الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إستمرار ربط سعر النفط بالدولار. الى متى؟

ضياء رحيم محسن

2016 / 3 / 22
الادارة و الاقتصاد


هناك مجموعة من العملات القيادية يتم التعامل بها في تسوية المعاملات التجارية بين البلدان، من بين هذه العملات نجد أن الدولار يهيمن على تسوية هذه المعاملات بين جميع البلدان، يرتبط كل هذا بعوامل إقتصادية و أخرى غير إقتصادية تخلق الثقة هذه الثقة، من هذه العوامل الأهمية الصناعية والتجارية والسياسية والعسكرية للولايات المتحدة.
قبل ذلك كان الجنيه الإسترليني يستحوذ على هذه الأهمية في التعاملات التجارية، وبقيت هذه الأهمية حتى بعد خروج بريطانيا من قاعدة الذهب عام1931، وبعد الحرب العالمية الثانية خفت ضوء الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، الأمر الذي أفقدها ميزتها الصناعية بظهور دول صناعية منافسة لها.
شكل بروز الولايات المتحدة كقوة إقتصادية وسياسية ومالية وعسكرية ، بعد دورها المباشر في إنهاء الحرب العالمية الثانية، جراء تفوقها في مجال الطيران العسكري، بالإضافة الى تبنيها لمشروع مارشال لإعمار أوربا الذي زاد من أهميتها الإقتصادية؛ وأهمية الدولار في التجارة الدولية، حيث كانت مساعدات الولايات المتحدة التي تقدمها لأوربا، تعود الى الولايات المتحدة على شكل طلب سلع وخدمات أمريكية.
لكن بالعودة الى بريطانيا والجنيه الإسترليني، لم يكن إنتاج النفط العربي بكميات صناعية ليمنح أهمية خاصة للجنيه، ولم يرتبط سعر النفط بسعر الجنيه، بل إن تسعير النفط كان يتم كأي سلعة يتم تداولها في السوق بناء على العرض والطلب، بل أننا نلاحظ أنه حتى مع إنحسار الدور البريطاني عن الساحة الدولية، نجد أن النفط كان يتم تسعيره بالجنيه الإسترليني.
إن العلاقة بين سعر الدولار مرتبطة بشكل معقد للغاية، ذلك أننا نلاحظ أنه مع إرتفاع سعر الدولار الأمريكي؛ نجد أن سعر برميل النفط ينخفض، وبالعكس في حالة إنخفاض سعر الدولار، حيث يرتفع سعر برميل النفط، وينتج عن الحالة الأولى إنخفاض فاتورة واردات النفط الأمريكية وإنخفاض العجز في ميزان المدفوعات، ولحل هذه الإشكالية المعقدة؛ يجب إتباع واحد من الحلول التالية، مع أنهما بعيدان عن الواقع، الأول أن يكون تسعير النفط بعملة أخرى، والثاني تقليل الولايات المتحدة من إعتمادها على النفط!
هناك من يعتقد بأن بالإمكان تطبيق أي من الحلول المطروحة، لكن المشكلة أن النفط المصدر من الدول النفطية، يتم تسعيره بالدولار، فهي تستلم قيمته بالدولار؛ مع ملاحظة أن هناك دول تستلم جزء من أقيام نفطها الذي تبيعه بعملات أخرى كاليورو، لكن هذا لا يعني أنها تبيع باليورو، بل أن كل ما في الأمر أنها تقوم بمعادلة الدولار باليورو، في وقت أن أغلب وارداتها من السلع والخدمات، قد لا تشتريها بالدولار؛ بل بعملات أخرى كاليوان الصيني مثلا، وفي هذه الحالة عليها أن تدفع أكثر لشراء هذه السلع؛ مما يسبب خسارة للدول المنتجة للنفط.
نلاحظ أن الدول النفطية ستتعرض الى خسارة جراء هذه الإشكالية في التعامل، بالتالي لا هي قادرة على أن تتحكم بسعر النفط في الأسواق العالمية، وهي تستطيع وقف وراداتها من اليابان والدول الأوربية، لذلك ستعاني من أمرين، الأول إضطرارها لشراء سلع رديئة أقل جودة من تايلندا والهند وماليزيا، بالإضافة الى تعرض إقتصاداتها الى التضخم، جراء رداءة هذه السلع، الأمر الذي يفسر إرتفاع الدخل الإسمي، بالتالي فإن هذا لا يتعلق بإنخفاض القوة الشرائية؛ بقدر تعلقه بنمط الحياة المتبع.
إن إنخفاض سعر الدولار في أسواق النفط، يعطي مبرر قوي للمضاربين في هذه الأسواق لزيادة حدة المضاربات، الأمر الذي يتسبب في إرتفاع سعر النفط لرخص ثمنه، قد يتم توجيه اللوم على المضاربين الذين تسببوا في إرتفاع سعر النفط، وهذا خطأ، لأن السبب الرئيسي في ذلك هو إستمرار منظمة الأوبك في سياسته بتسعير البترول بالدولار الأمريكي، بالإضافة الى ذلك فإنه سيؤدي الى زيادة العجز في ميزان المدفوعات الأمريكي، ولا يمكن إغفال تأثبر ذلك على سعر الفائدة؛ التي ستنخفض هي الأخرى، مما يجعل أي شيء مرتبط بسعر الفائدة أقل جاذبية للمستثمر.
من ناحية أخرى فإن إنخفاض سعر الدولار، سيكون له أثر على المدى الطويل، من خلال تأثيره في العرض والطلب في السوق النفطي، حيث تنخفض الطاقة الإنتاجية؛ نتيجة لإنخفاض القوة الشرائية للدول المصدرة للنفط، بسبب عدم تمكنها من توفير الأموال اللازمة لزيادة الطاقة الإنتاجية، ما ينتج عنه إنخفاض العرض مقارنة بالطلب، وهذا الأمر ينسحب على الشركات النفطية العالمية التي تكون عوائدها مقومة بالدولار، في وقت تدفع مستحقات العاملين لديها بعملات أخرى، بما يؤدي الى إرتفاع التكاليف مقارنة بالعائدات؛ وهو ما يؤدي الى تقليصها لإستثماراتها لإضافة براميل جديدة، بما يؤدي الى إرتفاع سعر النفط.
النفط وعلاقته بالدولار والذهب
خلال سنوات الحرب العالمية الثانية تم الإتفاق على ضرورة إقامة نظام نقدي سليم، بحيث يمكن العمل به بعد أن تضع الحرب أوزارها، خاصة فيما يتعلق إقتصادات أوربا واليابان لإعادة البناء، نتج عن ذلك ما يسمى ((نظام بريتون وودز))، والذي تمخض عن إقامة صندوق النقد الدولي (IMF) وكانت الوظيفة الأساسية له هي إقراض الدول الأعضاء التي تعاني من عجز في إحتياطيات النقد الأجنبي ، لكن الذي حدث أنه في عام 1971 إرتفع سعر الذهب الى أكثر من ضعف ليصل الى 70,3دولار/ أونسة، بعد أن ظل لمدة تزيد على ثلاثين سنة مستقرا عند سعر 35 دولار/ أونسة (الأونسة = 31,1 غم).
حتى قبل حرب تشرين 1973، كان سعر برميل النفط لا يتجاوز 2,2 دولار/ برميل، وجراء موقف الولايات المتحدة في الوقوف الى جانب إسرائيل في الحرب، قاطعت 6 دول عربية الولايات المتحدة وهولندا، الأمر الذي تسبب في شحة النفط وإرتفع سعره الى 5,12 دولار/ برميل، بعد أخذت منظمة الأوبك المبادرة برفع سعر البرميل الى 11,65 دولار/ برميل، وأطلق على هذا (الصدمة الأولى)، بعد الثورة الإيرانية بقيادة الإمام الخميني (قدس ) عام 1979 إرتفع سعر برميل النفط الى 26 دولار/ برميل، ثم الى 35 دولار/برميل أثناء حرب الخليج الأولى.
بمقارنة بسيطة لسعر النفط بسعر الذهب في نفس المدة الزمنية، سنجد أن الدول النفطية هي الخاسر الوحيد في هذا كله، حتى مع إرتفاع سعر برميل النفط، والسبب في ذلك أن الأونسة الواحدة من الذهب وصل سعرا الى 100 دولار أواخر عام 1973؛ أي ثلاثة مرات أعلى من سعره قبل هذا التأريخ، في حين أن برميل النفط إرتفع سعره 2,5 مرة، وفي عام 1979 كان سعر الذهب قد إرتفع الى أكثر من 24 مرة من سعره القديم، في وقت نجد أن سعر النفط قد إرتفع الى 18 مرة من سعره لنفس الفترة، ولو لاحظنا أن سعر برميل النفط خلال تلك الفترة يساوي 2,3 غرام من الذهب، سنجد أنه من المفترض أن تبيع الدول النفطية برميل النفط ب7,36 دولار/ برميل، في حين أنه في العام 1979 كان من المفترض بالدول النفطية أن تبيع نفطها بسعر 42,78 دولار/برميل، وأثناء حرب الخليج الأولى تبيع نفطها بسعر 62,79 دولار/برميل.
من خلال ملاحظة الأرقام الواردة أعلاه، نلاحظ أن الدول النفطية خسرت على التوالي (2,24، 16,78، 27,79) دولار/برميل، إذا كان من المفترض بالدول النفطية أن تقوم بتثبيت أسعار نفوطها على هذا الأساس لكي لا تتعرض الى خسائر كبيرة، فهي من جهة لا تستطيع أن لا تبيع نفطها وتبقيه محبوس في باطن الأرض، لأنها بحاجة الى أموال لتمويل المشاريع التي تقوم بها، ومن جهة أخرى فهي كمن ينظر الى من يسرقه ولا يستطيع أن يفعل شيئا له.
إن الدور المحوري الذي يلعبه الدولار في الإقتصاد العالمي، جعله يستولي على 66% من إحتياطيات النقد الأجنبي في العالم، بالإضافة الى 80% من مبادلات سعر الصرف الأجنبي، كما أن 50% من الصادرات يتم دفع قيمتها بالدولار الأمريكي، بالتالي فإن أي إنخفاض في سعر الدولار، سيؤثر على أسعار السلع والخدمات المقومة بهذه العملة، صحيح أن السلطات النقدية في الولايات المتحدة، ملتزمة بمكافحة التضخم، وهو ما عزز من مكانة الدولار كعملة قيادية، لكن في مقابل ذلك نجد أن هذا يؤثر على البلدان التي تربط إقتصاداتها بالدولار الأمريكي.
لهذا نجد أن الولايات المتحدة تقوم بتشجيع سعر منخفض للدولار، لتتمكن من زيادة صادراتها، وكذلك تقليل العجز التجاري المزمن لديها (يبلغ العجز في الموازنة العامة الأمريكية أكثر من 5%) ، من هنا فإننا نرى بأن إنخفاض سعر الدولار يتم بموافقة الولايات المتحدة، لتعزيز القدرة التنافسية للصادرات الأمريكية؛ على حساب صادرات الدول المنافسة (اليابان والصين والدول الأوربية)، فعندما يكون الدولار قويا، ستكون السلع الأمريكية مرتفعة السعر، الأمر الذي يدفع المشترين الى التحول الى سلع من دول أخرى، إذا يمكن القول بأنها عملية سرقة للفوائض التي تقوم بتحويلها الدول المصدرة للنفط، ووضعها في البنوك الأمريكية.
البترودولار
ساعدت العوائد المتحققة للدول النفطية، من بيع النفط في الأسواق العالمية والمرتبطة بالدولار، ووضعها في البنوك الأمريكية، الولايات المتحدة على كبح جماح العجز التجاري الكبير الذي أصاب إقتصادها، تقول صحيفة (ذي غارديان) في دراسة لها (( أن دولرة أسواق النفط تعد من أهم المحركات الأساسية في الأداء الإقتصادي الأمريكي خلال السنوات الأخيرة)) والسبب لأن أغلب الدول المستوردة للنفط، تقوم بتسوية أقيام مشترياتها بالدولار، مع عدم إغفال أن الدول المصدرة تحتفظ بإحتياطياتها مقومة بالدولار الأمريكي، الذي تقوم بإستثماره في الولايات المتحدة، ولو علمنا ان هبوط الدولار يعني تراجع تلك الإحتياطيات، بالإضافة الى تراجع الإستثمارات، سنجد أن فرص النمو المستقبلية لهذه البلدان ستنخفض هي الأخرى.
الأثر السلبي لربط سعر النفط بالدولار
إن ربط سعر النفط بالدولار لهو أمر ينم عن جهل كبير بالمخاطر المحدقة بالبلدان المصدرة لهذه السلعة النادرة والناضبة في نفس الوقت، لذا فإن على هذه الدول التفكير بتسعير نفطها بعملة أخرى، لأن بقاء النفط مقوم بالدولار يعني ربط التضخم في هذه البلدان بالتضخم في الولايات المتحدة، وهو ما يعس المشاكل الإقتصادية هناك على إقتصادات هذه الدول.
ما الحل؟
نرى ضرورة تسعير النفط، خاصة النفط العربي بعملة أخرى غير الدولار، إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار أن مجموع صادرات النفط العربي تمثل 3,5% من حجم التجارة العالمية، من ثم فإن ذلك لن يضر بالدول الأخرى التي تقوم بتسعير نفطها بالدولار الأمريكي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف هي العلاقة بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية؟


.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 27 إبريل 2024 بالصاغة




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 27 إبريل 2024 بالصاغة


.. موجة الحر في مصر.. ما الأضرار الاقتصادية؟ • فرانس 24




.. الرئيس الفرنسي يحث الاتحاد الأوروبي على تعزيز آليات الدفاع و