الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدود الضحك الجماهيري ج1

نورالدين هميسي

2016 / 3 / 19
الصحافة والاعلام


"الابتسامة ممتلئة بالحكمة لأنها حسّاسة، الضحك يضجّ بالجنون لأنه بليد".
إيميل أوغست شارتييه (المدعو آلان).


إذا قبلت بالفكرة التي تقول بأن التلفزيون أداة جادة للتثقيــف فستكون محل سخرية. قيلت مثل هذه العبـارة بشكل احتفائي في التفكير الوظائفي الأمريكـي الذي رافق ظهور الإذاعة والتلفزيون بـوادئ القرن الماضي، ولكن تجارب السنين أوضحت بأن مهمّة التثقيف التي جاءت في المقام الأول لوظائف الإعلام كما صنفها هارولد لاسويل تدحرجت إلى المقام الأخير، فيما قفزت وظيفة الترفيه من المقام الأخير إلى مصف الريادة، وخصوصا برامج الضحك.
لا تستطيع الجماهير مقاومة برامج الضحك، فهي تنجذب إليها على نحو آلي ومحتشد، ومن بين كل المحتويات الترفيهية، تستأثر برامج الضحك بأوديمات قياسية تجعل منها أحيانا مــلاذا مغريا للإشهار، وتبعا لذلك أرضا خصــبا لتسويق الأفكار والتمثلات. إن اعتبار الضحك الجماهيري عبر وسائل الإعلام مجرد ترفيه ظرفي يستجيب لحاجات علاجية نفسية تصـور قاصر إلى حد ما، إذ لا يتوقف دور الثقافة الجماهيرية في ميزان النقـد الثقافي عند حدود المتعة العابرة، وإنما يرتبط كثيرا بتشكيل المخيلات والتمثلات.
قد يصعـب إثبات هذا الحكم لأنه ضمنيا حكم على النوايــا، ولكن يمكن تذليل هذه العقبة بالعودة إلى النتائج: كيف يمكن أن تكون عواقب الضحك الجماهيري وخيــمة؟ وكيف يمكن تأطير السخرية الجماعيـة سواء كانت مادتها الفرد أو الجماعة بأكملها؟. وهل يمكن وضع حدود بين السخرية والساركازم أو الضحك الأسود؟. يجب الانتباه إلى أن هذه الحدود ليست لا جغرافية ولا حدود قانوينة، وإنما حدود افتراضيـة مثل تلك الحدود التي يتحدث عنها ريجيس دوبري، أي حـدود أخلاقية وثقافية، ترتبط بدرجة الوعي، وذات فعالية بعدية a posteriori، أي لا تتضح إلا بعد الكارثة..
يمكن العودة إلى الكثير من النماذج الواقعية للضحك الجماهيري، في المسرح، الكاريكاتير، السينما... التي أحيت أسئلة مفزعة: هل يمكن أن نجعل أي شيء مادة للضحك؟ هل من الأدب الضحك بلا سبب؟ هل الضحك عجلة نفسية للإنقاذ؟ ومم سينفذنا؟ هل يجب أن نفكر ونتصرف في مواقف معينة عوض أن نضحك برعونة وعشوائيــة؟.. يمكن العودة إلى نماذج سوداء: مجلة شارلي إيبدو الفرنسية، الفيلم الألماني "لقد عاد" الذي يحكي بقالب هزلي عودة أدولف هتلر إلى الحياة بعد 70 سنة من نهــاية الحرب العالمية الأولى، مسرحيات وسكتشات الفكاهي الفرنسي ديــودوني عن المحرقة وعنصرية فرنسا وتغـوّل اللوبي اليهودي في دواليب الإليزيه.
أثارت مثل هذه النماذج جدلا كبيــرا، ورغم أنها حازت جماهيرية واسعـة رغم الجدل، راح الجميع يضحك وفي لحظة ما وقع ما يستدعي ترسيم الحدود: مجزرة بمقرّ شارلي إيبدو، هجوم إعلامي شرس ضد دافيد نينت وأوليفييه ماسوكي مخرجي فيلم العائد هتلر، ومحاكمات لا تنتهي لديودوني في فرنسا. بعد أن وقعت الكـوارث، تم التفطن إلى أن الضحك ليس أخًا للذكاء كما ادعى فيلسوف الجمال الفرنسي جول بول ريشتر، وإنما أصبح كما قال الشاعر والمسرحي الإسباني جاسينتو بينافينتي "حزنا يضحك حين لم يستطع البكاء"، فقد اقتحمت هذه النماذج كل المجالات: المحظور والمسكوت عنه والمفخخ والمثير للجدل والمؤلم...
عندما أصبح الضحك مادة للإعلام لم يتوان في كسر كل الطابوهات والمقدسات، وزوج بالجماهير العريضة في الكثيــر من المتاهات التي لم يفقه مداخلها ومخارجهــا أشد المفكرين صرامة، وتدريجيا تجاوز الضحك غايتـه النفسية الأولى: فهـم الحياة على نحـو آخر. هل تفهم الجماهير العريضـة ضريبة السخرية والتهكم على مقدساتها؟ ما هي الضريبة التي ستدفعها من جراء هذا الساركازم الذاتي؟ هل نحن أمام موجة كبرى من البوهيميـة أو عدم الاكتراث للجماعة؟... للحديث بقية..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الشجاعة داخل نفق مظلم.. مغامرة مثيرة مع خليفة المزروعي


.. الحوثي ينتقد تباطؤ مسار السلام.. والمجلس الرئاسي اليمني يتهم




.. مستوطنون إسرائيليون هاجموا قافلتي مساعدات أردنية في الطريق


.. خفايا الموقف الفرنسي من حرب غزة.. عضو مجلس الشيوخ الفرنسي تو




.. شبكات | ما تفاصيل طعن سائح تركي لشرطي إسرائيلي في القدس؟