الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إما عالم نظيف أو عالم مسلح

ناجح شاهين

2003 / 1 / 26
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

 
 رام الله ـ فلسطين المحتلة

مع نهاية الحرب العالمية الثانية كان الألمان على وشك تفجير القنبلة الذرية الأولى ولكن سقوط القوة التقليدية لم يعطهم الوقت الكافي لإنجاز برنامجهم وقد كان قصب السبق في ذلك من نصيب الأمريكيين الذين برهنوا بسرعة على أهمية الردع النووي فقدموا بروفة رهيبة في هيروشيما وناغازاكي جعلت البشرية تبصر جهنم بأم عينها.

بعد قليل حافظت الولايات المتحدة على تفوقها في مجال السلاح الجديد لغمضة عين فقد كان قرار ستالين واضحاً بما فيه الكفاية: لا بد من حيازة القوة الجديدة مها كلف الثمن. وقد أحس الناس عندما انطلقت القوة النووية السوفييتية أن العالم سيشهد دماراً وشيكاً، وهو ما أثبت لاحق الأيام خطأه التام. فالحقيقة أنه مع اتساع القدرات الذرية لعملاقي الحرب الباردة بدا أن إمكانية استخدامه الفعلية تضاءلت تماماً. ومن المؤكد أنه مع مطلع السبعينات لم يعد أحد من الناس يعتقد جدياً بإمكانية وقوع الحرب النووية. وأصبح بيناً بذاته أن هذا النوع من السلاح هو نوع من الرادع السياسي الاستراتيجي أكثر مما هو سلاح فعلي قابل لدخول الخدمة الجدية. طبعاً انضم للنادي النووي العديد من الدول، سواء عن طريق التسريب المتعمد كما هي على الأرجح حالة بريطانيا والصين الشعبية وإسرائيل، أو بجهد عالي للدولة ذاتها مثل حالة الهند وكوريا الشمالية في حال نجاحها في إنتاج القنبلة.

يطلب الأمريكيون الآن من العراق أن يعلن تسليم موارده دون قيد أو شرط للشركات الأمريكية لكي تحقق إضافة إلى الأرباح غير المحدودة سيطرة تامة على نفط المنطقة بما يمكن الرأسمالية الأمريكية من العيش بأمان تام نفطياً حتى ينفذ كل مخزونه العالمي. ومن ناحية ثانية تضع تحت رحمتها الفعلية كل الأصدقاء الأوروبيين والآسيويين قبل الأعداء، فيما يخص آلية تزويدهم بالنفط كماً ونوعاً وتسعيرة برميل جميعاً . ولعل هذا ما يفسر القلق الأوروبي العاجز عن الفعل والذي يرتفع إيقاعه كثيراً عن مستوى غمغمات وهمهمات الدول العربية.

ببساطة ودون انسياق وراء مشاعر الغضب القومي، لا يمكن للمرء إلا أن يلاحظ أنه ليس هناك وجه حق من الناحية الأخلاقية للهيمنة الأمريكية على مصادر وموارد النفط التي تعود إلى الشعوب الأخرى. ومن الواضح أن حجة من نوع أن النفط سلعة استراتيجية تهم العالم بأسره، ولذلك فهي لا تخضع لمعادلات السيادة والحق في تقرير المصير، لا شك أن هذه ذرائع استعمارية غير جدية. وحري بالمستعمر الغربي أن يفكر في تخفيض فاتورة علاج الإيدز التي تتطلب أن يدفع المواطن الأفريقي 15ألف دولار ثمن العلاج السنوي في الوقت الذي لا يزيد دخله السنوي ذاته عن سبعمائة دولار لا غير. وعندما تحاول دولة كالبرازيل أن تنتج الدواء بسعر أرخص يتكاتف المنتجون الغربيون لمنعها من ذلك. ولا يخطر ببال أحد منهم أن هذه سلعة يجب أن تراعي حاجة البشرية، على الرغم أن الكلام هنا يدور عن حاجة إنسانية واضحة تتعلق بإنقاذ حياة البشر وليس إنقاذ دورة رأس المال من الركود أو من انخفاض معدلات الربح وما أشبه.

يدفعنا الواقع المريع الذي وصلت إليه الأمور إلى التفكير في أن البشرية في طريقها إلى التسلح حتى أسنانها. فملاحظة ما يجري للعراق تثير الرعب لدى الجيران والأقارب كما لدى الغرباء والأباعد. فقد بلغت الصفاقة الأمريكية حدها المطلق بإعلانها أن على العراق أن يدفع أثمان ونفقات القذائف التي ستصب على رأسه بغرض تدميره وإعادته إلى العصور الحجرية. ومن الواضح أن أفغانستان كان أوفر حظاً عندما نجا بجلده دون أن يكتب عليه ثمن القذائف التي دمرت المشفى الوحيد وقتلت الجرحى كما دمرت السجن على رأس أسرى طالبان والقاعدة في كابول وقتلت الناس في الأفراح مثلما في الجنازات. لكن بعض أصحاب الحس الفكاهي يؤكدون أن ما حصل في أفغانستان فلتة لن تتكرر لأنه لا يملك من متاع الدنيا شروى نقير، بينما في حوزة العراق الكثير من النفط القابل للتحول إلى بترودولار. في مثل هذه الظروف الحزينة كما الأغاني والأشعار العراقية، يتضح أن البشر عادوا كلية إلى قانون الغابة الذي ميز علانية حقبة الإمبريالية ما قبل ولادة النظام السوفييتي على إثر نجاح الثورة البلشفية. إنها عودة صريحة إلى نظام النهب غير المسوغ لكل بلد في العالم لا يستطيع الدفاع عن نفسه بكافة السبل والوسائل. لا تتجه البشرية في زمن القطب الواحد نحو الديمقراطية والتعددية وتعميق احترام حقوق الإنسان، إنما بوضوح تدل البوصلة على عودة الغابة والبربرية وانتهاك حقوق الضعفاء، وخاصة في مستوى حقوق السيادة وتقرير المصير والتحكم بالموارد، وحرية اختيار النظام الاقتصادي والسياسي بناء على رغبة أغلبية الشعب. من حق الكوريين أن يبنوا ترسانتهم النووية ليدافعوا عن أنفسهم حتى لو لم يكن لديهم اليوم ما يخشون عليه لأن أغنامهم هزيلة ولا مطمع للذئب بها كما هو حال الثور العراقي السمين والذي يسيل لعاب الوحوش لافتراسه. فالمستقبل في كل الأحوال أمر منفتح على كل الاحتمالات، ولذلك فربما أن من حق جميع الدول وخاصة المنهوبة في الجنوب أن تفكر في امتلاك أسلحة الدمار الشامل بكافة أنواعها. وربما في الحقيقة تكون في حاجة إليها أكثر من دول الشمال القوية لأن الضعيف أحق بما يردع من القوي المتجبر. نعم ليكن شعار الضعفاء: إما عالم مسلح حتى أبعد أطرافه، وإما عالم نظيف حتى قلب مركزه الأمريكي. أما حالة وحوش الغابة التي تمتلك المخالب والأنياب مع حملان وخراف وأرانب عزل، مع انعدام العقل والأخلاق، فإنها تغري أيما إغراء باستعمال القوة وافتراس الضعاف واحداً تلو الآخر. 

***********

كنعان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل مؤلمة! | نادين الراسي


.. قصف عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت • فرانس 24 / FRANCE 24




.. نحو عشرة ملايين تونسي مدعوون للتصويت في انتخابات رئاسية تبدو


.. تساؤلات عن مصير قاآني.. هل قتل قائد فيلق القدس التابع للحرس




.. بتقنية -تايم لابس-.. توثيق لضربات إسرائيلية عنيفة على بيروت