الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسباب التفاوت في الموقف الأميركي نحو الدولة الاسلامية في العراق عنه في سوريا

ميشيل حنا الحاج

2016 / 3 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


هل هناك تفاوت بين جدية موقف الولايات المتحدة في مقاتلة الدولة الاسلامية في العراق، وبين كم وحجم مقاتلته للدولة الاسلامية في سوريا؟

تدريجيا بدأ يتجلي مدى جدية الولايات المتحدة في محاربة تواجد الدولة الاسلامية في العراق، وتخاذلها في مقاتلة الدولة الالامية المتواجدة في سوريا. فكيفية تعاملها مع الدولة الاسلامية في الحالتين، تتفاوت بشكل واضح في مدى جديتها وفاعليتها.

وكشف ذلك بشكل واضح، الاعلان الأميركي الأخير عن ارسال 2400 جندي مارينز الى العراق. وتؤكد المصادر الأميركية، أن ارسال أولئك الجنود، قد تم بموافقة الحكومة العراقية، في وقت تعلن فيه مصادر مجلس النواب العراقي، أن قرارا كهذا من حق البرلمان وحده اتخاذه، وليس من صلاحية الحكومة أن تتخذ منفردة، قرارا بالاستعانة بهؤلاء الجنود الأميركيين. كما أعلنت عصائب الحق في بيان لها، أنها ستقاتل الجنود الأجانب باعتبارهم محتلين.

وبادر الكولونيل "وارنر" المشرف على القوات الأميركية المتواجدة في العراق، وخصوصا في منطقة "مخمور" العراقية، االى القول بأن من وصل من هؤلاء مائتي جندي فقط، ومهمتهم تدريبية فحسب، وليست قتالية. ولكن تصريح القائد العسكري الأميركي يتناقض مع ما ورد في العديد من وكالات الأنباء، عن ارسال 2400 جندي مارينز لهم قدرات قتالية واسعة، (وليست مجرد تدريبية)، اذ شاركوا سابقا في القتال في كل من أفغانستان وكوسوفو وليبيا.

وانبرت أيضا مصادر السفارة الأميركية في بغداد، لتقول أن هذه القوات قد جاءت لاجراء مناورات بحرية مع القوات العراقية. وفي تصريح آخر، بأنها قد جاءت لحماية المدربين الأميركيين المتواجدين في العراق، بعد أن قتل اثنين منهم خلال الشهرين الماضيين.

ويأتي هذا التطور خلافا لما أعلنه الرئيس أوباما في بداية تقديمه العون العسكري للعراق عام 2014، بأن التدخل الأميركي سوف يقتصر على ارسال خمسين خبيرا عسكريا أميركيا لغايات التدريب. ولكن عدد المدربين أخذ يرتفع تدريجيا. ويقول الدكتور خالد صفوري، المستشار السياسي في مؤسسة مريديان للدراسات الاستراتيجية، أن عددهم قد بلغ مائتي خبير. لكن عدة مصادر أخرى قررت أن عددهم، قبل قدوم الدفعة الجديدة التي وصلت أو على وشك الوصول، قد بلغت الفي خبير عسكري، مما يرفع عدد الخبراء والمدربين، بعد اكتمال وصول الدفعة الجديدة القادمة خلال أيام، ليتجاوز رقم الخبراء العسكريين والمدربين الأميركيين، الى ما يزيد على أربعة آلاف عسكري أميركي مهما كانت مسمياتهم وأوصاف مهماتهم العسكرية.

ومهمة هؤلاء، كما يقول الكولونيل وارنر ومصادر أميركية أخرى منها السفارة الأميركية في بغداد، تقديم العون للقوات العراقية في عملية تحرير الموصل التي يقترح الرئيس حيدر العبادي الشروع فيها في الشهر الخامس أو السادس من هذا العام، بينما يطالب الأميركيون بالتريث والتروي. كما يصرون على عدم مشاركة المجموعات الشيعية كالحشد الشعبي وعصائب أهل الحق في عملية التحرير تلك. وفي الوقت ذاته، يطالب مسعود البرازاني، رئيس اقليم كردستان، كشرط لمشاركة مقاتلي البيشميركاه الأكراد في تحريرها، الاتفاق مسبقا مع الحكومة المركزية على المستقبل الدستوري لوضع الموصل، أو كامل محافظة نينوى التي الموصل هي عاصمتها. فرئيس الاقليم الكردي المنتهية ولايته، يعتبرها أرضا كردية، رغم اقامة مليون عربي فيها، كما يعتبر كركوك، عاصمة اقليم التأميم الغني بالنفط، جزءا من اقليم كردستان. فالمطلوب اذن هو تحرير الموصل من الدولة الاسلامية، لكن مع التنازل عنها لمصلحة اقليم كردستان.

والتعاطف الأميركي الواضح مع تطلعات الأكراد الى الاستقلال، والذي دعا "البرازاني" فعلا الى اجراء استفتاء قريبا يقرر استقلال اقليم كردستان عن الاتحاد الفدرالي العراقي...قد يكون أحد الأسباب لزيادة التواجد الأميركي في منطقة قريبة من الموصل، وهدفه غير المعلن، ليس مساعدة العراق على تحرير الاقليم من الدولة الاسلامية، بل ربما لضمان حصول الأكراد على ما يطالبون به من هيمنة على محافظة نينوى وعاصمتها الموصل. وهم من أجل ذلك، كما يرجح البعض، يصرون على عدم مشاركة عصائب الحق أو الحشد الشعبي الشيعيين في معركة تحرير الموصل، اذ يريد الأميركيون قصر عملية تحريرها على القوات العراقية وقوات البيشمركة بمشاركة القوات الأميركية الموصوفة بالخبراء الأميركيين رغم كون بعضهم، يتمتع بخبرات قتالية اكتسبوها في كل من أفغانستان وكوسوفو وليبيا كما سبق وذكرت.

ومن قبل، ساعدت الولايات المتحدة على مضض، وفي المراحل الأخيرة من المعركة، القوات العراقية في عملية تحرير تكريت - عاصمة محافظة صلاح الدين. كما ساعدتها مؤخرا في تحرير مدينة الرمادي وأجزاء كبيرة من محافظة الأنبار. وكانت مساعدتها هنا جدية وواضحة، لكون عشائر الأنبار كان لهم دور في المعركة، وليس الحشد الشعبي الذي شارك في عملية تحرير تكريت. وبسبب مشاركته تلك، ترددت الولايات المتحدة طويلا قبل تقديم غطاء جوي للمهاجمين العراقيين في معركة تحرير تكريت ومحافظة صلاح الدين.

وهذا يكشف عن النوايا الأميركية الساعية لتحقيق هدفين في تدخلاتها الى الجانب العراقي في قتاله ضد الدولة الاسلامية. فالهدف الأول هو تعزيز موقف الأكراد وحمايتهم، والهدف الثاني والأهم، هو تقزيم الدور الشيعي خوفا من اشتداد عوده، مما يؤدي الى تعزيز الدور الايراني ونفوذها في العراق.

أما في سوريا، فالوضع مختلف تماما، بل هو وضع معكوس بكل معنى الكلمة.

فالواقع كما بات يرجح بعض المراقبين، أن التدخل الأميركي في سوريا في معركتها ضد الدولة الاسلامية، هو أدنى كثيرا من تدخلها في العراق. فهي لم تنفذ الا بعض الاغارات الجوية غير الفاعلة على مواقع داعش في الرقة وفي تدمر. بل وتركت تدمر تسقط في أيدي الدولة الاسلامية تحت سمعها وبصرها، دون أن تبذل ولو الحد الأدنى من الجهد للحيلولة دون سقوطها في أيديهم. هذا اضافة الى الصمت ازاء تواجد النصرة في محافظة ادلب. والنصرة هي فرع آخر من القاعدة التي انبثقت داعش عنها، كما انها تحارب في أفغانستان القيادة التي ينتمون اليها. والأهم من ذلك، أن الكثير من الأقاويل قد سادت لدى سقوط محافظة ادلب في أيدي النصرة، مفادها أن المعلومات الاستخبارية الأميركية عن مواقع الضعف في تواجد القوات السورية في تلك المحافظة، قد وفرت لجبهة النصرة آنئذ، مما ساعد على سقوطها وسقوط جسر الشغور في أيدي النصرة ومناصريها من كتائب جيش الفتح. وقامت الولايات المتحدة عندئذ بتقديم هذا العون الاستخباري سرا لجبهة النصرة، كرشوة لها قد تشجعها على فك ارتباطها بالقاعدة. ولكن جبهة النصرة وأميرها أبو محمدد الجولاني، خذلوا الولايات المتحدة ولم يفكوا ارتباطهم بتنظيم القاعدة. وها هو رئيس الائتلاف الوطني السوري في لقاء له مع بي بي سي، يناشد جبهة النصرة فك ارتباطها بالقاعدة، لاعتقاده كما يبدو، أن هذا سيعزز موقف جبهة النصرة، ويضعها في قائمة المعارضة المعتدلة التي يشملها وقف اطلاق النار الذي بات الآن مهددا.

وهناك موقفين آخرين يعززان القول بأن التدخل الأميركي عندما يتحقق، انما يحدث تحقيقا لمصلحة الأكراد في سوريا، ولابعاد هيمنة الفصائل الصديقة لايران كحزب الله وحرس الثورة الايرانية التي يؤكد البعض تواجدها في سوريا... تماما كما هو الحال بالنسبة للعراق.

وتمثل الموقف الأول بالدعم الكبير الذي قدمته الولايات المتحدة للأكراد في نهايات عام 2014، بما نفذته من القاء الأسلحة والذخيرة لهم من طائرات أميركية. كما تمثل بالاغارات الكثيفة على مقاتلي الدولة الاسلامية لدى محاصرتهم، بل واقتحامهم لأجزاء من مدينة كوباني (عين العرب) - احدى المدن السورية التي تقطنها غالبية كردية. وتمثل الموقف الثاني في بنائها لجيش سوريا الديمقراطي الذي يضم غالبية كردية، بزعم أنها تعده لمقاتلة الدولة الاسلامية المتواجدة في الرقة. وهكذا قدمت له السلاح، كما وفرت له الخبراء (-لكن باعداد قليلة لا تصل االى الكم الذي أرسلته الى العراق). كما قدمت له دعما جويا واسعا، وسعت أيضا لتوسيع مدرج مطار الرميلات في الشمال حيث يسيطر الأكراد، ليبلغ طوله 1300 متر (كان امتداده 700متر فقط)، وذلك بغية تمكين الطائرات الأميركية الضخمة من الهبوط في المطار وتقديم المساعدة للأكراد اذا اقتضت الحاجة لمساعدتهم.

ولعل أحد الأسباب التي تستدعي الميوعة في الموقف الأميركي عندما يتعلق الأمر بمقاتلة الدولة الاسلامية، أن الدولة الاسلامية تقاتل الرئيس بشار الأسد الذي غالبا ما أعلن الرئيس أوباما في تصريحاته المتكررة، أنه رئيس فقد شرعيته لكونه يقتل شعبه، على حد قول أوباما. فالرئيس أوباما يرغب في اسقاط الرئيس السوري، لكنه لا يرغب في أن يحل محله حكومة ذات ميول دينية متشددة، تخوفا من تجارب أميركية سابقة مع الحكومات الاسلامية والتجمعات الاسلامية المتشددة والتي عاني الأميركيون منها كثيرا في كل من ايران وأفغانستان.

وهنا يبدو الاختلاف بين موقف السعودية وموقف الولايات المتحدة نحو سوريا. فكلاهما يرغبان في اسقاط النظام السوري. لكن الأولى ترغب في اسقاطه عبر مواصلة القتال لتفرض محله حكومة دينية متشددة لا تختلف الا قليلا عن موقف الدولة الاسلامية، بينما الأخرى (أي أميركا) ترغب في اسقاطه عبر الجهود السياسية مع روسيا، بغية احلال رئيس معتدل في موقعه باتفاق الطرفين: ألأميركي والروسي (كما تتصور الولايات المتحدة).

فالأميركيون يعلمون جيدا، أن نظاما ديمقراطيا علمانيا في مقعد الرئاسة السورية، سواء كان الرئيس الأسد، أو رئيس آخر يختاره الشعب السوري من خلال صندوق الاقتراع بعد فترة انتقالية يجري الآن الاتفاق في جنيف على مدتها الزمنية، هو الضمان الوحيد لروسيا الاتحادية على بقاء قاعدتيها في كل من طرطوس وحميمين (اللاذقية). فروسيا منذ عهد القياصرة، كانت تتطلع على الدوام للوصول الى البحر الأبيض المتوسط. وروسيا الاتحادية التي ورثت نظام القيصر ونظام الاتحاد السوفياتي، لن تتخلى أبدا عن الحلم الروسي القديم - الجديد - الدائم.

ومن هنا أخطأ من ظن أن الانسحاب الروسي كان مفاجأة. فالمفاجأة الحقيقية أصلا، كانت في التدخل الروسي المباشر قبل ستة شهور، عندما باتت القوات الحكومية السورية مهددة بالانهيار، بل وباتت دمشق ذاتها، مهددة بالسقوط في أيدي المعارضة المسلحة. فالانسحاب ليس مفاجأة، بل تكتيكا يقطع الطريق على مطالبة المعارضة السورية المسلحة بالحصول على مزيد من الأسلحة، وخصوصا النوعية منها كالصواريخ المضادة للطائرات. اذ قالوا لهم: ها نحن قد انسحبنا من سوريا، فلا مبرر لكم للمطالبة بسلاح نوعي كهذا. وهو، أي الانسحاب الروسي الذي ظنه البعض مفاجأة رغم الترجيح بكونه قد تم باتفاق روسي سوري أميركي، هدفه أيضا تزويد الأميركيين بالحجة التي تمكنهم من رفض مطالب المعارضة المسلحة بالتصعيد عبر مزيد من السلاح، معتمدة على الاتفاق مع روسيا باجراء انتخابات رئاسية في وقت قريب، تحافظ على علمانية النظام، ومعولة على احتمال خروج الأسد من المشهد السياسي عن طريق صندوق الاقتراع المعبر عن ارادة الشعب السوري، ان كانت تلك ارادته، وليست ارادة المعارضة المسلحة.


وهذا ما ستكشفه الأيام القادمة، عندما يرتفع الدخان الأبيض معلنا عن مولد رئيس جديد، أو عن بقاء الرئيس القديم في سدة الرئاسة.

ميشيل حنا الحاج
عضو مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب – برلين
عضو في مركز الحوار العربي الأوروبي – واشنطن
كاتب في صفحات الحوار المتمدن – ص. مواضيع وأبحاث سياسية
عضو في رابطة الكتاب الأردنيين – الصفحة الرسمية
عضو في رابطة الصداقة والأخوة اللبنانية المغربية
عضو في مجموعة مشاهير مصر
عضو في مجموعة صوت اللاجئين الفلسطينيين
عضو في مجموعات أخرى: عراقية، سورية، لبنانية وأردنية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. النموذج الأولي لأودي -إي ترون جي تي- تحت المجهر | عالم السرع


.. صانعة المحتوى إيمان صبحي: أنا استخدم قناتي للتوعية الاجتماعي




.. #متداول ..للحظة فقدان سائقة السيطرة على شاحنة بعد نشر لقطات


.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال الإسرائيلي تكثف غاراتها على مخي




.. -راحوا الغوالي يما-.. أم مصابة تودع نجليها الشهيدين في قطاع