل علي في صدارة شعراء الواحدة المعاصرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - النقد عندما يمتلك نكهة جميلة
أسعد محمد تقي ( 2016 / 3 / 19 - 19:28 )
لأول مرة أقرأ مقالا نقديا بهذه اللغة الجميلة ويحمل كل هذا العمق وينتصر للصعلكة بمفهومها الأنساني المعارض للثراء والمتعاطف مع الفقر , المفهوم الذي اقترب منه عروة بن الورد .. ربما مثّل عقيل علي شخصية الشاعر ولكنه مثّل الصعلوك الطيب الذي تبنى موقفا إنسانيا حتى صارت نفسه بنقائها وتوقها بعيدة الى الحد الذي جعله يتعثر في محاولة الركض نحوها ... جسدٌ متعبٌ يحمل أوزار حياة شديدة القسوة ونفس شديدة النقاء تغدو بعيدة لجسد متعب كذاك الذي تسكنه روح عقيل علي .. وربما عبّر عن الشوق لحلمه الذي يسكن رأسه عندما قال -أتعثر وأنا أركض نحو نفسي- ه
وجدت في هذا المقال دعوة من الشاعر الدكتور عدنان للبحث الجاد في جوهر المرء بدل الوقوف عند إشراقة وجهه وفخامة مظهره اللذان يعكسان عيشه الرخيّ والباذخ مما لم يتوفر لشاعر يملك من الرقة والقدرة على الحلم ما يملكه عقيل علي


2 - مقالة تتسم بالصراحة والوضوح
فلاح علي ( 2016 / 3 / 20 - 00:50 )
السيد عدنان يوسف
تحية طيبة
المقالة بطابعها الادبي المتميز اتسمت بالصراحة والوضوح المباشر كما انها شكلت ممارسة نقدية جادة وسلطت الضوء على شاعر ظلم في حياته بسبب ظروفة الاقتصادية وتشرده ومعاناته في حياته وما عكسته المقالة من انه انهى حياته بموت مأسوي وكأنه هو قابل بهذا الموت المبكر ليضع حداً للظلم والاهمال والتهميش الذي تعرض له شاعر انه حدث مؤلم بحاجة الى استخلاص الدروس من تجربة حياة انسان وشاعر لكنه يبدوا لم يتلمس التضامن والتعاون معه ولم تمد له يد المساعدة لكن المقالة استذكرته وعرفته لمن لا يعرفه
مع التحيات

اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا